حوار بحثي عن النحو العربي
( منقول )
من ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
بين ( د.عبد الرحمن السليمان )
الدكتور فؤاد أبو علي ( المغرب )
الدكتور أحمد الليثي (مصر)
الدكتور وسام البكري ( العراق )
الأستاذ الصافي جعفري ( الجزائر )
د.عبد الرحمن : كتب :
قضية تأثر النحو العربي بنحو الأمم الأخرى
كانت وفاة سيبويه صاحب الكتاب الجامع في النحو سنة 170 هجرية، أي قبل بداية مرحلة نقل العلوم اليونانية إلى العربية بعقود. وكان أستاذه الخليل بن أحمد وضع قبل هذا التاريخ علم اللغة بمفهومه القديم (أي صناعة المعجم)، فصنف أول معجم شامل في تاريخ اللغات هو "كتاب العين".[1] وهذا يعني أن العرب طوروا علم النحو (النحو بمفهومه الأشمل أي القواعد) وعلم اللغة بمفهومه الضيق (صناعة المعجم) بمعزل عن أي تأثير خارجي.
وبما أن علم النحو العربي يختلف كثيراً عن علم النحو اليوناني، فقد اعتبر الكثير من الباحثين الأجانب علم النحو علماً عربياً أصيلاً نبت في أرض العرب "كما تنبت الشجرة في أرضها".[2] ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا المستشرق أدلبرتوس ميركس الذي زعم سنة 1889 أن النحو العربي مؤسس وفق منطق أرسطو.[3] لم يأخذ أحد من المستشرقين كلام ميركس بعين الاعتبار لسببين اثنين. الأول: وفاة الخليل وسيبويه قبل نقل منطق أرسطو إلى العربية. والثاني: قلة التشابه، بل انعدامه، بين النحو العربي والنحو اليوناني.[4] فأقسام الكلم عند العرب ثلاثة (اسم وفعل وحرف) وعند اليونان ثمانية، ولا يوجد أدنى تشابه في علم الصرف وسائر علوم اللغة بين اللغتين. لذلك أهمل المستشرقون كلام ميركس، واليوم لا أعرف أحداً اشتغل بكلامه إلا المستشرق الهولندي كيس فيرستيخ الذي حاول التوفيق بين كلام ميركس والواقع التاريخي، فبين أن ميركس كان يخلط في كلامه بين علوم اللغة أيام الخليل وسيبويه من جهة، وعلوم اللغة أيام ابن جني الذي يبدو تأثير الفقه الإسلامي والمنطق اليوناني جلياً في كتابه الشهير "الخصائص"، من جهة أخرى.[5]
ولما استحال إثبات التأثير اليوناني المباشر على النحو العربي، افترض بعضهم التأثير غير المباشر عليه أي عن طريق السريان الذين اتصلوا قبل العرب باليونان وعلومهم. وينقل فؤاد حنا ترزي عن مقال لأنيس فريحة في أثر لغويي السريان في وضع قواعد الصرف والنحو العربيين كلاماً مفاده أن الأسقف يوسف الرهاوي المتوفي سنة 708 للميلاد أسهم في الدراسات النحوية السريانية ووضع نظام الحركات السرياني ذا النقط، وأن أبا الأسود كان معاصراً له وأنه أخذ نظام التنقيط والحركات العربيين عنه. ويزعم آخرون، وأهمهم ميركس، أن حنين بن إسحاق كان ألف كتاباً في النحو العربي على الطريقة اليونانية، وأن حنيناً كان معاصراً للخليل بن أحمد وأن هذا الأخير أخذ عنه ... وهذا محض افتراء لأن مصدراً واحداً لم يذكر ذلك غير ميركس الذي لم يذكر في كتابه المصدر الذي أخذ هذه المعلومة المختلقة منه![6]
لا تتطلب مناقشة هذه الأقوال وتفنيدها كثير جهد لأن الوهن باد فيها، فكلام ميركس عن كتاب لحنين بن إسحاق في النحو العربي على الطريقة اليونانية محض افتراء، وأبو الأسود الدؤلي توفي سنة 688 أي قبل وفاة الأسقف يعقوب الرهاوي بعشرين سنة! فلم لا يكون الرهاوي هو الذي أخذ نظام الحركات عن أبي الأسود؟ ولماذا لم يقم السريان، وهم أقدم تدويناً للغتهم من عرب الشمال، بفعل ذلك إلا على زمان أبي الأسود الدؤلي؟! إن في نسبة وضع الحركات السريانية للأسقف يعقوب الرهاوي دليلاً على أنه أخذها عن أبي الأسود وليس العكس لأن في هذا التاريخ ما يثبت أن أبا الأسود كان سباقاً في الوضع وأن السريان ما كانوا يفكرون في ذلك قبل أبي الأسود، تماماً مثل اليهود المسوريين الذين أخذوا نظامي الإعجام والحركات عن العرب في الوقت ذاته (حوالي 725)، مع فارق أن اليهود يقرون بذلك بصريح العبارة. والآرامية كانت في ذلك الحين اللغة التي كان اليهود يتكلمون بها قبل استعرابهم، فعلى نطقها اعتمدوا في ضبط أصوات نص التوراة الذي توارثوه دون رواية أو إسناد[7]، لأنهم ما كانوا يعرفون وقتها كيف كان نص التوراة يلفظ؛ لذلك اعتمدوا في تشكيلهم النص العبري للتوراة على النطق الآرامي. ولو كان لدى السريان نظام حركات وقتها لأخذه اليهود عنهم خصوصاً وأن الآرامية كانت اللغة التي يتحدثون بها قبل استعرابهم في القرن التاسع!
