النيل يرفع راية العصيان ( فاروق جويدة )

قصيدة أعجبتني نشرتها صحيفة الأهرام بتاريخ 11 يونيو 2010 م
 في صفحة الأدب هوامش حرة 
عدد الجمعة للشاعر فاروق جويدة
يقول فيها :
رحل الزمان وما برحت مكاني = فأنا الخلود .. وما لديكم فـــانِ
سجد الزمان على ضفافي رهبةً = واستسلمتْ أممُ على شُطْــآني
لم يركع التاريخ إلا في يـــدي = لم تسمع الدنيــــا سوى ألحـــاني
أنا من جنان الله أحمـــلُ سِرَّهــا = وكم انتشيتم من رحيق جناني
مهدُ الخليفة كان سرا في دمـــي = ومواكب التاريخ من أعوانـــي
نام الزمان على ضفافي آمنــــا = وبقيت وحدي كعبة الأوطــــان
لا تسألوا كيف انتهى سلطـــــــاني = وتكسرتْ في غفلة تيجـــاني
لم تحفظوا عهدي وخنتم رايتي = حين اسبتحتم حرمة الإنســــــان
لم تحفظوا مائي فصار خطيــئةً = حقت عليهـا لعنة الرحمــــــــن
***
الله سطرني على وجه الورى = نهرا يصــــلي بعد كـــــــل أذان
في كل أرضٍ للمآذن صـــرخةُ = وبكل ركن رتـــلوا قــرآنــــي
أنا وحي هذي الأرض سر وجودها = والله كرمني بكل زمــــان
عندي من الصلبان ألف تميمة = مـــلأت بنور هــلالها وديـــاني
كم لاح وجه الله بين ربوعها = سجد الزمــــان وكبَّرَ الهرمـــان
فحملتُ للدنيا رســـالة خـــالقي = ورسمت نهر الحب والإيمـان
منذ استبحتم حرمة الشطـــآن = حجد الرفاق وخانني جيـــراني
أنا لم أكن نهرا وضل طريقه = بل كنت قلبــا ضمه جســــدان 
في مصر شريان يذوب صبـــابة = والعشق داء في ربا السودان
وحَّدتُ أوطانا ... جمعت عشائرا = والكل في عشق العلا إخواني
الماء بين يدي عهد مســـالم = فإذا غضـــــــــبت فإنه بركـــاني
سجد الفراعنـــة العظام على يدي = وتزاحمت أمم على سلطاني
كان الوجود خرائبــــا منسية = شيدتها بشوامخ البنيــــــــــــــان
في كل شبر كنت أغرس نخلة = وعلى الضفاف يتيه سحر جناني
أهديتكم دربا طويلا للعــلا = ديني وعلمي ..... نخوتي وبيــاني
واخترت أن أبقى رسولا للهــوى = بين الأحبة واسألوا شطآني
في كل ركن عقد فُلٍّ عـــاشق = وحبيبة رحلت .. وطيف حنان
***
يوما غرست على الضفاف مهابتي = ورفعت في قمم الجبال مكاني
ماءً طهوراً للصلاة فإن بدت = عينُ الخيــــــــــانة أشعَلَتْ نيـــراني
في واحتي تبدو الطيور أليفــة = لكنهــا أُسْــــــــدٌ على العــــــدوان
كم صرت نارا حين راوغني العِـدا = ورأيت طيف الغدر في سجاني
من باع إيماني وخان فضـــائلي = وأعادني للشرك والبهتـــــــــان؟!!
كيف ارتضيتم محنتي وهوانــــي = وتلفني في وحشــــــة أكفـــــاني؟!
هل يصبح المــاء الجسور وليمــــة = للشامتين على ثرى جثمــــاني ؟
هل يخفت الضوء العتيق وتختفي = فوق السنابل فرحة الأغصـــــان؟!
هلى ينتهي صخبي .. وتخبو أنجمــي = وتكف أطياري عن الدوران ؟!!
أوَ تجلسونَ على شواطيء نيلكم = تترنحون كعصبــة الشيطـــــان؟
ماذا سيبقى للحياة إذا اختفى = وجهي ... وسافر في دجى النسيــــان ؟
أأكون تاريخا .. توارى باكيـــــــا = بين السفوح ولوعة الأحــــزان ؟
***
من ألف عام كنت أركض شــامخا = بين الجموع يحيطني فرســـاني 
والآن ترصدني الوجوه فلا أرى = غير الخنوع وخِســــة الكهــــان
فالجالسون على العروش تســـابقوا = عند الفرار وأحرقوا شطـــآني
قد علموني الصمتَ .. صرتُ كدميةٍ = سوداء شاخصة على الجدران
والآن أقرأ في دفاتر رحلتي = فأرى الجحود ... وجفـــــوة الخـــلان 
ماذا جنيتم من سلام عاجــزٍ = غير الهوان ... يسوقنا لهـــوان ..!!
تتراقصون لكل ذئب قادم = وتراوغــــون كرقصــة الحمـــــلان 
وتهرولون إلى الأعادي خلســةً = خلف اللصـــوص وباعة الأوطان 
خنتم عهود الأرض بعتم ســرها = للغاصبين بأبخس الأثمــــان
من باعني أرضا وخان قداستي = من دمر التاريخ  في وجدانـــــي؟!
يتزاحم الكهان حول مضاجعي = يتعانقــون على ثرى أكفاني 
وحدتكم زمنا فكنتم ســــــادة = للعالمــــين على هدى سلطــــــــاني
والآن صرتم لعبة يلهو بها =  شر العبــــــــاد وعصبة الكهـــــان 
ما اخترت أرضي ... ما اصطفيت زماني = لكنه قدري الذي أشقاني
فلقد تبدلت الليالي بيننــــــــا = ورأيت عمرا جاحدا أدمــــــــــــــاني
***
يا أيها الوطن العريق قم.. انتفضْ = واكسر كهوف الصمت والقضبان
أطلق أسود النيل من ثكناتها = واهدم قلاع البطش والطغيــــــــــــــان
في الأفق شيء لا أراه وإن بــدا = خلف السحاب كثورة البركـــــان
يعلو صهيل المــــاء يصرخ حولنا = يتزاحم الفرسان في الفرسان
تهتز أرض تستغيث مواكــبُ = ويهرول الكهان للكهــــــــــــــــان
وأنا أطل على الربوع معـــــانيا = أشكو إليها محنتي  و هوانــــي
منذ استبحتم حرمة الشطـــــآن = صدِئت على أطلالكم تيجـــاني
حتى عيون الناس ضل بريقها = ما بين لــيل القهر والهذيــــــان
***
سأزوركم في كل عام كلمــا = حنت حنايا الأرض للفيضـــــــان
أتسلق الأفق البعيد لكي أرى = خلف السدود شواطئي وجنــاني
أنا لن أكف عن المجيء لأنني = كالأرض ما كفت عن الدوران
سأُطل من خلف الحدود وربما = تبدوعليَّ مرارة الحـــرمان
عودوا إلى الحب القديم .. وعلموا = أبناءكم أن يحرسوا شطآني
أعطيتكم عمري وهانت عشرتي = والآن أرفع رايـــة العصيان 
لو كنتُ أعلم ما طواه زماني = لاخترتُ أرضًــا غيركم أوطاني
***
فاروق جويدة 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )