كيف تسترد حقك ؟قصة قصيرة
أبدأ قصتي من الخاتمة .استرد خميس أمانته من صديقه سليم بطريقة ما , لم يكن أمامه سوى هذا الدرب السيء ليسلكه معه .ما أن أخذ الصندوق بهدوء وخرج من الشقة ما بين الساعة الثالثة والثالثة والنصف قبل الفجر وترك الباب الشقة مفتوحا حتى لا يستيقظ سليم وزوجته اللئيمة من نومهما على غلق الباب .حتى تنفس الصعداء وقال : هكذا يعود سليم وزوجته الى رشدهما ويعلمان أني قادر على استرداد حقي بأي طريق .فانا لست ضعيفا كما يقولون . ولا عاجزا عن مواجهة القضاء الذي طال انتظار حكمه في قضيتي .وصل وآذان الفجر الى بيته وتأكد من احكام خزانته على الصندوق . ثم نزل يهرول بعد أن توضأ واستغفر الله على فعلته الشنيعة التي ارتكبها مرغما . وفي قرارة نفسه أنها أهون مما كاد الشيطان أن يدفعه اليه من قتل سليم بأية طريقة .أخذ يدعو في سجوده وهو يبكي يارب هذه حيلتي لأسترد حقي بعد أن ضاعت الحقوق بين الناس بالباطل والتمادي في الانكار لكل جميل , يارب لولا احتياجي لهذه النقود ما أقدمت على أخذها بهذه الطريقة يارب أنت غفار الذنوب أتوسل اليك أن تتوب علي , هل أخطأت يارب التصرف . ما حيلتي اذن وزوجتي مريضة وتعايرني بأنني أفضل الأصدقاء عليها . أردت أن أثبت لها أنني قادر على أخذ حقي منه .آه من النساء وحضهن على الشر أو الخير ان أردن مع أزواجهم . هي التي دفعتني أن أجامل صديقتها زوجة سليم , وهي الآن التي تشعر بأنها أصبحت في حال أحسن منها وتغار من زياراتي لصديقي سليم ووقوفي معه وتظن أنني بمساعدتي له أهمل طلباتها , وهاهي اليوم مريضة وتريد أن أسترد القرض الذي اقترضه سليم عند زواجه وهو مبلغ العشرة آلاف جنيه التي ورثتها من المرحوم والدي وأعطيتها له ليتمم بها زفافه بعد أن هددته هيفاء بفسخ الخطبة لطول انتظارها للزفاف وتجهيز العفش الذي اتفقا عليه , وكانت تتنظر أن تجد زوجا خيرا منه , وتعيره بي وبما أملك من امكانيات جعلت صديقتها تقرر الزفاف قبلها مع أنها مخطوبة بعدها بسنة كاملة .وأخذت تدفعه أن يستلف من أصحابه , ولم يكن أطيب مني عندما قبلت أن أعطيه مبلغ الميراث كله بايصال أمانة , على نفسه الى زوجته صاحبة زوجتي لتعطيه لزوجتي متى جاء موعده .وكان الاتفاق على سنة , وهاهو قد مر أكثر من خمس سنوات وأنا أطالبه بالسداد وهو يسوف ويماطل حتى اختلفنا وقمت باعطاء الايصال لمحامي ليرفع عليه دعوي تبديد الأمانة , مقابل أتعاب عشرة في المائة من تحصيل المبلغ . بينما وكل هو أيضا محاميا في القضية وقام بتغيير عنوانه ليهرب من السداد واشترط محاميه أن يحصل منه على عشرين في المائة من المبلغ في حالة براءته .كان محاميه أذكى مني حيث قام بتشجيع زوجة سليم أن تنكر تماما أن لخميس أي حق على سليم حيث قامت بتسليم قيمة ايصال الأمانة لزوجته بالكامل ومعه مستند يثبت ذلك .وتأجلت القضية مرات ومرات والمنافسة بين المحاميين على أشدها , حتى ضقت ذرعا أنا وزوجتى باجراءات التقاضي وطولها وقرب ضياع حقي أمام هذا اللئيم الذي صدق فيه قول الشاعر :لئن أنت أكرمت الكريم ملكته ** وان أنت أكرمت اللئيم تمردا .
