البريئة ( رواية طويلة في حلقات )


رواية رياض حلايقة ( الأردن )مراجعة وتدقيق : محمد فهمي يوسف

تنويـــــــه
أحداث هذه الرواية حقيقية ، صيغت بقالب جديد ، الأسماء والأماكن من الخيال ،  إذا تشابهت الأسماء أو الأماكن أو الأحداث لشخص ما فإن ذلك محض صدفة.
لمحـــة
     رأت والدها بالباب حالته لا تبشّر بخير ، نظرت في عينيه الغائرتين التعبتين ، عرفت أن الحيلة والمكيدة صدقها ، و أصبح مصيرها في مهب الريح ، رمت بنفسها عليه ، وقعت على الأرض تقبّل قدميه ، تمسك بقوة بأطراف ثوبه ، تنوح بغضب ، تتوسل بعنف ، تحاول الدفاع عن نفسها وشرفها ،  أقسم أنه كاذب ، أقسم أنني بريئة ومظلومة.
ما زال واقفاً كتمثال ، دموع الخوف دموع القهر والظلم تنهمر ، الأم تتوسل وتبكي ، أيقنت أن والدها سيقدم على عمل جنوني يسمى غسل العار لاتهام باطل.
 تفاجأت بيده الحنونة دوما تداعب شعرها بلطف ، جعلتها تخرج من بحر متلاطم الأمواج إلى بر الأمان، نظرت بخوف تلك اللحظة إلى عيني والدها الصلبتين المتحجرتين ، قرأت فيهما أن العار لا يغسل إلا بالدم ، أدركت أنها النهاية.
شعر الأب بانعدام  مشاعره نحو ابنته على نحو غريب ، يتحسس رأسها بيديه ، حسم أمره ، امتدّت يده التي ترتجف نحو خنجره استلّه أودعه صدر ابنته ، ما زالت تمسك بقوة بأذيال ثوبه ثم هوت نحو صدر أمها ، الذي أبدا كان الملاذ الآمن ، الدم يتدفق من صدرها ،  فقدت الأم وعيها ، هاجت النساء خوفاً ورعباً ، غادر مسرعا يخترق جموع الناس رافعا الخنجر بيده يقطر دما.
بلدة السعيدة ـ جنوب فلسطين 1938
تلك القرية
       منزل قديم يشبه منازل القرية المتناثرة هنا وهناك بشكل عشوائي ، يعلو سطح المنزل الأعشاب الصغيرة اليابسة بين كتل من التراب ،  تمتد أمامه ساحة ترابية تصل الشارع الرئيس للقرية.
تتربع وسط الساحة  شجرة صنوبر شامخة في السماء يعتبرها صاحب المنزل العجوز توأم روحه ، تحتها مكان يقضي معظم نهاره وباقي عمره الذي شارف على نهايته.
كان الشيخ غارقاً في ذكريات الماضي شيخاً ناهز المائة عام قصير القامة ضئيل الجسم ، النور يشع من وجهه الكثير التجاعيد لحيتُه شديدةُ البياض عيناهُ حادتان جسمٌ هزيل أسنانٌ ناصعةُ البياض عمامتُه الخضراء ، قمبازه العربي الرث يجلس على بساط عتيق يتكئ على زوج من المخدات البالية يتأمل المارة ، حدثني عن أحوال البلدة الكارثة التي أصبحت من الماضي.
يوسف ؛ رجل ذو خلق وكرم ، محور الحكاية.
 الشيخ عثمان ؛ إمام القرية حظي بمكانة  خاصة عند أهلها ، فَكنّ له الجميع الاحترام والتقدير ، رافق والده الجندي في درك الدولة العثمانية صغيرا ، ألحقه والده بالكتاتيب عند شيخ ٍفي المدينة تعلم القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما أهّله لاعتلاء منبر مسجد القرية.
الحاجة سكينة ؛ شقيقة الشيخ عثمان القابلة غير القانونية للبلدة والطبيبة المعتمدة لنساء القرية ورجالها.