ثم إن الثابت أن اللغة السريانية تكتب بكتابتين هما كتابة "سِرطُو" (= السطر) وكتابة "الإسترانجيلو" (= [الكتابة] المستديرة).[8] ومن المعروف أن السريان الذين يستعملون كتابة "سِرطُو" قد شكَّلوها بالحركات اليونانية فأصبحت كتابتهم خليطاً من حروف سامية ساكنة وحروف يونانية صائتة. فلو كان للسريان الذين يستعملون كتابة "الإسترانجيلو" عهدٌ بحركات وضعها إخوانهم الذين يستعملون كتابة "سِرطُو" التي تشكل بالنقط لأخذوها عنهم بدلاً من إقحام الأحرف اليونانية في أبجديتهم السامية التي خسرت خصوصيتها الثقافية بعد ذلك الإقحام.[9]
ويذهب أنيس فريحة إلى أبعد من ذلك ويتبعه في خلطه فؤاد حنا ترزي دونما أي تحقيق، فيقارن بين المصطلحات النحوية السريانية ومثيلاتها العربية، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن العرب أخذوا مصطلحاتهم عن السريان لأنها تدل على المعاني ذاتها! مثال:
المصطلح السرياني = النقحرة = المصطلح العربي:
ܫܡܐ ܖܝ ܥܒܕܐ = شِما ذِي عَبْدا = اسم الفاعل
ܡܠܘܬܘܬܐ = مَلُّوثُوثا = الإضافة
ܫܡܐ ܖܐ ܙܒܢܬܐ = شِما ذا زْبَنْتا = اسم المرة
ܫܡܐܗܐ = شُمّاها = الصفة
ܡܠܝܬܐ = مِلِّيثا = الفعل
إذاً يعتبر أنيس فريحة وجود معاني اسم الفاعل والإضافة واسم المرة والصفة والفعل في العربية دليلاً على تأثير النحوي السرياني في النحو العربي لمجرد ورودها فيه! فماذا نقول عن اللغات التي توجد هذه المصطلحات فيها قبل السريان وبعدهم؟ هل نقيس على منطق أنيس فريحة الأعوج ونقول إنها متأثرة بالنحو السرياني؟! هل نقول إن المقابلات اللاتينية للمصطلحات أعلاه (باطراد: participium activum, status constructus, nomen unitatis, adiectivum, verbum) من السريانية أيضاً؟! وهل نقول إنها في الهولندية، على سبيل المثال، من السريانية أيضاً، لأن هذه المصطلحات موجودة في الهولندية أيضاً؟! إن من يزعم زعماً كهذا مثل مَن يزعم أن كلمة "أم" عربية وجمعها على "أمهات" سرياني بسبب إضافة /الهاء/ في الجمع[10]، ناسياً أنه لا توجد لغة على وجه البسيطة يستعير أصحابها كلمات بدائية مثل "أب" و"أم" و"أخ" من لغة أخرى، وجاهلاً أن إضافة الهاء في بعض حالات الجمع ظاهرة سامية عامة وليست مخصوصة بلغة سامية دون غيرها! ونحن إذا التمسنا العذر للأب رافائيل نخلة اليسوعي صاحب المقولة الأخيرة لأنه رجل دين تراكمت لديه تراكمات ثقافية معينة استغلها في بعض الكتابات الطريفة التي لا يمكن بحال من الأحوال اعتبارها كتباً علمية لأنه يورد ما تراكم لديه من معلومات "على البركة" دون أدنى تفكير أو إعمال للعقل في ما يورد، فإننا في الوقت نفسه لا نستطيع فهم الخلط الشديد الذي يأتي به أنيس فريحة ويورده على علاته فؤاد حنا ترزي وهو أستاذ جامعي. هذا خلط أنتج آراء فاسدة لا يقول بها عالم بأصول علم اللغة المقارن لأنها آراء مبنية على التخمين والأحكام المسبقة وربما الشعوبية المبطنة، مثل تخمين من ظن أن الخليل بن أحمد الفراهيدي أخذ ترتيبه الصوتي لكتاب العين عن الهنود فقط لأن معجمه لا يعتمد الترتيب الألفبائي المعهود، مثل أبجدية "ديفاناجاري" الهندية التي لا تعتمد الترتيب الألفبائي المعهود أيضاً، وهو التخمين الذي ما تجاوز قط "كونه خاطرة"[11] لم يلتفت إليها أحد لأنها تفتقر إلى أي أساس علمي.
