رؤية حول آية كريمة
قال تعالى :( إن الذي آمنوا , وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدّا )
الآية 96 من سورة ( مريم )
سوف أتأمل في : ثواب الرحمن الذي وعد به المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهو :(الود)
هناك فرق كبير بين أن تؤمن بالله , وبين أن تؤمن بالله وتعمل الصالحات !!
أن تقول بلسانك أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وبين أن تقولهما وتعمل بحقهما صالحا !
بالتأمل تجد أن الآية الكريمة تؤكد على الربط بين الإيمان والعمل الصالح بحرف التأكيد (إن) في أول الآية
ثم عطفت العمل الصالح على الذين آمنوا . وحرف العطف (الواو) يأتي للربط بين الجمل كما يقول أهل اللغة والنحو.
وهكذا جاءت معظم آيات القرآن الكريم عندما ذكرت( الذين آمنوا) أتبعتهم بصفة :( وعملوا الصالحات) , وعلى سبيل المثال لاالحصر :
آية 277 من سورة البقرة :(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.)
آية 57 من سورة آل عمران :( وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم ربهم أجورهم ....)
آية 30 من سورة الكهف: ( أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لانضيع أجر من أحسن عملا .)
آية 12 من سورة محمد :( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ...)
وغيرها الكثير من الآيات التي أذكر منها أيضا :( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب .)
فما الإيمان وما حقيقته .؟:
جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يرويه عمر بن الخطاب في صحيح مسلم :
( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب , شديد سواد الشعر , لايرى عليه أثر السفر
ولا يعرفه منا أحد , حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه , قال : يا محمد أخبرني عن الإسلام.؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وتقيم الصلاة ,وتؤتي الزكاة , وتصوم رمضان , وتحج
البيت إن استطعت إليه سبيلا .) قال : صدقت ., قال عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه , قال : فأخبرني عن الإيمان .؟
قال :( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , وتؤمن بالقدر خيره وشره .) قال : صدقت , قال: فأخبرني عن الإحسان .؟
قال : أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك .)قال فأخبرني عن الساعة .؟
قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) قال : فأخبرني عن أماراتها .؟ قال : أن تلد الأمة ربتها , وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون
في البنيان ) قال : ثم انطلق فلبثت مليا , ثم قال لي : ياعمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ؟
قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم .) رواه مسلم .
وحقيقة الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم : أن تشهد أنه رسول الله وأنه خاتم الرسل والأنبياء أرسله الله إلى الناس كافة , وأنه بلغ الرسالة , وأدى
الأمانة , ونصح الأمة , وكشف الله به الغمة , وهدى به قلوبا غلفا وآذانا صما , وأنه جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين . وترك الناس على المحجة
البيضاء ليلها كنهارها , لايزيغ عنها إلاهالك . وترك فيهم ما إن تمسكوا به لن يضلوا أبدا كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم
قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .) آية 3 من سورة المائدة.
فجزاه الله عنا خير الجزاء . اللهم آته الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة التي وعدته إنك لاتخلف الميعاد .
ولما كان الإيمان كما جاء في حديث عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو قول باللسان وتصديق بالقلب والجنان وعمل بالجوارح للأركان
, فقد أضافت الآية الكريمة التي نتأملها من سورة مريم :( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) أضافت : لحقيقة الإيمان بالله ورسوله
العمل الصالح , وهو جماع لكل خير ,من طاعة الله وتنفيذ أوامره في كل ما يرضيه سبحانه وتعالى , ويوجب محبته , واجتناب كل مانهى عنه من المعاصي والشرور
مما يجلب سخطه وغضبه ويستوجب عذابه في الدنيا والآخرة .
ويكتمل إيمان المرء باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والعملية والتقريرية , والاقتداء به وبصحابته رضوان الله عليهم والذين وصفهم عليه الصلاة والسلام
بقوله :( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) وأن يداوم على ذلك ويستقيم عليه ( قل آمنت بالله تعالى ثم استقم )
والمؤمن بعد ذلك من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وسلم منه المسلمون من لسانه ويده , ويؤدي العبادات المفروضة , ويعمل بالسنن الهادية لنبي الله
صلى الله عليه وسلم , وإذا كانت العبادات هي سمات المؤمنين الصادقين تعرفهم بصلاتهم , إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان, وتعرفهم بإيتاء الزكاة
والصدقات ,فالصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار, وصيامهم المفروض عليهم كما فرض على الذين من قبلهم , وهوشهر رمضان المعروف وصيام التطوع والكفارة ,وحج البيت إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا,
فإن المعاملات مع خلق الله يعتبر من تمام إضافة العمل الصالح إلى الذين آمنوا حتى يكتمل إيمانهم ,فالمؤمن يتعامل مع خلق الله من إنسان وحيوان وجماد وزرع بقلب
يمتليء بمحبة الله ورسوله , ويتعلم من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :( وخالق الناس بخلق حسن )( أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)
ثم نأتي إلى النأمل في وعد الرحمن بأنه : سيجعل لهم ودا :
وقد اختار الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى اسم ( الرحمن ) في هذه الآية ليعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات : بالوُدّ . المذكور في الآية الكريمة.
فلماذا ؟!!
فقد سئل ابراهيم بن أدهم عن الاسم الأعظم فقال للسائل : قل هذه الكلمات صباحا ومساءا :
( يا من له وجه لا يبلى , ونور لا يطفأ , واسم لاينسى , وباب لايغلق , وستر لايهتك ,وملك لايفنى .
أسألك وأتوسل إليك بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( أن تقضي حاجتي , وتعطيني مسألتي .)
وقال : اسم الله الأعظم هو في الآيتين الكريمتين :( وإلهكم إله واحد لاإله إلا هو الرحمن الرحيم)
وآية :( ألم . الله لاإله إلا هو الحي القيوم ..)
فالرحمن قد يكون اسم الله الأعظم مأخوذ من الآية الأولى .كما أفاد ابراهيم بن أدهم .
ثم اختيار الرحمن للفعل ( سيجعل ) بصيغة المضارع الذي يدل على الاستمرار في عطاء الله وصنعه لهذا الثواب الذي لاينقطع للذين آمنوا وعملوا الصالحات
في الدنيا والآخرة .
وأخيرا نأتي إلى الثواب العظيم التي ذكرته الآية الكريمة : وهو الود
المعنى اللغوي :
=======
جاء في معجم ( مختار الصِحاح): تحت مادة الكلمة :( ودد)
ودِدت لو تفعل كذا بالكسر (وَُدا) بالضم وبالفتح .أي تمنيت , وودت الرجل أحببته .
والودود المحب , ورجال ودداء بوزن فقهاء يستوي فيه المذكر والمؤنث بوصفه وصفا داخلا على وصف للمبالغة .
وذكر ابن منظور في ( لسان العرب) :في مادة ( ودد) :
الوُدُ :مصدر , المودة , وقال ابن سيده : الود الحب يكون في جميع مداخل الخير ... قال تعالى :( يود أحدهم لو يعمَّر)
أي : يتمنى . وقال الليث : وِّدُّك وودِيدُك : حِبك وحبيبك
وقال الفراء في تفسير الآية :( سيجعل لهم الرحمن ودا ) وودَّا بالفتح ,في صدور المؤمنين قال : قاله بعض المفسرين .
وقال الأنباري في معنى اسم الله تعالى ( الودود) أي المحب لعباده .
وفي الحديث :( عليكم بتعلم العربية فإنها تدل على المروءة وتزيد في المودة , يريد مودة المشاكلة )
وتودّد إليه تحبّب إليه , وتدوده اجتلب حبه . أنشد ابن الأعرابي :
أقول تودّدني إذا مالقيتني = برفق ومعروف من القول ناصع
ونعرج على بعض التفسيرات للآية الكريمة ,
ونختار منها ما فسره الامام سيد قطب في كتابه ( في ظلال القرآن)
قال :( والتعبير بالود في هذا الجو نداوة رخية ,تمس القلوب , وروح رضي يلمس النفوس ,وهو ود يشيع في الملأ الأعلى ,
ثم يفيض على الأرض والناس فيمتليء به الكون كله ويفيض
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه
قال : فيحبه جبريل , ثم ينادى في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ,قال: فيحبه أهل السماء ,ثم يوضع له القبول في الأرض ..
وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه . قال : فيبغضه جبريل , ثم ينادى في أهل السماء , إن الله يبغض فلانا
فأبغضوه , قال : فيبغضه أهل السماء , ثم يوضع له البغضاء في الأرض .)
==
ولو تأملنا أحوال الخلق لوجدنا بينهم من لانعرفه من قبل ولا تربطنا به أية صلة ,فإذا لقيته أحسست نحوه بالقرب والقبول والود والمحبة حتى لكأنك تعرفه
منذ سنين فتريد التقرب منه , والتعرف عليه بلا نفاق ولا رياء أو مجاملة لأنه قد لايكون صاحب مال أو جاه أو سلطان , ولكن النفوس تنجذب إليه , فالأرواح
جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف , وتشهد له بالخير والصلاح والإيمان الذي وضعه الله له في الأرض , وهذا هو ثواب الدنيا ,إلى
جانب ما ينتظره يوم القيامة من نعيم مقيم .
