ورد عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه روى عن رسول اللع صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوم بدر :( أنتم على المرسلين ، وعلى عدد أصحاب طالوت حين جاوزوا النهر ) يعني كان عددهم ( ثلاثمائة وثلاثة عشر) ، وكان الرسل صلوات الله عليهم جميعا بهذا العدد ثلاثمائة وثلاثة عشرا رسولا مرسلا ونختار منهم في هذا المقال الثاني عن هُداةِ البشر مجموعة كريمة هدوا البشرية إلى مباديء الحق والعدل والخير والهدى وعبادة الله سبحانه وتعالى ، وتبعهم كثير من أقوامهم الذين آمنوا بهم فصاروا هُداة مثلهم ورفقاءهم يوم القيامة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله
وأول الرسل على الإطلاق هو ( آدم ) عليه السلام بعثه الله تعالى إلى أولاده بعد أن خلقه من تراب بلا أب ، أو أم ، وخلق من ضلعه اليسرى زوجته حواء ، التي أنجبت له عشرين بطنا في كل بطن ذكر وأنثى فصار أولاده أربعين رجلا وامرأة ، ثم توالدوا حتى كثروا وصدق الله العظيم حين يقول عنهم :( خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) ـ ونحن بالطبع منهم ـ من ذرية آدم عليه السلام ، وكان آدم يُكَنَّى في الجنة ( أبا محمد ) لأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أكرم خلق الله على الله ، وكان آدم يُكنى في الدنيا ( أبا البشر ) ، وأنزل الله عليه ؛ تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير ، كما ذكرت التوراة
وثاني نبي مرسل هو ( شيث ) ولد آدم عليه السلام وكان وصيه وولي عهده بعث على نفس دين آدم ليواصل دعوة أبيه عليهما السلام
ثم بُعِثَ ( إدريسُ) عليه السلام وسمي بهذا الاسم لكثرة ما كان يدرس من كتاب الله وسنن الإسلام لله ، وهو أول من خط بالقلم ، وأول من خاط الثياب القطنية ولبسها ، وكان قبله يلبسون الجلود والصوف ، وقد استجاب لدعوته ألف إنسان ممن دعاهم إلى الله ، وهو جدُّ ( نوح عليه السلام ) ، وقد رفعه الله إليه ؛ قال سبحانه وتعالى ( ورفعناه مكانا عليا )
ثُمَّ بُعِثَ ( نوح عليه السلام ) نبيا مرسلا وكان يُسَمَّى شاكرا ؛ وإنما سُمِّيَ ( نوحا ) لكثرة ما كان ينوح ويبكي خوفا من الله وخشية له ، وهو أول من أُمِرَ بِنَسخِ الأحْكَام ، وأُمِرَ بالشرائع ؛ وكان قبله نِكَاحُ الأخْتِ مُباحا ، فنُسِخَ وحُرِّمَ على عهده ، فكذبه قومه ، فأغرقهم الله بالطوفان ، وكان نوح عليه السلام قد حمل معه بالسفينة أربعين رجلا وأربعين امرأة فلما خرجوا من الطوفان ماتوا جميعا كما ذكر أصحاب السير والتاريخ ، إلا أولاد نوح عليه السلام ـ عدا ابنه الذي غرق مع الكافرين ـ فبقي من أولاده ( سام و حأم ويافث ) ونساؤهم ؛ قال تعالى :( وجعلنا ذدريته هم الباقين ) فتوالدوا وكثروا ؛ فجاء العرب والفرس والروم من ولد ( سام بن نوح )وكان الحبش والسند والهند من ولد ( حام بن نوح )وكان يأجوج ومأجوج والصقالبة والترك من ولد ( يافث بن نوح )
ثم بعِثَ بعده ( هودٌ) عليه السلام ؛ إلى قوم ( عاد ) وهي اسم قبيلة في بعض التفاسير ، وهناك تفسيرات تذكر أنه اسم ملك تسمت به القبيلة ، فكذبه قومه ، ورفضوا دعوته إلا قليلا منهم ، فعُذِّبُوا بالريح العقيم ، وأهلكوا جميعا