الحواشي:[1] يعتبر كتاب العين للخليل أقدم معجم في التاريخ. انظر كتاب: Haywood J.A., Arabic Lexicography ... Leiden, 1960. .[2] محاضرات الأستاذ ليتمان. نقلا عن أحمد أمين، ظهر الإسلام. بيروت، بدون تاريخ. الجزء الثاني، صفحة 292-293. وانظر أيضاً هنري فلايش، Traité de philologie arabe . المطبعة الكاثوليكية. بيروت، 1916. صفحة 25-26.
[3] انظر: Merx, Adalbertus, Historia artis grammaticae apud Syros. Leipzig, 1889.. طبعة سنة 1966.
[4] يزعم فؤاد حنا ترزي (انظر: أصول اللغة والنحو. دار الكتب، بيروت 1969. صفحة 112) أن تقسيم سيبويه الكلم إلى ثلاثة أقسام يوناني لأن أفلاطون قسم الموجودات إلى ذوات (= أسماء) وأحداث (= أفعال) ولأن أرسطو أضاف إليهما قسما ثالثا هو الروابط (= الحروف). فإذا كان الأمر كذلك، لماذا قسم اليونان ومن بعدهم الرومان ومن بعدهم جميع شعوب أوربا كلمهم إلى ثمانية أقسام؟!!!
[5] انظر: Versteegh Kees, Greek Elements in Arabic Linguistic Thinking. Leiden, 1977.
[6] انظر فؤاد حنا ترزي، أصول اللغة والنحو، دار الكتب، بيروت 1969. صفحة 110.
[7] يقول ابن جناح القرطبي: "ورأيت القوم الذين نحن في ظهرانيهم [= العرب] يجتهدون في البلوغ إلى غاية علم لسانهم على حسب ما ذكرناه مما يوجبه النظر ويقضي به الحق. وأما أهل لساننا في زماننا هذا فقد نبذوا هذا العلم وراء أظهرهم وجعلوا هذا الفن دبر آذانهم واستخفوا به وحسبوه فضلاً لا يُحتاج إليه وشيئاً لا يُعرج عليه فتعروا من محاسنه وتعطلوا من فضائله وخلوا من زينه وحليه حتى جعل كل واحد منهم ينطق كيف يشاء ويتكلم بما أراد لا يتحرجون في ذلك ولا يشاحّون فيه كأنه ليس للغة قانون يُرجع إليه ولا حد يُوقف عنده قد رضوا من اللسان بما يَسُر أمره عندهم وقنعوا منه بما سَهُل مأخذه عليهم وقَرُب التماسه منهم لا يدققون أصله ولا ينقحون فرعه، فلهم في اللغة مناكير يُغرب عنها وأقاويل يُزهد فيها. وأكثر من استخف منهم بهذا العلم وازدرى هذا الفن فمن مال منهم إلى شيء من الفقه [= التلمود] تيهاً منهم بيسير ما يحسنونه منه وعجباً بنزر ما يفهمونه من ذلك حتى لقد بلغني عن بعض مشاهيرهم أنه يقول عن علم اللغة إنه شيء لا معنى له وإن الاشتغال به غير مجدٍٍٍٍ ولا مفيد وإن صاحبه مُعنّى وطالبه متعب بغير ثمرة ينالها منه. وإنما استسهلوا ذلك لقراءتهم ما يقرؤون من الفقه ملحوناً ودراستهم ما يدرسون منه مُصحّفاً وهم لا يشعرون وذلك لعدمهم الرواية وفقدهم الإسناد". المصدر: ابن جناح القرطبي، كتاب اللمع. صفحة 2-3. الكتاب مطبوع بالعنوان التالي: Le Livre des Parterres Fleuris d’Aboul’l-Walid Merwan Ibn Djanah de Cordoue. Publiée par: Joseph Derenbourg. Paris, 1886.
[8] انقر لمعاينة شكل الكتابتين على الرابط التالي: http://www.omniglot.com/writing/syriac.htm.
[9] لعل هذا المزج بين الأبجدية السريانية (السرطو) والأبجدية اليونانية هو الذي أوحى لبعض العرب في النصف الأول من القرن الماضي بمزج كهذا للتوصل إلى حل لمشكل الكتابة والطباعة آنذاك!
[10] الأب رافائيل نخلة اليسوعي، غرائب اللغة العربية. المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1959، صفحة 173. يرد الأب رافائيل نحلة اليسوعي كل كلمة عربية ذات أصل سامي إلى السريانية لأنها أقدم تدوينا من العربية. وهذا مذهب فاسد لأنه يقتضي بالمنطق رد جميع الكلمات السريانية ذات الأصول السامية إلى العبرية لأن العبرية أقدم تدوينا من السريانية! كما يجوز وفقا لذلك المذهب رد العبرية إلى الأكادية وهلم جرا. والباحث العربي الوحيد الذي تفطن إلى هذا الأمر هو الأب أنستاس ماري الكرملي (في كتابه نشوء اللغة العربية ونموها واكتمالها، صفحة 67) الذي يقول: "ولا تكون الكلمة العربية من العبرية أو الآرامية إلا إذا كانت تلك الكلمة خاصة بشؤون بني إرم أو بني إسرائيل. أما الألفاظ العامة المشتركة بين الساميين جميعا، فليس ثم فضل لغة على لغة ". والكرملي عالم متمكن من مادته إلا أن معظم كتبه قد تجاوزتها الاكتشافات اللغوية والدراسات السامية التي تمت بعد عصره.