وأيما مؤمن يموت ويشهد له أربعة من جيرانه ــ بلا نفاق أو رياء أو طلب مصلحة ــ بما يعرفون عنه من الخير في الدنيا , يقول الله لهم يوم القيامة ,لقد قبلت
شهادتكم لعبدي فلان بما تعرفونه عنه في الدنيا , وتجاوزت اليوم عما لاتعرفونه عنه , خذوا بيد صاحبكم فأدخلوه الجنة .
وهناك ــ والعياذ بالله ــ من الناس من ينفر منه خلق الله , وليس له قبول بينهم , حتى لدى من يعرفه من أهله وأقرب الناس إليه , ولا يتقربون منه , ويبغضونه
لما يبدو من معاملاته ,ونقص إيمانه وسوء خلقه وفقده لحب الأعمال الصالحة والاتصاف بها ,, فهو وإن كان جميل الطلعة مسلما بشهادته بالله ورسوله بلسانه ,تراه يأتي
يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج وصدقة , لكنه يأتي وقد شتم هذا وسب هذا وسفك دم هذا وهتك عرض هذا وأكل مال هذا , وتشاجر مع هذا , ومنع خيره عن هذا............................الخ من المعاصي والآثام .
. فماذا يكون جزاؤه ؟!! لقد شرح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله :( فيعطى هذا من حسناته , وهذا من حسناته ...فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت
عليه ثم طرح في النار .) لأنه لايكون له عند الله (وُّدا )ولا محبة بل يصيبه سخط وغضب من الله تعالى ولا ينظر إليه ولا يكلمه , ويهوي في النار جزاء فقده العمل الصالح.
( اللهم اجعلنا ممن سيجعل الله لهم وُّدا من عباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات . ولاتجعلنا يارب ممن يأخذون كتابهم بشمالهم ولا يكون لهم حظ في وّد الله فيغضب عليهم
ويلعنهم , ويعد لهم عذابا أليما خاليا من وده ومحبته .)
الآية 96 من سورة ( مريم )
سوف أتأمل في : ثواب الرحمن الذي وعد به المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهو :(الود)
هناك فرق كبير بين أن تؤمن بالله , وبين أن تؤمن بالله وتعمل الصالحات !!
أن تقول بلسانك أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وبين أن تقولهما وتعمل بحقهما صالحا !
بالتأمل تجد أن الآية الكريمة تؤكد على الربط بين الإيمان والعمل الصالح بحرف التأكيد (إن) في أول الآية
ثم عطفت العمل الصالح على الذين آمنوا . وحرف العطف (الواو) يأتي للربط بين الجمل كما يقول أهل اللغة والنحو.
وهكذا جاءت معظم آيات القرآن الكريم عندما ذكرت( الذين آمنوا) أتبعتهم بصفة :( وعملوا الصالحات) , وعلى سبيل المثال لاالحصر :
آية 277 من سورة البقرة :(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.)
آية 57 من سورة آل عمران :( وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم ربهم أجورهم ....)
آية 30 من سورة الكهف: ( أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لانضيع أجر من أحسن عملا .)
آية 12 من سورة محمد :( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ...)
وغيرها الكثير من الآيات التي أذكر منها أيضا :( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب .)
فما الإيمان وما حقيقته .؟:
جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يرويه عمر بن الخطاب في صحيح مسلم :
( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب , شديد سواد الشعر , لايرى عليه أثر السفر
ولا يعرفه منا أحد , حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه , قال : يا محمد أخبرني عن الإسلام.؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وتقيم الصلاة ,وتؤتي الزكاة , وتصوم رمضان , وتحج
البيت إن استطعت إليه سبيلا .) قال : صدقت ., قال عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه , قال : فأخبرني عن الإيمان .؟
قال :( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , وتؤمن بالقدر خيره وشره .) قال : صدقت , قال: فأخبرني عن الإحسان .؟
قال : أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك .)قال فأخبرني عن الساعة .؟
قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) قال : فأخبرني عن أماراتها .؟ قال : أن تلد الأمة ربتها , وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون
في البنيان ) قال : ثم انطلق فلبثت مليا , ثم قال لي : ياعمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ؟
قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم .) رواه مسلم .
