فن النقائض الشعري
النقائض
الشعرية
قصائد
النقائض الشعرية فن جديد عرفه الشعر العربي في العصر الأموي للتسلية والمرح ، وكان
مسرحه المربد ، لتضحك المستمعين فيهللون ويصفقون ، واتخذت ظاهرة التندير على
المهجو وقبيلته وسيلة للترفيه ومعرفة الأجدر بالهجاء الأقوى
ومن
أشهر الشعراء الذين تناولوا تلك القصائد في أشعارهم ( الفرزدق وجرير )
يقول
الفرزدق في صاحبه جرير :
يهدي
الوعيد ولا يحوط حريمه = كالكلب ينبح من وراء جدار
يستيقظون
على نهيق حمارهم = وتنام أعينهم عن الأوتار
فرد
عليه جرير بقوله :
زعم
الفرزدق أن سيقتل مربعا = أبشر بطول سلامة يا مربع
وقوله
:
خذوا
كحلا ومجمرة وعطرا = فلستم يا فرزدق بالرجال
وقامت
حلبة النقائض بين العديد من الشعراء ؛ فما كان بين جرير والأخطل وكان الأخطل
نصرانيا هجاه جرير بقوله :
نحن
اجتبينا حياض المجد مترعة = من حومة لم يخالط صفوها كدر
حتى
سمعت بخنزير ضغا جزعا = منهم فقلت أرى الأموات قد نشروا
رجسٌ
يكون إذا صلوا أذانهم= قوع النواقيس لا يدرون ما السور
وما
لتغلب إن عدت مساعيها = نجم يضيء ولا شمس ولا قمر
الضاحكين
إلى الخنزير شهوته = يا قُبِّحَت تلك أفواها إذا كشروا
جاء
الرسول بدين الحق فانتكثوا = وهل يضير رسول الله أن كفروا
ومنها
ما كان بين الراعي النميري وجرير حين فضل الفرزدق عليه بقوله :
يا
صاحبي دنا الرواح فسيرا = غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
فنظم
جرير قصيدة هجاء من النقائض وهجا الفرزدق بها على غرار هجاء الراعي النميري بنفس
بناء قصيدته فقال:
فغض
الطرف إنك من نمير = فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فما
لبث أن انصرف الراعي من مجلس الفرزدق يعلوه الخزي والعار ، وفي هذه النقائض يقال
أن جرير أسقط في هجائه ثلاثة وأربعين شاعرا ، ويقال بل ثمانين شاعرا ونيفا
ويحتاج
من يتصدى لشعر النقائض أن يدرس تاريخ من سيهجوه وقبيلته دراسة عميقة
كما
كان يفعل جرير والفردق في نقائضهما حتى كانا يبحثان عن تاريخ المهجو في الجاهلية ،
وكان ذلك من غير شك يصعب عمل النقيضة ـ كما قال الدكتور شوقي ضيف ـ في كتابه (
تاريخ الأدب العربي في العصر الإسلامي )
ومن
هنا يعد المؤرخون للشعر أن النقائض كانت تعتبر من الوثائق التاريخية الطريفة ،
وكان الشاعر يتعدى في دراسته تاريخ للقبائل من كان يحامي عنها إلى أيام العرب
الحربية ومن هزم فيها لينشر مخازيهم عند الخلفاء والولاة ، ومع ذلك كان بين جرير
والفرزدق صداقات وصفاء فها هما يرحلان معا إلى دمشق وعندما تنزل بأحدهما شدة أو
يحزبه أمر يقف الآخر معه يمد له يد العون ، وترى جريرا رغم هجائه للفرزدق يرثيه
عندما مات بقوله :
ولا
حملت بعد الفرزدق حرة = ولا ذات حمل من نفاس تعلت
هو
الوافد المحبوب والراتق الثأى = إذا النعل يوما بالعشيرة زلت
ومن
النقائض يجب أن نتعلم أن اختلاف الرأي لا يفسد للود بين الأصدقاء قضية حتى ولو حدث
بينهم كما يحدث في قصائد الهجاء بين شعراء العرب
في
مدح مصر يقول الشاعر إيليا أبو ماضي :
ليس
الوقوف على ألطلال من خلقي = ولا البكاء على ما فات من شيمي
لكن
مصرا وما نفسي بناسية = مليكة الشرق ذات النيل والهرم
صرفت
شطر الصبا فيها فما خشيت = نفسي العثار ولا نفسي من الوصم
في
فتية كالنجوم الزهر أوجههم = ما فيهم غير مطبوع على الكرم
لا
يقبضون مع اللأواء أيديهم = وقلما جاد ذو وفر مع الأزم
جاد
الكنانة عني وابل غدق = وإن يك النيل يغنيها عن الديم