[11] كيس فيرستيخ في كتابه: Het Arabisch: Norm en Realiteit. Amsterdam, 1987 (اللغة العربية: المعيار والواقع). صفحة 71.
فرد عليه الدكتور فؤاد أبو علي قائلا :
شكرا لك على المداخلة القيمة التي ستثري لا محالة هذا الملتقى وتفتح نقاشا طويىلا حول اصول البحث اللغوي العربي... وأعتقد أن الحديث عن ارتباط النحو العربي بالأنحاء الأجنبية فيه جانبين أساسيين : جانب تاريخي مؤسس على الحقائق والوثائق ، وجانب علمي مؤسس على المنهج والمفاهيم المستعملة . وأظن أن القراءة التاريخية لن تسعفنا في ضبط الموضوع لكثرة الإحالات وتعددها واختلاف الروايات ، ويبقى التركيز على العنصر المنهجي من خلال اسئلة إشكالية أثرتم بعضها من نحو : ماهي حدود التشابه بين أقسام الكلم السيبويهية والمقولات الأرسطية؟ وماهي عناصر التميز في الخطاب السيبويهي ؟لعل ظهور النحو العربي وارتباطه اللزومي بالقرآن الكريم واعتباره آلية من أليات المحافظة على الطهارة اللغوية يجعلنا نتأكد من خصوصية الدرس النحوي العربي ..لكن هذا لا يعني انتفاء كل تأثير ...فيكفي أن نعرف أن أغلب أئمة العربية كانوا من الأعاجم بالخصوص الفرس لنقتنع بأن الهندسة السيبويهية التي تحمل من البراعة الشيء الكثير لها مناحي منطقية ليست بالضرورة يونانية ... كما أن القرون المتأخرة عرفت دخول مناهج منطقية اثرت على الخطاب النحوي الأصولي وليس القاعدي كما سنلاحظ مع ابن جني والسهلي وغيرهما.
وعلى العموم فالحديث عن التأثير الخارجي هو محاولة لاستبعاد كل خصوصية إبداعية عن العقل العربي في كل المجالات ولا يرتبط بدراسة علمية منهجية
ودي وتحياتي
فرد د, عبد الرحمن :
قلت: "وأعتقد أن الحديث عن ارتباط النحو العربي بالأنحاء الأجنبية فيه جانبين أساسيين: جانب تاريخي مؤسس على الحقائق والوثائق، وجانب علمي مؤسس على المنهج والمفاهيم المستعملة. وأظن أن القراءة التاريخية لن تسعفنا في ضبط الموضوع لكثرة الإحالات وتعددها واختلاف الروايات ، ويبقى التركيز على العنصر المنهجي من خلال اسئلة إشكالية أثرتم بعضها من نحو : ماهي حدود التشابه بين أقسام الكلم السيبويهية والمقولات الأرسطية؟ وماهي عناصر التميز في الخطاب السيبويهي"؟
إن الروايات التاريخية تجمع على أن نشأة النحو العربي وتطوره كانا سابقين لاتصال العرب الفكري بالأمم الأخرى عن طريق الترجمة. صحيح أن الرويات التاريخية تختلف لكن الاختلاف يبقى ضمن الحدود الزمنية للعصر السابق لعصر بيت الحكمة ونقل المعارف اليونانية إلى العربية.
من جهة أخرى، إن انعدام التشابه بين نظرية النحو العربي ونحو الأمم الأخرى الكلي هو الذي جعل المستشرق أدلبرتوس ميركس يشذ عن إجماع المستشرقين وغيرهم في مسألة أصالة النحو العربي، وهو الذي جعل بعضهم يفترضون التأثير اليوناني غير المباشر عبر السريان الذين لم يكن لهم نحو إلا بعدما كان للعرب نحو!
أما تأثير المنطق اليوناني والفسلفة اليونانية في العصور اللاحقة، خصوصا عند أبي علي الفارسي وابن جني، فهذا قد يصح (علما أني أغلب تأثير الدراسات الفقهية والكلامية على دراسات العالمَين الجليلين أكثر من افتراض تأثير منطق أرسطو عليهما) ولكنه منعدم عند الخليل وسيبويه، ولا يوجد أي دليل، تاريخي أو علمي، يثبت ذلك.
في هذا المجال أريد أن أشير إلى ظاهرة اشتغال بعض الكتاب مثل فؤاد حنا ترزي وأنيس فريحة بمتجاوز العلم، وقيام بعض الشعوبيين الجدد (مثل الشعوبي المبطن سامي خمو والشعوبي المبطن الدكتور دنحا كوركيس) ببث معلومات خاطئة في مواقع لا يوجد فيها أصحاب اختصاص في اللغة السريانية في محاولة يائسة للتشكيك في إبداع العرب في الدراسات اللغوية الذي شهد لهم به أكثر الباحثين الأجانب الذين أرخوا للعلوم اللغوية.