ثم بُعِثَ ( صالح ) عليه السلام إلى ثمود ، وهو اسم بئر بأرض الحجر ، وسميت القبيلة باسم البئر ، فكذبوه ،وعقروا الناقة المعجزة الدالة على نبوته ورسالته ، والتي طلبوا منه أن يخرجها لهم من الصخرة ، وكان عاقر ناقة صالح عليه السلام والمذكورة في القرآن رجلا أحمر أزرق العينين ،عيناه مثل عيني الخفاش يقال له قُدَارُ بن سالف ، وهو أشقى القوم كما وصفه الله تعالى في القرآن ( إذ ابنعث أشقاها ،.....) وأهلكوا بالصاعقة والزلزلة
ثم جاء ( إبراهيم ) عليه الصلاة والسلام بن آزر ، فكان أول من استاك ( أي استعمل السواك ) ، وأول من استنجى بالماء للصلاة ، وأول منجَزَّ شاربَهُ ، وأول من رأى الشَّيْب َ ، وأول من اختتن ، وأول من اتخذ السراويل ، وأول من ثرد الثريد ، وأول اتخذ الضيافة وقد رزقه الله أربعة بنين على الأشهر هم ؛ إسماعيل وإسحق ومدين ومداين ، وقيل بل أكثر من ذلك
ثم بُعِثَ ( إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ) وهو أبو العرب كلهم ، وكان ( إسحق ) عليه السلام نبيا مرسلا بعده ، وكان له ابنان هما : ( يعقوب ) و( عِيص) عليهما السلام ولدا في بطنٍ واحد من الأم جاء يعقوب على أثر عيص فَسُمِّيَ يعقوب لنزوله عقب عيص وكان ( يعقوب ) عليه السلام أبا إسرائيل وهو في لغتهم عبد الله ، وكان ( عيص ) عليه السلام ( أبا الروم ) ثم بُعِثَ ( لوط ) عليه السلام وكان في زمن إبراهيم و كان ابن عمه ، وقيل بل ابن أخيه عليهم السلام
ثم بعث ( موسى وأخاه هارون ) عليهما السلام إلى فرعون مصر ، (وكلم الله موسى تكليما ) وقصته معروفة للناس ونزول التوارة عليه ، وهلاك فرعون وقومه بالغرق بعد أن شق الله البحر لموسى فانفلق فأصبح كل فلق كالطود ( الجبل) العظيم
وبعث ( أيوب ) عليه السلام ، وهو ابن بنت لوط ، يسمى ( أيوب بن موسى )
ثم بُعِثَ بعده ( شُعَيْب) عليه السلام وهو شعيب بن نويب أُرْسِلَ إلى أهل مدين ، فكذبوه فأهلكوا بالصاعقة والزلزلة
ثم جاء ( يُوشَع بن نون ) ، وتلاه ( يونس ) عليهما السلام ، ويونس بن متى صاحب الحوت قال تعالى ( فالتقمه الحوت وهو مُلِيم) وقد بُعِثَ إلى إلى أهل نينوى بالموصل ، فكذبوه فأرسل الله عليهم العذاب فآمنوا فصرف الله عنهم العذاب بعدما غشيهم
ثم جاء ( داود ) عليه السلام ، وتلاه ابنه ( سليمان ) عليه السلام الذي آتاه الله الملك الذي لم يأته لأحد من قبله
ثم ( زكريا ) ثم ابنه ( يحي ) عليهما السلام
وبعده بَعَثَ الله تعالى عيسى بن مريم بنة عمران عليه السلام ، وقصته معروفة للناس وأنزل إليه الإنجيل فيه آيات بينات ، وهو الذي بشر بأحمد من بعده ورفعه الله إليه ، وما ذكره الرواة أن اليهود قتلوه إفكٌ وافتراء حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّهَ لهم )
و( إلياس ) واليسع ) عليهما السلام من الحواريين تلاميذ عيسى عليه السلام ، والأسباط من أولاد يعقوب الذي عاش في مصر سبع عشرة سنة وبعد فترة من الرسل بعد عيسى والحواريين من الرسل
بُعِثَ رحمة العالمين محمد الهادي البشير النذير صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل والأنبياء كما ورد في حديثه الشريف :( أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ».
هؤلاء هم هُدَاةُ البشر صلوات الله عليهم وسلامه ، جاءوا بالحق من الله تعالى بوحي السماء إليهم رسلا وأنبياء من أفضل خلق الله اصطفاهم ليكونوا قدوة يحتذيهم كل من يتخذ طريقه إلى الله ليرضى عنه ، بتحمل رسالتهم ليكون هاديا غَيْرَهُ في شكر الله وعبادته والإصلاح بين الناس وعمارة الكون بعمل الخير والهداية إليه