وحقيقة الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم : أن تشهد أنه رسول الله وأنه خاتم الرسل والأنبياء أرسله الله إلى الناس كافة , وأنه بلغ الرسالة , وأدى
الأمانة , ونصح الأمة , وكشف الله به الغمة , وهدى به قلوبا غلفا وآذانا صما , وأنه جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين . وترك الناس على المحجة
البيضاء ليلها كنهارها , لايزيغ عنها إلاهالك . وترك فيهم ما إن تمسكوا به لن يضلوا أبدا كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم
قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .) آية 3 من سورة المائدة.
فجزاه الله عنا خير الجزاء . اللهم آته الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة التي وعدته إنك لاتخلف الميعاد .
ولما كان الإيمان كما جاء في حديث عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو قول باللسان وتصديق بالقلب والجنان وعمل بالجوارح للأركان
, فقد أضافت الآية الكريمة التي نتأملها من سورة مريم :( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) أضافت : لحقيقة الإيمان بالله ورسوله
العمل الصالح , وهو جماع لكل خير ,من طاعة الله وتنفيذ أوامره في كل ما يرضيه سبحانه وتعالى , ويوجب محبته , واجتناب كل مانهى عنه من المعاصي والشرور
مما يجلب سخطه وغضبه ويستوجب عذابه في الدنيا والآخرة .
ويكتمل إيمان المرء باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والعملية والتقريرية , والاقتداء به وبصحابته رضوان الله عليهم والذين وصفهم عليه الصلاة والسلام
بقوله :( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) وأن يداوم على ذلك ويستقيم عليه ( قل آمنت بالله تعالى ثم استقم )
والمؤمن بعد ذلك من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وسلم منه المسلمون من لسانه ويده , ويؤدي العبادات المفروضة , ويعمل بالسنن الهادية لنبي الله
صلى الله عليه وسلم , وإذا كانت العبادات هي سمات المؤمنين الصادقين تعرفهم بصلاتهم , إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان, وتعرفهم بإيتاء الزكاة
والصدقات ,فالصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار, وصيامهم المفروض عليهم كما فرض على الذين من قبلهم , وهوشهر رمضان المعروف وصيام التطوع والكفارة ,وحج البيت إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا,
فإن المعاملات مع خلق الله يعتبر من تمام إضافة العمل الصالح إلى الذين آمنوا حتى يكتمل إيمانهم ,فالمؤمن يتعامل مع خلق الله من إنسان وحيوان وجماد وزرع بقلب
يمتليء بمحبة الله ورسوله , ويتعلم من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :( وخالق الناس بخلق حسن )( أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)
ثم نأتي إلى النأمل في وعد الرحمن بأنه : سيجعل لهم ودا :
وقد اختار الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى اسم ( الرحمن ) في هذه الآية ليعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات : بالوُدّ . المذكور في الآية الكريمة.
فلماذا ؟!!
فقد سئل ابراهيم بن أدهم عن الاسم الأعظم فقال للسائل : قل هذه الكلمات صباحا ومساءا :
( يا من له وجه لا يبلى , ونور لا يطفأ , واسم لاينسى , وباب لايغلق , وستر لايهتك ,وملك لايفنى .
أسألك وأتوسل إليك بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( أن تقضي حاجتي , وتعطيني مسألتي .)
وقال : اسم الله الأعظم هو في الآيتين الكريمتين :( وإلهكم إله واحد لاإله إلا هو الرحمن الرحيم)
وآية :( ألم . الله لاإله إلا هو الحي القيوم ..)
فالرحمن قد يكون اسم الله الأعظم مأخوذ من الآية الأولى .كما أفاد ابراهيم بن أدهم .
ثم اختيار الرحمن للفعل ( سيجعل ) بصيغة المضارع الذي يدل على الاستمرار في عطاء الله وصنعه لهذا الثواب الذي لاينقطع للذين آمنوا وعملوا الصالحات
في الدنيا والآخرة .
وأخيرا نأتي إلى الثواب العظيم التي ذكرته الآية الكريمة : وهو الود
المعنى اللغوي :
=======
جاء في معجم ( مختار الصِحاح): تحت مادة الكلمة :( ودد)
ودِدت لو تفعل كذا بالكسر (وَُدا) بالضم وبالفتح .أي تمنيت , وودت الرجل أحببته .
والودود المحب , ورجال ودداء بوزن فقهاء يستوي فيه المذكر والمؤنث بوصفه وصفا داخلا على وصف للمبالغة .