فرد د. فؤاد :
شكرا على اهتمامكإذا عدنا إلى رائد نظرية التأثير المستشرق الفرنسي مركس الذي أشرت إليه نجده يؤسسها على التماثل الملاحظ بين أصول المنطق الأرسطي وأصول النحو العربي على مستويي الاصطلاح والتقعيد . ففي مقالته المشهورة :"جذور النحو العربي" حدد صور التقارب بينهما في أربعة أشكال هي:
أ ـ أولها تقسيم سيبويه للمقولات إلى ثلاثة : اسم ـ فعل ـ حرف ، يشبه إلى حد كبير تصريف الأسماء والأفعال والحالات عند أرسطو .
ب ـ غياب مفهوم الفاعل النحوي عند أرسطو حيث عوضه بالمسند معبرا عنه باسم المقولة catègorie، واقتبسه النحاة العرب تحت اسم الخبر دون الإشارة إلى الفاعل .
ج ـ ورود فكرة الجنس في الكتابة النحوية العربية من خلال تصريف الأسماء والأفعال وحالات الإعراب مع العلم أنها لم ترد عند سالف الأقوام إلا عند اليونان .
د ـ التقارب الدلالي بين الاصطلاحات العربية و اليونانية
اعتمادا على كل هذه الأدلة يجزم مركس بأبوة الأدبيات الأرسطية للخطاب النحوي العربي . وتابعه في ذلك العديد من السادة الأساتذة العرب مثل مدكور والمهيري وكل دعاة الوصفية العربية . وقد حسم المستشرق كارتر في الأمر حين أقر بعدم وجود أدلة قاطعة تبرر هذه الفكرة مركزا على طغيان المنحى الفقهي على التفكير النحوي ." فسيبويه بعيد كل البعد عن اللغويين اليونانيين وقصده البصرة كان لتعلم الحديث والفقه لا المنطق. فهو لم يهتم بمعاني الكلمات وأبعادها الفكرية قدر اهتمامه بدورها ومكانتها واستعمالها الصحيح وذلك لأسباب لغوية صرفة . أما طرق بحثه في النحو فكانت فقهية المصدر انطلاقا من استعماله نهج التماثل أو التشابه الواردين في مفهوم القياس الفقهي الذي طبق مقربا الفرع من الأصل " . وكان ماسينيون أشد وضوحا عندما عبر عن خصوصية النحوي العربي إذ قال : " إنه منذ اختفاء مركس حظينا بدراسة وثائقية لطرق الترجمة العربية للأورجانون وذلك بواسطة السريانية ، و قد بينت لنا هذه الدراسات أن النحو العربي كان أشد امتناعا من السرياني على تسرب اليونانية إلى أوضاعهما . و كان قبل أن يتخذ العرب التقسيم الثلاثي اليوناني لأقسام الكلام (اسم / فعل / حرف) قد أبدعوا تقسيما ثنائيا موافقا للأصول الجدلية السامية :أصل/فرع ، عمدة / فضلة ، مبتدأ / خبر ".
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية باقية
فداخلهما الدكتور أحمد الليثي بهذا الرد :
أنقل لك في عجالة ما قاله سارتون في كتابه "مدخل إلى تاريخ العلم" عند حديثه عن أبي الأسود الدوؤلي:
"... وينسب إليه وضع علم النحو العربي. وتقول الروايات إنه تلقى توجيهاً من الإمام علي بن أبي طالب ابن عم النبي (صلى الله عليه وسلم)، وآخر الخلفاء الراشدين الأربعة (656م-661م) للقيام بهذا العمل. ويقول ابن خلِّكان (المجلد الأول، ص. 663): "وضع له عليٌّ هذا المبدأ: إن الكلام كله ثلاثة أضرب: إسم وفعل وحرف، ثم رفعه إليه وقال له تمم على هذا." ويُذَكِّرنا هذا بالنحو الأرسطوطاليسي؛ ذلك أن أرسطو أيضاً قال إن الكلام على ثلاثة أضرب لا غير. ومن المؤكد أن العرب كانوا على معرفة بالمنطق الإغريقي، وأن جهودهم في مجال النحو قد تأثرت به. ولكن من غير المحتمل معرفتهم بعلم النحو الإغريقي (اليوناني). ومع هذا فحتى عند وجود درجة بسيطة من المعرفة به ما كان هذا ليعينهم في جهودهم بنفس الطريقة التي أعانت بها تلك المعرفة علماء النحواللآتيني؛ ذلك أن عبقرية اللغة العربية كانت تختلف اختلافاً جوهرياً عن غيرها." انتهى
فالقول -ولو إيماء- بأخذ العرب تقسيم الكلام عن اليونانيين فيه نظر كبير، إن لم نسلب منه العلمية الكاملة.
فرد عليه د. عبد الرحمن:
تصيب كبد الحقيقة في استنتاجك أن القول إن تقسيم العرب الكلام مأخوذ عن اليونانيين يفتقر إلى العلمية لأنه لم يقل به أحد، لا عند الأقدمين ولا عند المحدثين، إلا المستشرق ميركس في مقالة مؤرخة بتاريخ 1889. والمستشرق ميركس يرمى بالكذب والافتراء لأنه نسب في مقالته إلى حنين بن إسحاق أنه ألف كتابا في النحو العربي على طريقة اليونانيين. ولا يزال افتراؤه هذا لغزا حتى اليوم ذلك أن أحدا غيره لم يذكر هذا الكتاب المزعوم.
