الدلالة الجمالية في النص الأدبي
الدلالة الجمالية في العمل الأدبي لاتقوم على اللفظ وحده
قال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري في كتابه ( الصناعتين )
(الكلام ـ أيدك الله ـ يحسن بسلاسته ن وسهولته ونصاعته ، وتخير لفظه ، وإصابة معناه ، وجودة مطالعه ، ولين مقاطعه ، واستواء تقاسيمه ، وتعادل أطرافه ، وتشابه أعجازه بهواديه ، موافقة ملآخيره لمباديه،مع قلة ضروراته بل عدمها أصلا ، حتى لايكون لها في الألفاظ أثر ، فتجد المنظوم مثل المنثور في سهولة مطلعه ، وجودة مقطعه ، وحسن رصفه وتأليفه ، وكمال صوغه وتركيبه ، فإذا كان الكلام كذلك كان بالقبول حقيقا ، وبالتحفظ والإقبال عليه خليقا )
وحتى استخدام اللفظ أو العبارة يتحقق باستيفاء شروط الفصاحة من الوضوح والقوة والجمال
وهي التي تكسب العبارة القوة والعذوبة عندما يسهل النطق بها، وحتى عندما يحسن تأثيرها في نفس السامع أو القاريء فيألفها، ويسهل عليه فهم معانيها ؛
فإن كل ذلك لايعفي الدلالة الجمالية من الاستعانة باللفظة التصويرية الموحية والمقربة
لخيال الأديب وفكره ومعناه ، في تناسق تام بيت التعبير والتصوير والانسجام بين جمال الإحساس الظاهري بالألفاظ والصور ، والباطني بالمفاهيم والمقاصد والأهداف والمشاعر.
يقول الدكتور غنيمي هلال أستاذ النقد والأدب المقارن في كتابه ( مدخل إلى النقد الأدبي )
وقيمة الصور الأدبية وجمالها في أن تحيا مدلولاتها ، وليست قيمتها في التسلي أو في أن تظل طافية في رؤوس أصحابها .)
وبهذا تكون الدلالة الجمالية أساسا لجمال العمل الأدبي الفني الذي يبدعه الأديب بارتفاع معناه حتى لو كان هذا المعنى مكررا بين الأدباء :
أنموذج للتطبيق :
هم الألى وهبوا للمجد أنفسهم = فما يبالون ما نالوا إذا حمدوا
ويقول الآخر في نفس المعنى :
ولست بنظَّار إلى جانب الغنى = إذا كانت العلياء في جانب الفقر
ومن الاعتماد على الدلالة الجمالية قول النمر بن تولب :
يود الفتى طول السلامة والغنى = فكيف ترى طول السلامة يفعل
يرد الفتى بعد اعتدال وصحة = ينوء إذ رام القيام ويُحمَل
وقال في نفس المعنى حميد بن ثور:
أرى بصري قد رابني بعد صحة = وحسبك داء ًأن تَصِحَّ وتسلما
وقال آخر :
دعوت ربي بالسلامة جاهدا = لِيُصِحَّني فإذا السلامة ُ داءُ
وقال ابن الرومي:
لعمرك ما الدنيا بدار إقامة = إذا زال عن نفس البصير غِطَاؤها
وكيف بقاء العيش فيها وإنما = ينال بأسباب الفناء بقاؤها
ومعنى ابن الرومي غامض مبهم ، يحتاج إلى كد الذهن وطول الفكرة فهو يريد أن يقول :( وإنما ينال بأسباب الفناء بقاؤها ) أن الإنسان إنما ينال البقاء في الدنيا بامتداد
عمره ، وهذا الامتداد هو سبب الفناء لأن للعمر نهاية ، وكل يوم يمر منه يقرب هذه النهاية مهما تكن بعيدة ، لأنه واحد من أيام الحياة الممدودة ،ينقص عددها ، ويقرب آخرها . وقريب من هذا قول محمد بن علي رضي الله عنهما :
( مالك من عيشك إلا لذة تزدلف بك إلى حمامك ، وتقربك من يومك ، فتأمل أمرك ، فكأنك قد صرت الحبيب المفقود ، أو الخيال المخترم ).
تعليقات