الحاج كامل ؛ غني جشع كان قصيرا بدينا بعينين صلبتين ، يعتمر كوفية زرقاء ذا مكر ودهاء ،مراوغ كالثعلب لا يحل حلالا ، ولا يحرم حراما ، له نفوذ وسلطة في القرية مع عدد قليل من رجالها. 
حليمة ؛ زوجة الحاج محمود الأخ الأكبر ليوسف أخت الحاج كامل ، قوية سليطة اللسان ذات مكر ودهاء ولؤم وحقد وحسد ، امرأة طويلة نحيلة وجهها شاحب باستمرار ، عيناها من نار خدودها كأنها مسلولة ، حادة المزاج سريعة الغضب ، حاولت جاهدة خلق كاملٍ آخر تجسده في ابنها فتحي.
عمر ؛ رجل متوسط الجسم  وجهه الأسمر عيناه واسعتان عسليتان ، بلحية ناصعة السواد والشارب يلبس كوفية سوداء وقمبازا عربيا كأهل القرية ، بسيطا متواضعا وخدوما.
بلدة السعيدة ـ 1938م
      بعد عشرين عاما من الزواج ، حرم القدر يوسف من أجمل ما في الحياة من فلذة الكبد ، من حنان الأطفال ، من السعادة الحقيقية لأي زوجين مما أرّق النوم في عينيه سنوات طوال وهو ينتظر مولوداً واحداً  ذكراً كان أم أنثى ليحمل اسمه وليكون امتداداً لحياته التي غمرها الأمل في ذلك.
 يملك يوسف أرضا ًواسعةً تسمى خلة القصر ، وقطع من الأراضي الصغيرة أيضا.
في المدينة تعرف على نعيم صديق لعمر سأل نعيم : أذهبت زوجتك للطبيب؟
ذهل يوسف من كلامه ، التفت نحو عمر متأملا أن يجيبه ، تساءل إن كان هذا الرجل يقصد الإساءة،
أم أنه جاد في كلامه قال – مستغرباً : طبيب رجل!
 نعيم : ألم تذهب زوجتك إلى طبيب منذ زواجكما؟
 يوسف : ـ مندهشاً ـ لا لكن الحاجة سكينة تعالجها باستمرار.
 نعيم : أهي طبيبة؟
 يوسف : لا ، إنها تداوي نساء القرية بالأعشاب ولها خبرة طويلة.
 نعيم : لو ذهبت زوجتك إلى طبيب متخصص لعرف المشكلة ، ربما كانت بسيطة ، بحاجة لبعض الدواء.
 يوسف : رجل يعالج النساء وينظر لعوراتهن! أي كلام هذا؟
 نعيم : الطبيب درس وتعلم سنين طويلة ليساعد الناس ويعالجهم ، لا فرق في الطب بين رجل أو امرأة، أنا أنصحك أن تسرع في علاج زوجتك.
 يوسف لعمر : صاحبك ينصحني  أن تتكشف زوجتي أمام رجل غريب ، والله لم اسمع بهذا من قبل ، ماذا سيقول الناس في القرية؟
 ماذا سيقول الشيخ عثمان؟
 ماذا ستقول زوجة أخي حليمة؟
يا لفضيحتك يا يوسف! ستصبح أضحوكة في القرية كلها ، ستصبح حكاية على كل لسان ، هيا يا عمر.
 نعيم : لا حول ولا قوة إلاّ بالله ، أنا لم أقل شيئاً يغضبك ، والله ما أردت إلاّ الخير.
 عمر : لا بأس يا نعيم ، ما قلته غريب علينا ، لم نسمع به من قبل ، سنعرض الأمر على الشيخ عثمان ، والاعتماد على الله.
 نعيم : إن قررت الذهاب إلى الطبيب ، أنا في خدمتك.
 الباعة منهمكون في المناداة بأعلى أصواتهم ، الحمالون يسعون في طلب رزقهم ، اشتريا ما يريدان قبل العصر بقليل وصل موكب الصديقين إلى حارة الأحلام كما يسميها يوسف.
 يوسف يفكر في موضوع الطبيب ونصيحة نعيم ، وجد في كلامه بصيصاً من الأمل ، مع إيمانه بالمعتقدات التي تحرِّم ذلك ، إلاّ أنه سيكون سعيداً إذا أفتى الشيخ عثمان بالموافقة.
