شيءٌ من السعـــادة ( يكفي )
ذكريات : ( من كراسة الخواطر )
السفر إلى عيد ميلادي الثلاثين عام 1974م في قطار الغربة
اليوم الجمعة الثاني من فبراير 1974م ، تحرك القطار يوما بعد أن وصل أمس لحافة العقد الثالث من عمري، وبدأ يسير
عبر محطات القطار في العام الثلاثين ، مسجلا ما أجنيه على نفسي من سيئاتٍ وحسنات ، حاملا بين دواوينه ما تحرك به
ضميري ، وكل جارحة فيَّ من عمل طيب لأمحو به ما سبق من أخطاء ، حاثا إياي على التزود بكل جميل.
ها أنا ذا أحتفل مع رفقة من زملائي الأماجد ببلوغي تلك المحطة من سني حياتي .
بعضهم ربما قد بلغها والآخرون سيبلغونها إن شاء الله وربما زاد القليل عن عمري سنة أو أكثر ، وأحسست أن هذا اليوم
ينذرني بقرب انتهاء الشباب ، وإن كنت أمتليءُ اليوم بأفراحي النفسية حيوية ونشاطا ؛ فحزمة الآمال العريضة كانت تضيءُ
حفلنا البهيج ، بين راقص ، ومغنٍ ، وشادٍ ، وملحن ، والشعار نسيان كل هموم الحياة والإقبال إلى السعادة بميلاد جديد مع
هذا العيد الذي يضمنا للاحتفاء بأحلى الذكريات عند الإنسان في هذا العمر الربيعي الطيب .
أجل إن قليلا من السعادة لا يؤذي أحدا ، ولكن كثيرا لا يقنع بالقليل فإن السعادة إذا كثرت أصبحت رخيصة .
مع هؤلاء الرفاق من الزملاء بعيدا عن وطننا الحبيب مصر المحروسة ، وفي أقصى جنوب ليبيا في مدينة ( أوباري )
كان يضمنا الحوش ( المنزل ) الواسع الذي أقطنه مع اثنين منهم وبدعوة للباقين لحضور هذه المناسبة التي تتكرر لأحدنا
مرة واحدة في العام .
وقف الأستاذ / أحمد داوود ملحنا وموسيقيا ، الأستاذ / يوسف النادي مديرا لنادي الطرب والاستقبال للعلاقات العامة
والأستاذ / محمد حشاد حاشدا لمجموعة نادرة من الطرف والفكاهات الجميلة ، والأستاذ / أحمد مهنى البورسعيدي اللامع
عندليبا يشدو بصدق وافتتنان وإخلاص ، والأستاذ/ عبد الرحمن الدراوي معلم التربية الرياضية راقصا ولاهيا وفنانا ،
وإن كان أكثر المجموعة ضخامة وارتفاع قامة لكنه كان يقول : لاتتخلص من وزنك الكبير إلا باللهو والرياضة والمزاج
الخالي من الهموم .
والمحتفى به وسطهم الفقير السعيد بصفوة الخلان من الأصدقاء كان أكثرهم نشوة وسرورا في ليلة تمر بشيءٍ من السعادة
التي لا يمكن لأحد أن يرفضها أو يطلب وقتها المزيد منها آملا في سعادة تأتي مثلها في بلوغ عام جديد من عمره إن شاء الله
كانت الأفكار تدور في مخيلتي المشرقة لتسجل في صفحاتها البيضاء متسائلا : هل سيقبل مثلها في أيامي ؟!!
وكل ما هو آت آت .أم ستكون ذكرى يطويها النسيان ؟ وبعد افتراق الصحب آوينا إلى أماكن نومنا الهادئة ، وفي حجرتي الصغيرة في هذا الحوش مكثت ساعة وحدي أسجل تلك السطور في كراسة الخواطر الذاتية
واليوم وقعت تلك الصفحة تحت يدي وأنا أرتب أوراقي ومكتبتي بعد فراغ الحياة الوظيفية والخروج إلى المعاش .
تعليقات