ولكنني في نفسي ظلام كبير ،،، كيف لي أن أفعل هذاكيف لي أن أتقاضى مبلغي بهذه الطريقة ......؟؟! لا تقل هذا الكلام ألا تذكر كيف وقف بوجهك أمام الجميع وأنكر حقك ،، ألا ترى نظرات الجالسين والمحامين حتى القاضي كم كانت نظراتهم قاسية بل قاتلة بكل مافيها من شك وتهمألا تذكر أباكلم ينم له جفن حينما سرق منه فأس المزرعة .. لأن ماله عليه عزيزولأن كل قطرة من ماله تشع بالنقاوة لأنه حــــــــــــلال ...
تناوبته الهواجس والوساوس وهو يفكر في الطريقة الجهنمية التي ارتكب بها فعلته .راح يتذكر كيف استرد أباه فأسه من سارقها . وكيف أن الفأس التي أخذها لم تكن هي هي فأسه المسروقة بل فأسا جديدة ولكنها كانت من ذات الشخص الذي أخذ فأسه . قال والده يومها : الحمد لله لا يضيع حق مظلوم .لقد ظل يبحث عن فأسه مع العمال الزراعيين الذين يعملون بالفئوس حتى وجدها كان قد علمها بعلامة في يد الفأس الخشبية بمسمار وكان العمال في وقت الراحة وبعضهم نائمون . أخذ يقترب من الفئوس حتى أمسك بيد الفأس وسحبها ووضعها على كتفه وانسل راجعا الى حقله وهناك وجد يد الفأس هي يد فأسه أما حديدة الفأس فقد كانت جديدة لامعة جاءت من عند الحداد أو بائع الفئوس هذا الصباح .هكذا صنع خميس ليسترد نقوده . لما يئس من حكم المحكمة قرر أن يتسلل الى منزل غريمه ويسرق منه ما يوازي مبلغه المجحود وانتهز فرصة سفر جار غريمه الى المصيف هو وأولاده وكانت شرفته ملاصقة لشرفة سليم الغريم المنكر للجميل ودخل منها الى شرفة سليم بعد أن هجع الناس الى مضاجعهم وكان باب الشرفة الذي يفتح على الصالة مفتوحا وكان سليم وزوجته نائمين , وعلى أطراف أصابعه أخذ اتجاه غرفة المعيشة وكان قد درس البيت وعرف كل شق فيه ألم يكونا من قبل صديقين يتزاوران وكان يعرف أين تضع زوجته صندوق حليها عندما أرته لزوجته في زيارة من زياراتهما . قصد الى ذلك الصندوق صندوق المجوهرات الموضوع في البوفيه ووجد المفتاح في نفس الدرج فلم يكلف نفسه عناء كسر الدرج وفتحه وحمل الصندوق وخرج من باب الشقة وتركه مفتوحا وعاد بمبلغه .وعندما فتح الصندوق لم يجد جواهر ولا حليا ولا مصاغا وانما وجد مالا , كان هذا المال نفس المبلغ الذي اقترضه سليم منه بالتمام والكمال وكأنما أعده ليرجعه اليه بعد طول انكار .
دق جرس الباب في العاشرة صباحا , وكان خميس مستغرقا في نومه . فقامت زوجته لتفتح الباب ووجدت أمامها , هيفاء زوجة خصمهم سليم , وكادت أن تغلق الباب في ووجهها , لكنها قبل أن تفعل استمعت الى كلماتها :ــــ لاتغضبي مني يا سميحة . نحن لم نشأ أن نماطل في تسديد الدين . الذي اقترضناه منكم .!! وانما كنا نحاول تدبيره حتى يكتمل ونرده اليكم .!!ــــ لم ترد عليها سميحة وانما قالت لها . أين الورقة التي يدعى محاميكم أنك حصلت عليها مني بأنكم أرجعتم المبلغ ؟!!ـــ ورقة .. آه توقيعك على الصفحة التي كنا نتعلم عليها رسم توقيعاتنا !ـــ انها لعبة لعبتموها أنتم ومحاميكم الضلالي الذي استغلها ليطيل وقت القضية !!قالت هيفاء وهي مازالت تقف أمام الباب : والآن وقد اكتمل مبلغكم , جئت لأخبرك أن زوجي سليم قد نوى بارجاعه .ـــ لا .. أنها لعبة جديدة تقومون بها ضدنا . هيا لا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى . وأغلقت في وجهها الباب .