 بعد صلاة المغرب ، عرّج يوسف على بيت أخيه محمود ليستشيره بأمر الطبيب ، كانت حليمة
 تعدّ كأساً من الشاي وتسترق السمع ، سمعت يوسف يحدث زوجها ، أذناها  تلتقط كل كلمة وهمسة ، عرفت بخبر الطبيب ، أخذت  تحلل تلك ( الشفرة ) وما سينتج عنها مستقبلاً ، ترنحت حليمة كادت أن توقع إبريق الشاي عن (بابور الكاز) ، وجدت أن هناك كارثة قادمة مع كل حرف ينطق به يوسف ويتعجب له زوجها.
 أسرعت حليمة وهي تحمل الشاي ، تفكر في الرد على يوسف قبل أن ينطق زوجها بحرف واحد ، فيفسد كل مخططاتها ويسرق كل أحلامها ، بصوتها الأجش ونبرتها الحادة ، بعيون يتطاير الغضب منها عند كل أمر لا يناسبها ، قالت : ما الذي أسمعه ؟ ماذا جرى لك يا يوسف ؟ تريد أن تتكشف زوجتك أمام رجل غريب؟
أين غيرتك يا رجل أين حبك لها؟
 أين كرامتك وشرفك؟
 أين إيمانك بالله؟
ألا تعلم بأن ذلك حرام ؟! اسمع يا يوسف نحن أهل ، احرص ألاّ يسمع هذا الكلام شخص آخر لئلاّ يسخر منك ، أنت منّا تهمنا سمعتك وكرامتك ، سأقول لك شيئاً آخر كنت لا أريد الإفصاح به قبل اليوم ، لكن كلامك الآن جعلني أتكلم من حرصي وخوفي عليك أرجو أن تسامحني ، قالت الحاجة سكينة كلام قاس فنحن نساء نتحدث في هذه الأمور لكن يجب أن تعرف ما قالت لا يوجد ما يمنع مريم من الحمل وأن السبب يعود إليك والله أعلم.
كان يوسف يتوقد نارا كأنه قِدْرٌ يغلي ، قال بصوت مخنوق ويداه ترتجفان من الألم الذي سببته له حليمة تصبحون على خير ، هم بالذهاب أمسك به أخوه الذي كان يرهب جانب زوجته اتقاء لشرها ، ويتجنب الرد عليها في معظم الحالات ، يشعر بتأنيب الضمير من هول ما سمع من زوجته واعتصر قلبه حزن عميق ، امتزج بإحساس بالذنب لعدم ردعها منذ البداية : ماذا تقولين يا امرأة ؟!.. اتق الله.
 حليمة : تبدي جانب الود والخوف على سمعة يوسف - يا أبا فتحي ، إنما أقول ذلك خوفاً عليه وحرصاً على مصلحته ، لئلا يعرف الناس أنه السبب في عدم الإنجاب ، ويصبح حديث الصغير والكبير.
كان يوسف واجماً لا يتكلم كأن على  رأسه الطير ، وكان محمود مضطرباً حائراً بين خوفه على أخيه مما سمع ، وبين خوفه من زوجته إن تكلّم أن تثور في وجهه أمام أخيه ، فتتولد مشكلة كبيرة غير معروفة العواقب فالتزم الصمت ، نهض يوسف يلملم نفسه ويطوي عباءته ، العرق يتصبب من جبينه يستغفر ربه : أستغفر الله العظيم … لا حول ولا قوة إلاّ بالله … أستغفر الله العظيم.
لم يحتمل محمود مشاهدة أخيه الأصغر الوحيد يائساً غاضباً ، تشجع محمود وصاح في زوجته محاولاً إيصال صوته لأخيه ، ماذا أصابك يا امرأة؟ هل وصل بك الأمر إلى هذا الحد من الحقد والبغض ؟ خرج مسرعاً عسى أن يخفف عنه : يا يوسف ، يا أخي .. يا يوسف .. ارجع أرجوك.
حليمة : لا تنفعل يا رجل يسمع مني أفضل من أن يعرف الجميع بأمره ، يجب أن تتكلم معه وتشكرني على الاهتمام بسمعته.
