حوار من أجل اللغة العربية
لماذا نخطيء في لغتنا العربية. ؟!
وكيف نعالج هذا الخطأ .؟!
من أكبر مشكلاتنا اللغوية المعاصرة , انحدار صيغ التعبير الكلامي والكتابي في تعامل العرب مع لغتهم القومية ,
وكثرة ما يشيع في حديثنا أو كتابتنا بها من أخطاء لغوية ؛
حتى مع عدد كبير من المتخصصين في اللغة العربية أنفسهم ,
ولا أعفي نفسي من وجود هذه العيوب عندي فيما أكتب على عجالة , وبدون روية ومراجعة وتدقيق قبل النشر.
وهذه ظاهرة تكاد تكون عامة حتى بين الأكاديميين في علوم اللغة العربية ، وكبار الأدباء وناشئيهم .
ونحن نريد أن نبحث في أسباب وعوامل هذا الخطأ .
ثم ننتهي إلى أفضل الأساليب والطرق العلاجية الممكنة للتقليل من هذه الأخطاء , أو القضاء عليها نهائيا ،
بالتعاون والتواصل والحوار الهاديء الجاد المتزن ،
بمنهجية علمية , ومقترحات منطقية موضوعية بناءة ،
حتى لو كانت بعيدة المدى في عملية الإصلاح التطبيقي لعلاج القصور الشديد في اهتمامنا برقي اللغة العربية , وتطورها ,
والعمل على خلوها من العيوب التي تشوب حواراتنا الكلامية العصبية ؛ كأننا في مباريات كرة لأندية يتعصب لكل منها فريق ،
أو الكتابة الأدبية التي تعج بالأخطاء على كل المستويات والمجالات التي تستخدم اللغة العربية .
وإذا بدأنا نضع محاور لهذه القضية الحوارية النقاشية المتأنية فأنني أقترح :
1- بيان عوامل وأسباب الخطأ ؛ في إهمال اللغة العربية.
2- كشف معاداة اللغة العربية , ومساندة عدم التقيد بضوابطها .
3- الحديث عن تمكن العامية فينا ، وشيوعها على اتساع الوطن العربي.
4- الإشارة إلى اعتماد كثير من الكتاب والمتحدثين على عملية النقل
5- توضيح كثرة السماعي في اللغة ، مما لايقاس عليه ، ونقيس عليه خطأ
6- مظاهر تأخر دخول اللغة العربية عصر التقنيات الحديثة المتطورة .
وبعد استيفاء تلك المحاور عن العوامل والأسباب ؛ نصل إلى ؛
محاور العلاج :
1- الاتفاق على وضع خطة شاملة لتطوير سياسة تعليم اللغة العربية على مستوى الوطن العربي ، ببلورة منتجات الحوار وعمل توصيات
لرفعها ، عن طريق الأكاديميين الجامعيين في البلاد العربية , أو من يمكنه ذلك عن طريق وسائل الإعلام المختلفة إلى المسئولين عن التخطيط للسياسة التعليمية لرقي وتطوير دراسة اللغة العربية الفصحى في البلاد العربية .
2- الالتفاف حول إنشاء رابطة محبي اللغة العربية والدفاع عنها ، من جميع الفئات والتخصصات لمواجهة الحملة الشعواء التي تهاجم الفصحى ، محاولة النيل من مكانتها وإلصاق تهم التأخر وعدم مواكبة التطور التقني والعلمي بالكتابة أو الحديث بها .
3- الاعتراف بواقع وجود اللهجات المحلية ـ العامية ـ العربية ؛ والفصل بينها وبين ، اللغة العربية الفصحى ، والعمل على تنشئة الأجيال القادمة منذ بدء تعلمهم النطق والكتابة على اللغة العربية الفصحى السهلة ، كلغة حياة يومية للتواصل ، وأن العامية لاتصلح للتعامل الحضاري المعاصر ولا يمكنها أن تواكب تقنيات العصر ، لعدم وجود ضوابط أو قواعد مقننة لها ، ولا تعتبر لغة أدبية أو ثقافية للأمة .
4- مواجهة ظاهرة النقل من السابقين باعتبارهم أكثر علما ومعرفة من الناقل بالتحري وراء صحة المنقول لغويا وعلميا ، عن طريق بيان الصواب اللغوي المتمشي مع القواعد الثابتة للغة العربية الفصحى .
5- عدم القياس على السماعي عن العرب في اللغة العربية ، وذلك يتطلب معرفة بمواضع تلك الألفاظ السماعية ومواضعها في علمي الصرف والاشتقاق الكثيرة
في مثل : مزيدات الأفعال ـ باب الإلحاق ـ لزوم الفعل وتعديه ـ أوزان المصادر ـ
الصفة المشبهة وما يبنى من الصفات ـ بناء اسم الآلة والمقصور والممدود ـ المؤنث المعنوي ومؤنث الذي منه فعلان وفعلى ـ وجموع التكسير ....... وغيرها
من السماعيات ، التي لايقاس عليها وتتوقف على المسموع في نصوص موثقة عن العرب القدماء ، أو التي تضمنتها أحكام المجامع اللغوية العربية في المعاجم الحديثة .
6- الإسراع في عملية دخول اللغة العربية الفصحى عالم التقنيات الحديث على الحاسوب ، وبرمجة علومها وقواعدها ومعاجمها بطرق ميسرة لجميع المتعاملين مع تلك اللغة على الحاسوب وفي الحياة العملية للتواصل اللغوي كتابة وحوارا .