كانت زيارة هيفاء مقصودة , وكان زوجها سليم قد أبلغ الشرطة بسرقة شقته ليلة البارحة , وأبلغ عن قائمة طويلة من المسروقات . لم تكن في الحقيقة مما أخذه خميس أثناء دخوله شقة سليم .ولما سأله الضابط عن من يشك فيه , قال : لايمكن أن يكون غير خصمي خميس الذي يقاضيني على شيء تم رده اليه .وفعلا جاء مخبر الشرطة ليقبض على خميس ويقوده لأخذ أقواله .ولم يعرف خميس والمخبر يقتاده الى مركز الشرطة , ما الموضوع بالضبط فهو لم يكن سارقا لشيء ليس له , وقد مل انتظار حكم المحكمة في قرضه الذي ينكره سليم .وما فعله كان لاسترداد حقه .سأله الضابط : ماقولك في اتهام هذا الشخص ( سليم ) لك بسرقة شقته ؟!رد خميس : أنا لم أسرق شيئا سيدي الضابط .قال الضابط : ألا تعترف بأن بينك وبينه خصومات في المحكمة .؟!أجاب : بلى . ولكن هذا الأمر موكول الى القضاء وما تحكم به المحكمة .وأصر خميس على عدم اعترافه بأنه لم يقتحم شقة سليم ولم يسرق نمنها شيئا .فما كان من الضابط الا أن أقفل المحضر وأمر بتحويل القضية الى النيابة .وهناك خرج كل من خميس وسليم بكفالة ( مائة جنيه لكل منهما ) وحولت القضية الى المحكمة .بدعوى رفعها سليم على خميس بسرقة شقته . وبدأ المحاميان في اعداد أوراقهما للقضية الجديدة .
l"]امتدت القضية سنة جديدة , وبعد أن كانت كفة نجاحها في صف خميس , انقلب الميزان وبدأت الكفة تميل ضده ,ومازال سليم يصر على أنه رد القرض عن طريق زوجته هيفاء لزوجة خميس ( سميحة ) , وأن سليم تسلل الى شقتهما وسرقها ومن المسروقات الصندوق الذهبي لمجوهرات هيفاء .ومازال خميس ينكر أنه أو زوجته عاد اليهما حقهما الذي اقترضه سليم وهو العشرة آلاف جنيه .ولكن محاولة خميس التخلص من الصندوق الذي استرد فيه حقه بالقائه في صندوق القمامة المجاور لمنزله كان بمثابة خيط المؤامرة التي نفذها لنفاد صبره . فقد عثر سليم على هذا الصندوق وهو يباع عند أحد الصاغة , وصاح وهو يشتري لزوجته قرطا ذهبيا جديدا من عند هذا الصائغ : هذا صندوقي وأمسك بالرجل والصندوق واشهد التاجر .وجاءت الشرطة وحرزت الصندوق , وبتحريات الشرطة ورجال المباحث تم التوصل الى خميس الذي ألقى بالصندوق في القمامة وهو لايعلم أن فيه قطعا من الذهب في صناعته وكان راغبا في ابعاد تهمة السرقة عن نفسه .وواجهه القاضي ومحامي سليم بالصندوق . أليس هذا مما أخذه من شقة خصمه سليم .؟!!واعترف خميس بفعلته , وهو يقسم أنه ماأخذ غير النقود التي كانت به وأنها هي قيمة المبلغ الذي ينكره سليم عليه .وقال القاضي : لقد كدت تحصل على حقك من خصمك , لكنك ضيعته بما أقدمت عليه من السرقة .أجاب خميس : سيدي القاضي . أعترف بأني تسللت فعلا لاستراد حقي من سليم . وأخذت ذلك الصندوق , ولما فتحته لم أجد فيه غير مبلغي بالتمام والكمال , فحمدت الله وقررت أن أرد الصندوق الى مكانه . لكن سليم سارع ورفع ضدي قضية السرقة المعروضة فخشيت أن يضبط عندي الصندوق فتثبت على تهمة السرقة , وقد حضرت زوجة سليم الى شقتنا وأقرت لزوجتي أنهما أعدا مبلغنا وقررا أن يعيداه الينا ونسحب القضية التي رفعناها ضدهما . وأستطيع أن أثبت للمحكمة ذلك .قال القاضي : كيف ؟!!قال خميس : لقد قامت زوجتي بتسجيل مادار بينها وبين السيدة هيفاء على شريط نحتفظ به .كنا قد عزمنا على اعطائه لمحامينا لتقديمه أثناء الدفاع عنا .واستمعت المحكمة الى الشريط الذي لم تنكر ماجاء فيه السيدة هيفاء زوجة سليم . وبعد مرافعة الدفاع قررت المحكمة تأجيل النطق بالحكم الى جلسة 25من الشهر القادم .