وفي جميع الأحوال، لقد فند زعم ميركس كل المستشرقين الذين اشتغلوا بتاريخ النحو العربي، وأهمهم كارتر وماسنيون اللذان ذكرهما الدكتور فؤاد، وكذلك جون هايوود وكيس فيرستيخ وغيرهما. واستنتاج سارتون هو تحصيل حاصل في الواقع، وهو صائب في جميع الأحوال.
وبما أننا في سيرة سارتون: هل انتهيت من ترجمة كتابه "مدخل إلى تاريخ العلم" أم ليس بعد؟ ومتى نقرؤه في ترجمتك وعربيتك الجميلة؟!
ثم وجه حواره للدكتور فؤاد قائلا :
أود أن أشير في هذا الباب إلى بعض الحقائق لتكون بمثابة الأرضية للحديث في مسألة أصالة النحو علوم اللغة عند العرب:
1. إن تطابق التقسيم الثلاثي العربي للكلم (اسم وفعل وحرف) مع تقسيم أرسطو لأنواع الكلام لا يعني ـ بحد ذاته ـ شيئا. ومخطئ جدا من ينطلق من هذا التشابه ليقول إن سيبويه أخذه عن أرسطو. ولقد رأينا أن مستشرقا واحدا فقط هو ميركس زعم ذلك وأن جمهور المستشرقين فندوا قوله بالحجة التاريخية وهي سبق ظهور النحو العربي لترجمة منطق أرسطو، والحجة العلمية وهي انعدام التشابه بين النحو العربي ومنطق أرسطو إلا في التثليث! فها يصح لنا أن نقول إن الأقانيم ثلاثة لأن أرسطو قسم أقسام الكلام في المنطق إلى ثلاثة؟ وأنا لا أبالغ في القول حين أقول إن العلاقة بين نحو سيبويه ومنطق أرسطو، مثل العلاقة بين منطق أرسطو والثالوث المقدس في النصرانية، لأن القاسم المشترك بين نحو سيبويه والثالوث المقدس ومنطق أرسطو هو الرقم "ثلاثة" الذي كان قدامى البابليين يرون فيه "كلية المجاميع" لاحتوائه على المفرد والمثنى والجمع! وهكذا ترى كيف يفضي بنا هذا الحديث إلى التصوف!
2. إن أقسام الكلام في النحو اليوناني ثمانية وليست ثلاثة! فلماذا يأخذ سيبويه ـ وهو النحوي ـ عن منطق أرسطو، ولا يأخذ عن نحاة اليونان، لو كان بحاجة إلى الأخذ؟
3. إن بعض الكتاب العرب الذين ذهبوا إلى مثل قول ميركس (تقليدا له) هم في حقيقة الأمر أضل من ميركس وأجهل منه. وأنا شخصيا لا أقيم وزنا لكلامهم لأن أكثره سخيف يعتمد على متجاوز العلم ومستهلكه. فالعلاقة العضوية (العلمية) بين النحو العربي ومنطق أرسطو منعدمة، لأن النحو علم والمنطق علم آخر، ولا أدري كيف يخلطون بين العلمين هذا الخلط المستهجن دون أن يأتوا بدليل واحد على ذلك، يطمئن العقل إليه.
وفي الحقيقة إن كتابات هؤلاء الكتاب العرب على ضربين: ضرب شعوبي مبطن يريد أن ينفي صفة الإبداع عن العرب، وضرب ملكي أكثر من الملك، فيتقول أصحابه على أوائلنا وهم دونهم في كل شيء. من هؤلاء الكاتب أحمد عمر [1]، ففي وقت تجمع أكثرية الباحثين والمؤرخين لعلم صناعة المعجم على أن فكرة المعجم "بصفته مؤسسة لغوية" من ابتكار الخليل بن أحمد الفراهيدي، يطلع علينا هذا الكاتب ليقول إن الخليل أخذ فكرة "ترتيب" معجمه عن الهنود! وعمدته في هذا القول الفاسد على ترتيب الخليل لمعجمه المخالف لترتيب الأبجدية المعروف. وبما أن ترتيب الأبجدية السانسكريتية "ديفاناجاري" مخالف لترتيب الأبجدية المعروف، فقد ربط هذا الكاتب المفلق بين الخليل بن أحمد والهنود، ونسب إلى الخليل تأثره بالهنود، علما أن الهنود، أنفسهم، لم يكونوا يعرفون المعجم، "بصفته مؤسسة لغوية"، قبل الخليل بن أحمد! فكيف نفسر هذا العبث؟
4. لما استحال إثبات تأثير العلوم اليونانية على النحو العربي الذي لم يتأثر بأي من العوامل الخارجية، افترض أنيس فريحة وفؤاد ترزي حنا التأثير السرياني عليه لأن السريان كانوا أقدم اتصالا باليونان من العرب، متجاهلين (والأحرى: جاهلين جهلا مطبقا) أن السريان أنفسهم أخذوا عن العرب نظرية النحو العربي ومنهجه وطبقوهما في دراسة اللغة السريانية ووصفها وذلك بإجماع جميع المؤرخين للنحو والعلوم اللغوية في الساميات [2]. ومن الأمم التي استعارت عن العرب مناهجهم النحوية وطبقوها في وصف لغاتها ودراستها: اليهود [3]، والأقباط، وكذلك الأتراك في بداية دراستهم للغة التركية. ومنهج سيبويه يطبق اليوم في دراسة جميع اللغات السامية في جميع الجامعات الغربية والشرقية! وكل كتب علم اللغة المقارن في الساميات مؤسسة اليوم على منهج سيبويه. وكل قواعد العبرية والسريانية والعربية والبابلية في الغرب مؤسسة اليوم على منهج سيبويه.