وعندما أستعرض من وجهة نظري المتواضعة الكلام عن العامل الأول في إهمال اللغة العربية وغيره ؛ مما سبب تلك الأخطاء القاتلة لجمال اللغة وروعتها ,
أجد مما يؤسف له في نظم التعليم في بلادنا العربية للغتنا القومية أن ما يتلقاه الدارسون منها قشورا ؛ يتخذونها كمعبر لاجتياز الامتحانات بنجاح والحصول على شهادة التخرج ،
بلا حب ولا انتماء إلا للعامية التي تربوا عليها ،
وبعد تخرجهم ينسون حتى تلك القشور السطحية من اللغة ،
وينخرطون في التكلم والكتابة بما يحتفظون به من العامية الدارجة ،
ولا ينمون ما حصلوه من مباديء اللغة بالمطالعة والمراجعة والثقافة الذاتية ،
فيظهر الضعف والخطأ في حديثهم وكتابتهم بها ،
وهذا أمر ملحوظ في معظم الأدباء من الكتاب والشعراء والخطباء والإعلاميين والصحفيين ومختلف المواقع التي مهمتها أن تعني باللغة العربية كالإذاعة المسموعة والمرئية والسينما والمسرح والمحاضرات الجامعية نفسها فضلا عن التدريس في المدارس ، قبل الجامعة .
وهكذا نرى أن نضيع لغتنا بأيدينا .
وإذا ما انتبه واضعوا السياسة التعليمية إلى هذا الهوان الذي صارت إليه اللغة بين المعلمين والمتعلمين على السواء ،
وأخذوا على عاتقهم دراسة ما يرفع إليهم من مقترحات وتوصيات جادة هادفة لنفع الوطن ولغة الشعب العربي القومية ؛
وقاموا بوضع المناهج والكتب المؤصلة لتلك اللغة وتطورها ،
وتدريب القائمين على تعليمها بأساليب حديثة تقنية وشفهية ؛ تبعد هذا الإهمال أو تزيله عن طريق الأجيال ،
فسوف تنحصر الأخطاء وتقل ثم تتلاشى تدريجيا ,
فما لايدرك كله لايترك كله ،
وعلى الناطقين باللغة العربية تنمية مهاراتهم اللغوية ذاتيا وثقافيا
لمساعدة أبنائهم من الأجيال القادمة , مع تنفيذ تلك المناهج الجديدة للوصول إلى الارتقاء والتقدم ، والانتماء إلى لغتهم القومية .
وعلى المخلصين لتك اللغة , والمتخصصين ,
وأعضاء رابطة محبي اللغة العربية المقترحة ؛
تنظيم أنفسهم وتوزيع أدوار العمل للتصدي للمعادين للغتهم من أهلها أو من أعدائها ممن يزينون للأدباء من الكتاب والشعراء وغيرهم ؛
أن ينظموا ويكتبوا ويتحدثوا كيف شاءوا وبما شاءوا من ألفاظ وأساليب دون مراعاة لأحكام اللغة وقواعدها وأصولها الصرفية والنحوية والبلاغية والإملائية والأدبية ،
ولا يتقيدون في الشعر بالالتزام بقواعده المعروفة في العروض أو القافية ، كل ذلك بدعوى التحرر التعبيري ، والانطلاق اللغوي التطوري ،
ويقولون لهم مروجين لأفكارهم السيئة عن حقد أو جهل منهم عن اللغة العربية :
( إنها أحكام شاخت , ولم تعد تواكب عصر التطور التقني والعلمي )
وهدفهم تقويض أبنية اللغة ؛ ليتسنى لهم أن يذهبوا في كتاباتهم كل مذهب ، معرضين في استخداماتهم للألفاظ عما نصت عليه معاجم اللغة العربية ، وما أسسه العلماء في طريقة صياغة الجمل والتراكيب الصحيحة .
والعجيب أنه حينما يأتي غيور على اللغة من أبنائها البررة الأمناء المخلصين لها والأوفياء لنهضتها والدفاع عنها وحمايتها ؛
ويدقق أخطاءهم ويراجع كتاباتهم السقيمة بالعيوب الفنية والكتابية ، يتهمونه بأنه من ذوي العقول الجافة الجامدة المتأخرة , المطبوعين على مقت الجديد والتمسك بالقديم ؛
وهذا خلاف الصواب
الذي ينشده أهل اللغة من تطورها المنظم المنضبط الفاصل بين اللهجات العامية واللغة الفصحى السليمة ؛ على أسس من العلم الثابت الذي لايرفض تطورا , ولا يتخلى عن ثوابته المعروفة في لغة القرآن الكريم ولسان العرب المبين , بالدليل الدامغ على القياس والسماع اللغوي في التطق والكتابة ، ويقولون : إن المهم المعنى في أي شكل كان من الألفاظ المنحوتة أو غيرها ،
وكيف يأتي المعنى أنيقا ساميا بألفاظ ركيكة رديئة ليست مقيسة ولا مسموعة عن معاجم اللغة وعلماء العرب ومجامعهم العلمية المعنية بالبحث والتطوير اللغوي والمحافظة على اللغة العربية .؟
لابد أن يكون معنى معتلا صدئا غير مقبول إلا من أمثالهم المجاهرين بالخروج عن مباديء اللغة البديهية .
وكما قال أحد محبي اللغة العربية : ( إذا أمكن أن يكون السيف الماضي الحاد في غمد من ذهب ؛ أفليس من الخرق أن نُصِرَّ على جعله في قِراب من خشب .؟!! )
===========================
تعليقات