اليوم الرابع والعشرون من الشهر وبقي يوم واحد للذهاب الى المحكمة للاستماع الى حكم القاضي بشأن المتخاصمين خميس وسليم , وكان كل منها عند محاميه , ليراجع معه احتمالات الحكم في القضية .قال محامي خميس له : عليك أن تبادر لمصالحة خصمك , وتعترف له بالحقيقة كاملة وتسترضيه وتتنازل عن قضيتك ضده , بعد أن أخذت حقك . وها نحن قد اقتربنا من أيام الشهر المبارك شهر رمضان , وعلينا أن نتصالح ونتحاب في الله . وأن تعتبر ما قدمته له من الخير في حسناتك . وقال محامي سليم له : ها نحن ياصاحبي قد أوشكنا نوقع بخصمك في السجن بالحكم عليه بالتعدي والسرقة .ولابد أن آخذ أتعابا أكبر مما أتفقنا عليه . فقد يحكم عليه برد قيمة المسروقات كلها لك فتصبح أنت الفائز في النهاية .قال سليم : لا . أيها المحامي . والله لقد رأيت أمس في منامي أنني أقف خلف صاحبي خميس , وأحاول أن أرى نورا ينبعث أمامه , لكنه كان يحجبه عني بجسمه , وكلما وقفت على أصابع قدمي لأراه وقعت على الأرض وكأن شيئا يدفعني بعيدا عن هذا النور , ورأيت أمرأتي تجرني من الخلف الى هوة كبيرة فوقعت فيها قبل أن أقع أنا أيضا .وفي الصباح عندما قصصت الحلم على زوجتي قالت : سليم حبيبي . لقد أخطأنا في حق صديقك وصديقتي خميس وسميحة . وعلينا أن نطلب منها أن يسامحانا وخصوصا ونحن مقبلون على صيام رمضان الكريم . حتى يغفر الله لنا ويتقبل منا صيامنا . وانني أعترف أنني كنت مخطئة عندما ذهبت الى سميحة , وفعلا لقد اعترفت لها بأنني لم أرجع لها الدين وأن الورقة التى أعطيناها لمحامينا بتوقيعها مزورة , ولا تعتبر دليلا على أننا رددنا لهما حقها . وأعترف أنني كنت أوفر في صندوق مجوهراتي مبلغ الدين حتى اكتمل , وأنني كنت أنوي أن أعطيه لهما بعد أن أخبرك بذلك . عندئذ قال محامي سليم : اذن يا صاحبي سوف يحكم عليكما القاضي بالحبس والغرامة كليكما وأتعاب المحاماة .قال سليم : لا . سوف نتصالح مع خميس وزوجته الليلة قبل موعد القضية غدا , وسأتنازل عن قضيتي ضده وأعترف للقاضي أن خميس لم يسرق شيئا من شقتنا , وانما استرد نقوده فقط , مادام الصندوق قد رجع الينا .وسعى سليم الى لقاء صاحبه خميس في نفس اللحظة التي سعى فيها اليه , وكان مع كل منها زوجته , وتقابلا في منتصف الطريق بين شقتيهما , وتعانق خميس مع سليم , وسميحة مع هيفاء , وأخذ كل منهم يلح أن يكون اللقاء عنده في شقته ليعتذر لأخيه .ووافقت سميحة وخميس أن يكون اللقاء عند هيفاء وسليم , وهناك تصافى الجميع وتصالحوا وقرأوا الفاتحة أن تعود صداقتهما من جديد , وقبل سليم وزوجته دعوة خميس وسميحة أن يتناولا أول افطار في شهر رمضان المبارك عندهما في شقة سميحة التي أخذ فيها القرض الملعون .وفي الصباح لم يحضر المحاميان الى المحكمة , ووقف الصديقان أمام القاضي ليعلنا له أنهما تنازلا عن القضايا التي رفعها كل منهما على الآخر , وأن كل منها أخذ حقه وسامح زميله على ما فعل , وطلب القاضي الانتظار لنهاية الجلسة و أعد النطق بالحكم بعد أن اطلع على حيثيات القضية وهو :( براءة كل من المتخاصمين بتنازلهما عما نسبه كل منهما للآخر بمناسبة شهر رمضان المبارك مع تحملهما أتعاب المحاماة .)
تعليقات