وذكر ابن منظور في ( لسان العرب) :في مادة ( ودد) :
الوُدُ :مصدر , المودة , وقال ابن سيده : الود الحب يكون في جميع مداخل الخير ... قال تعالى :( يود أحدهم لو يعمَّر)
أي : يتمنى . وقال الليث : وِّدُّك وودِيدُك : حِبك وحبيبك
وقال الفراء في تفسير الآية :( سيجعل لهم الرحمن ودا ) وودَّا بالفتح ,في صدور المؤمنين قال : قاله بعض المفسرين .
وقال الأنباري في معنى اسم الله تعالى ( الودود) أي المحب لعباده .
وفي الحديث :( عليكم بتعلم العربية فإنها تدل على المروءة وتزيد في المودة , يريد مودة المشاكلة )
وتودّد إليه تحبّب إليه , وتدوده اجتلب حبه . أنشد ابن الأعرابي :
أقول تودّدني إذا مالقيتني = برفق ومعروف من القول ناصع
ونعرج على بعض التفسيرات للآية الكريمة ,
ونختار منها ما فسره الامام سيد قطب في كتابه ( في ظلال القرآن)
قال :( والتعبير بالود في هذا الجو نداوة رخية ,تمس القلوب , وروح رضي يلمس النفوس ,وهو ود يشيع في الملأ الأعلى ,
ثم يفيض على الأرض والناس فيمتليء به الكون كله ويفيض
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه
قال : فيحبه جبريل , ثم ينادى في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ,قال: فيحبه أهل السماء ,ثم يوضع له القبول في الأرض ..
وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه . قال : فيبغضه جبريل , ثم ينادى في أهل السماء , إن الله يبغض فلانا
فأبغضوه , قال : فيبغضه أهل السماء , ثم يوضع له البغضاء في الأرض .)
==
ولو تأملنا أحوال الخلق لوجدنا بينهم من لانعرفه من قبل ولا تربطنا به أية صلة ,فإذا لقيته أحسست نحوه بالقرب والقبول والود والمحبة حتى لكأنك تعرفه
منذ سنين فتريد التقرب منه , والتعرف عليه بلا نفاق ولا رياء أو مجاملة لأنه قد لايكون صاحب مال أو جاه أو سلطان , ولكن النفوس تنجذب إليه , فالأرواح
جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف , وتشهد له بالخير والصلاح والإيمان الذي وضعه الله له في الأرض , وهذا هو ثواب الدنيا ,إلى
جانب ما ينتظره يوم القيامة من نعيم مقيم .
وأيما مؤمن يموت ويشهد له أربعة من جيرانه ــ بلا نفاق أو رياء أو طلب مصلحة ــ بما يعرفون عنه من الخير في الدنيا , يقول الله لهم يوم القيامة ,لقد قبلت
شهادتكم لعبدي فلان بما تعرفونه عنه في الدنيا , وتجاوزت اليوم عما لاتعرفونه عنه , خذوا بيد صاحبكم فأدخلوه الجنة .
وهناك ــ والعياذ بالله ــ من الناس من ينفر منه خلق الله , وليس له قبول بينهم , حتى لدى من يعرفه من أهله وأقرب الناس إليه , ولا يتقربون منه , ويبغضونه
لما يبدو من معاملاته ,ونقص إيمانه وسوء خلقه وفقده لحب الأعمال الصالحة والاتصاف بها ,, فهو وإن كان جميل الطلعة مسلما بشهادته بالله ورسوله بلسانه ,تراه يأتي
يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج وصدقة , لكنه يأتي وقد شتم هذا وسب هذا وسفك دم هذا وهتك عرض هذا وأكل مال هذا , وتشاجر مع هذا , ومنع خيره عن هذا............................الخ من المعاصي والآثام .
. فماذا يكون جزاؤه ؟!! لقد شرح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله :( فيعطى هذا من حسناته , وهذا من حسناته ...فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت
عليه ثم طرح في النار .) لأنه لايكون له عند الله (وُّدا )ولا محبة بل يصيبه سخط وغضب من الله تعالى ولا ينظر إليه ولا يكلمه , ويهوي في النار جزاء فقده العمل الصالح.
( اللهم اجعلنا ممن سيجعل الله لهم وُّدا من عباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات . ولاتجعلنا يارب ممن يأخذون كتابهم بشمالهم ولا يكون لهم حظ في وّد الله فيغضب عليهم
ويلعنهم , ويعد لهم عذابا أليما خاليا من وده ومحبته .)
تعليقات