 زوجها : كان عليك أن تخبريني فهو يتقبل الأمر مني ما قلتِه له أمر محرج وقاس.
قالت : صدقت يا أبا فتحي لم أنتبه للأمر من هذا الجانب ، فحرصي على سمعته جعلني أتعجل في الكلام.
 انطلقت حليمة إلى الحاجة سكينة ، أخبرتها بالأمر وحذرتها من موافقة الشيخ عثمان على ذلك ، توجهت الحاجة سكينة إلى بيت أخيها الشيخ عثمان ، يوسف يواصل سيره اسودت الدنيا في عينيه، شعر أن الأرض تدور به ، كأنها لا تتسع له حتى التقى بعمر.
 عمر يتحدث إلى يوسف ، وهو واجم لم ينبس ببنت شفة : ما لك يا رجل ؟  تعبت من الكلام وأنت لا تجيب، لِمَ كل هذا الحزن والأسى ؟!
نظر يوسف إلى عمر بعينين متعبتين وبوجه حزين كالح : سامحني يا عمر أنا متعب ولست مستعداً للكلام في هذا الموضوع.
 عمر : ماذا قال لك أخوك؟ ماذا قال لك أخوك؟ لا بد أن تحكي وتفرغ ما في صدرك من هموم.
 يوسف : أخي لم يقل شيئاً ترك الأمر لزوجته  لتسْمعني كلاماً كالعلقم.
 عمر : لا تهتم لكلام النساء يا رجل، حليمة امرأة ثرثارة تتدخل في كل شيء ، هيا بنا إلى الشيخ عثمان لعلنا نسمع منه ما يزيل من صدرك ما أدخلته حليمة.
 أخبر الشيخ بأمر الطبيب متوقعا جواباً سريعاً شافياً ، لينطلق من الفجر مصطحباً زوجته إلى المدينة نظر الشيخ إلى أخته التي ترمقه بنظرات وتحذيرات تنحنح الشيخ : سأبحث في كتبي هذه الليلة سأخبرك غداً بعد صلاة العصر إن شاء الله.
بعد خروج يوسف وعمر قالت سكينة للشيخ عثمان : ماذا ستقول لهم؟ اعلم أنك لو سمحت له بالذهاب إلى الطبيب فإن كل نساء القرية سيذهبن الواحدة تلو الأخرى ، بعد ذلك سينقطع رزقي ، سأجلس أنا وأبنائي في بيتك لتنفق علينا حتى يكبر الأولاد ستكون أنت المسئول عن العائلتين بعد ذلك، ستتحمل إثم كل امرأة في القرية تنكشف أمام رجل غريب.
 الشيخ : يا أختي لم - قاطعته مرة أخرى  سيقول الناس أن الشيخ سمح لنا بذلك ، وأن الشيخ أفتى بذلك وأن الشيخ شجع النساء على ذلك، ستذهب هيبتك بين الناس ربما يذهبون إلى مشايخ المدينة فلا تجد أحداً يفتي عندك بعد ذلك، ستصبح فقيراً ونضطر لمد أيدينا للناس.
الشيخ : كفى، كفى يا حاجة سكينة أنا لم أقل شيئاً بعد ، أنت تعلمين جيداّ أنني أستشيرك بخصوص النساء قبل أن أرد عليهن غداً سأقول له أن ذلك حرام.
 ما زال كلام نعيم يدوي في أذن يوسف على الرغم من كل ما سمعه من حليمة سيتابع هذا الآمل مهما كانت الأسباب وهو متشوق للقاء الشيخ غدا وكله أمل أن الشيخ سيفتي بالموافقة ويفتح له الباب على مصراعيه ، سيكون مرتاح البال والضمير أسلم نفسه تلك الليلة لأحلام راودته ونتائج إيجابية سرته،  لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، أفتاه بعكس ما تمنى قطع بذلك آخر خيط في شعاع ذلك الأمل وأنهى ذلك الحلم بالحقيقة التي خططت لها حليمة وسكينة.