والحقيقة إن هذا الأمر واضح وضوح الشمس بإجماع أصحاب الاختصاص من عرب وأجانب، وإنما كنت كتبت المقالة أعلاه ردا على الشعوبي المبطن دنحا كوركيس الذي زعم في الموقع الذي يكتب فيه أن العرب أخذوا نحوهم عن السريان، بينما الثابت تاريخيا بإجماع المؤرخين أن السريان هم الذين أخذوا نحوهم عن العرب.
مع المودة والتقدير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
إحالات:
[1] أحمد عمر، "البحث اللغوي عند الهنود وأثره عند النحاة العرب"، بيروت 1972.
[2] انظر المراجع التالية:
Carter, Michael G., Les origines de la grammaire arabe. REI 40 (1973), 69-97.
Carter, Michael G., Arab Linguistics. An Introductory Classical Text with Translation and Notes. Amsterdam, 1981.
Versteegh Kees, Greek Elements in Arabic Linguistic Thinking. Leiden, 1977.
Haywood J.A., Arabic Lexicography ... Leiden, 1960.
[3] انظر على وجه الخصوص:
Prijs, L., Die grammatikalische Terminologie des Abraham Ibn Esra. Basel, 1950.
Saenz-Badillos, A., Gramaticos Hebreos de Al-Andalus (siglos X-XII). Cordoba, 1988
فقال الدكتور أحمد الليثي :
صدقت، فقول سارتون تحصيل حاصل لأنه ما دام النبع موجوداً فلماذا نترك الأصل ونذهب إلى الفرع. وهذا هو ما قصدته ابتداءا. أم هي لا تزال "عقدة الخواجة"؟ فالاستشهاد بما قاله ميركس لا يمكن الأخذ به لأسباب تفضلت بذكرها. ومن قالوا بقول ميركس بنوا على غير أساس، ولذلك فمن السذاجة العلمية الاستشهاد به فيما يمكن ضحده في طرفة عين. وإذا استخدمنا مصطلح الحديث فإن هذه رواية آحاد يسقط الاستدلال لها.
أما نقلي لقول سارتون أعلاه فالغرض منه أنه لو كان الاستشهاد بشخص يدعم كل قضية ويثبِّتها، فإن هذا يعني أن الاستدلال برأي معارض يكفي لضحد ذاك الاستشهاد. بمعنى أنه إذا أتيت لي بقول شخص أتيت لك بقول شخص آخر على شاكلته يفند قولك. وهذا المبدأ في حقيقته مفتقر للعلمية أيضاً ما دامت هناك وسائل أخرى للحكم على صحة الشيء أو بطلانه. ولكن لما كان هناك من يستشهدون على آرائهم بأقوال أشخاص رددنا عليهم بأقوال غيرهم مع بلاهة الوسيلة، ولكن من باب خاطبوا الناس على قدر عقولهم. ومع هذا فإن القاعدة العلمية هي أنه لا يصح الاستشهاد بقول أحد ما لم يدعمه دليل دامغ. وإن توفر هذا الدليل سقط الاستدلال بأقوال الأشخاص منفردةً.
كذلك فمن أين أتى سيبويه بتقسيم الكلام؟ هل أتى به من عنده ولم يكُ عالماً بما وقع بين علي بن أبي طالب وأبي الأسود الدؤلي؟ فلماذا نقول قال سيبويه، ولا نرد الكلام إلى مصدره الحقيقي؟ بل على فرض عدم صحة الرواية فمن السخف أن ننسبها لوقت بعد زمن سيبويه حتى يكون سيبويه هو من قال هذا.
كذلك إذا كان أرسطو قد قال هذا قبل غيره، فهل اطلَّع العرب على علوم الإغريق ومنها النحو حتى يقول بهذا القول علي بن ابي طالب رضي الله عنه؟ ولو قال قائل "نعم"، فأتونا بدليل عليه؛ إذ البينة على من ادعى. أما أن تكون البينة قول أحدهم، فهذا مما لا يلتفت إليه، وخاصة عند انتفاء الموضوعية العلميةن وغمكان ضحد القول من سبيل آخر.