     لم ييأس يوسف من رحمة ربه ما زال كلام نعيم يراوح مكانه في عقله ووجدانه أحس عمر بما يختلج به صدر أخيه وصديق عمره كان دائماً يحثه على الذهاب إلى الطبيب وعدم الاكتراث لما يقوله الآخرون وأن مصلحته هي الأهم وفوق كل اعتبار.
 لم يكن يوسف بحاجة لمن يقنعه بأمر الطبيب ، وإنما لمن يشجعه على ذلك ، كان كلام عمر حافزاَ قويا له ، تحت جنح الظلام خرج ثلاثتهم خلسة إلى أن وصل الوفد الحائر المدينة مع شروق الشمس التي أطلت لتنير شوارع المدينة وتدب الحياة فيها.
انتظروا نعيم في المكان الذي تعود أن يجلس فيه دار حوار متواصل بين يوسف وعمر حول مشروعية القرار الذي اتخذه ، عندما وصل نعيم فرح لأن كلامه وجد آذاناً صاغية فاصطحبهم إلى مديرية الأوقاف وأخبر المفتي بمخاوف يوسف وحالته التي يعاني منها تهلل وجه يوسف بالفرح والسرور الذي أدخله المفتي على قلبه بإجابته الوافية الشافية وعلم أن الدين مع العلم والطب ولا فرق بين المرأة والرجل عندما يتعلق الأمر بالعلاج وأنه لا إثم  عليه في ذلك  لعدم وجود طبيبة مختَصَّة، ذهب الجميع إلى الطبيب بكل أمل واطمئنان.
 قام الطبيب بإجراء الفحوصات اللازمة أخذ بعض العينات وحوّلها إلى المختبر أعطاهم موعداً للمراجعة لمعرفة النتيجة ثم خرجوا جميعاً من عند الطبيب مسرورين شكروا صديقهم نعيم على مساعدتهم.
كانت الأيام حتى موعد النتيجة التي ستحدد مستقبل تلك العائلة بالاستمرار في الحياة أو الفناء عمرا بأكمله ، عرف يوسف أن الشيخ عثمان أفتى بغير علم لجهله في أمور الدين أو لأمر في نفسه وأن وجود أخته سكينة تلك الليلة لدليل على وجود مصلحة لها.
اخبر الطبيب يوسف إن زوجته سليمة 100% لا يوجد عندها أي سبب يمنعها من الإنجاب.
صعق يوسف وعلم أن الحاجة سكينة صادقة في كلامها وأن حليمة أخبرته الحقيقة و تريد مصلحته بالفعل لكنه أراد التأكد من الأمر فقال مهتاجاً: لماذا لم تنجب طيلة هذه السنين؟ أين المشكلة إذاً؟ ما الحكاية؟
 الطبيب : ما دامت الزوجة سليمة فلا بد من وجود سبب لديك يمنع الحمل لذلك لا بد من إجراء بعض الفحوصات لك.
 يوسف وهو ماذا تقول يا دكتور؟ تكشف علي! فحوصات لي! هل تشك في رجولتي؟ هل ترى أنني امرأة أمامك؟.
 الطبيب : يا حاج يوسف عدم الإنجاب هو مرض بحاجة لعلاج أنت تمرض تصاب بالرشح والبرد يؤلمك سنّك، كذلك عدم الإنجاب مرض لا تشعر بألمه إلاّ أنه بحاجة إلى علاج ولا دخل للرجولة في ذلك.
 خرج يوسف من العيادة محبطاً وساقاه تسابق الريح، مذعورا يترنح كأنه مصابٌ بالدوار، باغته كلام الطبيب المفاجئ والمهين ووقع عليه وقع الصاعقة ، وهو  يتمتم  ـ أنا عقيم أنا السبب في ذلك  هذا جنون … جنون !!.
فتفجر الغضب في باطن عمر فبدا كالثمل من شدة حزنه على يوسف خشي عليه من الضياع، لحق به محاولاً تهدئته والتخفيف عنه قال : الأمر لا يستحق كل هذا الغضب، أوكل أمرك لله سبحانه وتعالى.
 يوسف : أرجوك لا تقل شيئاً ، عانيت ما فيه الكفاية هذا اليوم، كان شاحب اللون مسود الوجه، يعلم جيداً أن عمر لن يفشي له سراً أبداً لكنه بدأ يشك في نفسه ما زال عمر يحدثه بكلام لم يسمع منه حرفاً، يحدّث نفسه يستعد للبحث عن جواب شافٍ لزوجته : ماذا لو عرف الناس بكلام الطبيب؟ ماذا لو عرفت حليمة بالأمر؟ ماذا لو عرفت زوجتي أنني السبب في عدم الإنجاب؟ ماذا سيكون موقفها مني؟ كيف تنظر إليّ بعد اليوم !و… ؟
أخذ يوسف يحمد الله  على عدم كشف سره للآخرين وشكر في نفسه الشيخ عثمان والحاجة سكينة وأثنى على سليطة اللسان زوجة أخيه حليمة الذين أجمعوا على عدم ذهاب مريم إلى الطبيب وإلاّ لعرف الجميع بحكايته وأصبحت سمعته على كل لسان، كان عليه الاعتكاف في بيته بعيداً عن عيون الناس ونظراتهم الساخرة.
 كان عليه أن يكذب على زوجته لأول مرة في حياته سيخفي عنها الحقيقة بكذبة يقول إنها بيضاء لأنه مجبر عليها وللضرورة  أحكام كما يقال ليبقى في نظرها كما كان دائماً، لو عرفت مريم الحقيقة لما تغير شيء أبداً ولبقي يوسف عندها يوسف الذي أحبته وأخلصت له.
كانت مريم بدورها مجهشة بالبكاء لم تنبس ببنت شفة وهي فريسة الألم والحيرة الشديدة قلقة على زوجها الذي ربما ستدمره كلمات الطبيب إلى الأبد.
كلما خلا يوسف بنفسه كان يتمتم ـ مسكينة يا زوجتي العزيزة آه لو تعلمين الحقيقة ، آه لو تعلمين أنني عقيم وأنت سليمة والله إنك مظلومة نعم لقد كذبت عليك، لماذا أنا أناني؟ لماذا أحببت نفسي وأخفيت عنك الحقيقة؟ كيف لي أن أنظر في عينيك الجميلة بعد اليوم وهي ترمي بسهامها في سويداء القلب؟
 سامحيني يا عزيزتي … أرجوك سامحيني… أنا أتعذب أتألم لكن يجب أن أبقى كما كنت دائماً، يجب ألاَّ تتغير تلك المعاني السامية التي تحملينها في قلبك ووجدانك عني.
ربما كنت غير عادل في حكمي واتخاذ القرار لكن تذكري... تذكري أنني رفضت كل عروض الزواج بالرغم من كل الضغوط وقبل معرفة الحقيقة المرة ، وما رفضت ذلك إلاّ حباً فيك وإكراماً لك.
 منذ تلك اللحظة التي سمع فيها حكم الطبيب قرر يوسف أن ينسى ويتناسى كل ما يتعلق بالحمل والأولاد وحتى الزواج وعليه أن يتقبل الأمر بذل بالرغم من مرارة النتيجة لكن ما يحزنه حقاً ويزيد في عذابه أن كل ما يملكه سينتقل إلى حليمة وأولادها وأن عليه أن يبقى حبيساً في سجن الأوهام والأحزان حتى نهاية رحلة العذاب في هذه الحياة.
 مرت الأيام والشهور والسنون عاجزة أن تنسي يوسف حلمه في إنجاب طفل ، أو تنسيه أنه عاجز عن الإنجاب وبقيت تعذبه زوجته الجميلة بنظراتها وقلبها الرقيق كنسيم الربيع.
العاصمة عمان 1942
    بدون سابق إنذار جاء نعيم إلى القرية يبحث عن صديقه عمر يحمل له خبراً ساراً، كان يتمناه ليخرج من سجن العبودية عند أكابر القرية الذين استغلوا حاجته للمال وشغلوه بأرخص الأجور.
 أخبره أن له قريباً غنياً يسكن العاصمة عمان ويملك أرضاً واسعة فيها من كل الثمار وأن الرجل الذي كان يتعهدها أصابه الكبر واستراح من عناء العمل وطلب منه البحث عن رجل مناسب.