وهل تقسيم الكلام في العربية يختلف في واقعه عن تقسيم الكلام في اليونانية حتى لا يصح أن يكون تقسيم علي بن أبي طالب للكلام أصيلاً، ونعتبره منقولاً وليس أصلاً يعكس حقيقة تقسيم الكلام في العربية فلا يحتاج المرء معه إلى النقل، بل ما يحتاجه هو إعمال العقل كما فعل كرم الله وجهه ورضي عنه، وقد كان يقطر علماً؟
أما سؤالك عن كتاب سارتون، فلا تسأل. يكفيني أن أقول إنني حالياً لا أنام إلا النذر اليسير، وأمامي بضع وعشرون يوماً للانتهاء من 4 مجلدات (فضلاً عن عملي الجامعي والامتحانات وغير ذلك). فأسالك الدعاء بالتيسير.
فقال الدكتور عبد الرحمن :
صدقت في كل ما قلت، وكان الله في عونك يا دكتورنا الحبيب.ثم أضاف :
حاشية ملحقة بالحاشية رقم [7] في المقال أعلاه:
قال موسى بن عزرا: "ولما استفتحت العرب جزيرة الأندلس المذكورة على القوط الغالبين على الرومانيين أصحابها بنحو ثلاثماية سنة قبل فتح العرب لها الذي كان على عهد الوليد بن عبدالملك بن مروان من ملوك بني أمية من الشام سنة اثنين وتسعين لدعوتهم المسماة عندهم بالهجرة تفهمت جاليتنا بعد مدة أغراضهم ولقنت بعد لأي لسانهم وتبرعت في لغتهم وتفطنت لدقة مراميهم وتمرنت في حقيقة تصاريفهم وأشرفت على ضروب أشعارهم حتى كشف الله إليهم من سر اللغة العبرانية ونحوها واللين والانقلاب والحركة والسكون والبدل والادغام وغير ذلك من الوجوه النحوية مما قام عليه برهان الحق وعضده سلطان الصدق على يدي أبي زكريا يحيى بن داود الفاسي المنبوذ بحيوج وشيعته رحمة الله عليه ما قبلته العقول بسرعة وفهمت منه ما جهلت قبل".
المصدر: (مخطوط ذكره س. مونك في كتابه: S. Munk, Notice sur Abou’l-Walid Merwan ibn Djanah. Journal Asiatique, 1850, tom. I, p. 29).
وقال اليروشلمي (أديب يهودي من القرن الخامس للهجرة): "وهكذا كانت اللغويون المتقدمون يعتقدون جميعهم الأفعال الثنائية والأفعال الفردية إلى أن ظهر أبو زكريا حيوج رضي الله عنه وأقام الدلايل والبراهين [على] أنه لا يوجد فعل على أقل من ثلاثة حروف، وبين سر الأحرف اللينية والأحرف المندغمة والأحرف المنقلبة فثبت الحق وبطل كل ما سواه! ثم جاء بعده الشيخ المعظم أبو الوليد مروان بن جناح ז"ל وزاد ذلك بيانا ووضوحا".
المصدر نفسه الصفحة 32. وكان اللغويون قبل حيوج، مثل سعاديا الفيومي والفاسي القرائي صاحب كتاب "جامع الألفاظ" (معجم عبري عربي كبير)، يعتقدون أن الأفعال المعتلة ثنائية الجذور، فشرح حيوج ذلك في كتابه "الأفعال ذات حروف اللين" وهو مختصر فبسط ذلك مروان بن جناح في كتابه الكبير "التنقيح".
وهنا تدخل الدكتور وسام البكري بقوله :
كنتُ أتجول بين المنتديات المتخصص في العربية، ومن ضمنها منتدى (الإيوان)؛ فأثارني موضوع منشور بعنوان:(قضية تأثر النحو العربي بنحو الأمم ألأخرى)
لـ (حب بن محبوب) بتاريخ 14مايس 2009؛
ومكتوب تحت اسمه: عضو مميّز.
وحين استرسلتُ في القراءة، أحسست بأني قرأت مثل هذا الموضوع، ولكني حينما وصلت إلى الألفاظ السريانية تيقّنت أني قرأته في ملتقى الأدباء من قبلُ، وقد صدقَ ظنّي.
وإليك الرابط:
http://www.iwan7.com/t405.html
ومن الظريف أنّه يوقّع بهذا التوقيع:
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا
وكيف لا يكون ربيعاً، وهو يرتع في موضوعات ليست له ؟ ! ! !.
مع خالص التقدير.
فرد د. عبد الرحمن:
أضحكتني كثيرا أضحك الله سنك أخي الحبيب د. وسام!(حب بن محبوب)؟ أحبَّه وجعُ بطنه كما تدعو عجائز الشام على "السرسرية" (وهم جماعة "فرهود" باللهجة العراقية)! حلق الله ساقيه!
لكن توقيعه بالدعاء (اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا) سبّب لي حزنا لأن صنيع هذا الرجل ليس صنيع أهل القرآن.
فداخلهم الأستاذ الصافي جعفري :
الموضوع بالتحديد وزيادة درسه وتتبع اثاره عبد الرحمان الحاج صالح الجزائري ابو اللسانيات العربية الحديثة
فما عليك سوى الاطلاع على مواضيعه التي تنشر في مجلة اللسانيات التي يشرف عليها معهد اللسانيات بجامعة بوزريعة الجزائر