سافر عمر إلى المدينة حمل هموم يوسف بقلبه كانت البداية صعبة جداً هذه أول مرة يترك القرية ويبتعد عن الأهل والأصدقاء، لكنه يعلم أن لكل شيء ثمن تمر الأيام ووجد السيد سمير صاحب المزرعة في عُمَرَ مثالاً للنشاط والمحافظة على المزرعة وأحبه لإخلاصه وتفانيه.
يوما شاهد السيد سمير عمر مهموماً سأله عن حاله، أخبره عن معاناة يوسف فعرف أنه  إنسانٌ مثاليٌ قلّ أن يوجد مثله هذه الأيام ، استمع للحكاية كلها قرر مساعدته إكراماً له، اتصل بصديقه الطبيب الذي أكّد أن هناك مئات الحالات المشابهة تم بعون الله علاجها ، طلب سمير من عمر إحضار صديقه وسمح له بالعودة إلى البلدة. 
بلدة السعيدة 1942
   عمر : صديق السيد سمير طبيب أخصائي لمثل حالتكما، اتصل بالطبيب فورا وأكّد أنه عالج حالات كثيرة ونجحت بعون الله سبحانه.
 يوسف : بالله عليك لا تحدثني في هذا الموضوع أبداً، بدأت أنساه وأتعوّد على ذلك.
 مريم : لا يا يوسف .. لا تقل ذلك .. ربما تنجح هذه المرة فلنجرب ماذا سنخسر؟
 عمر : أحسنت يا مريم هذا الكلام الصحيح يجب أن تذهبا إلى العاصمة معي، نحاول مرات ومرات مادام هناك أمل ولو بسيط.
 مريم : يجب أن نذهب يا يوسف لعل الله  سبحانه يكتب لنا التوفيق هذه المرة.
 يوسف : يحدّث نفسه يتأمل زوجته المسكينة، نعم كم أتمنى ذلك لكنك يا عزيزتي لا تعرفين الحقيقة العيب مني والأمر لا يحتمل.
كان يوسف يعلم جيداً أن عمر يريد مصلحته يبحث دائماً عن حل لمشكلته كأنه هو المريض إلاّ أنه خشي أن تكون هذه المرة كسابقتها خشي أن ينكشف أمره ويفضح سره وتزداد الأمور تعقيداً عليه وتفتح عليه كل أبواب الشكوك والنظرات الحاقدة.
 إلاً أن مريم تلك الزوجة النقية التي تتمنى أن ترى الابتسامة مشرقة على شفاه زوجها وجدت في حديث عمر طمأنينة لم تعهدها من قبل كأنه سحر بالغ الشفافية تعمق في خلجات القلب أوجد لديها إحساساً بالأمومة طالما حلمت به.
ما إن وصلا للمدينة حتى بدأت المحلات التجارية تفتح أبوابها توجها إلى المطعم الشعبي حيث الحاج رفيق كعادته بزيّه التقليدي بحيوية ونشاط بعيونه التي تراقب المارة أهلاً وسهلاً تفضل ... تفضل ..... تناولا الفول المدمس والفلافل ثم توجها إلى الحافلة المتوجهة إلى العاصمة.
[الكنترول ]بصوته  الغليظ يصيح باحثاَ عن الركاب : عمان  القدس ..عمان .. خلال ساعة امتلأت الحافلة وانطلقت ببطء من قلب المدينة مخترقة شوارعها وما إن  خرجت منها إلى الشارع الرئيس حتى  تزايدت سرعتها تدريجيا تطوي الطريق مخترقة  الحقول والسهول.
بعد ساعتين من السير المتواصل توقفت الحافلة جانباً بجوار استراحة في إحدى القرى وأخبر [الكنترول] الركاب أن بإمكانهم تناول الطعام والاستراحة بعض الوقت فنزل قسم من الركاب وبقي الآخرون ينظرون من الشبابيك ويتأملون المارة والشوارع والمحلات المحيطة بهم.
تابعت الحافلة سيرها استغرقت الرحلة ثلاث ساعات حتى وصل إلى المحطة الرئيسة ( العبدلي ) ليجد الركاب كماً هائلاً من السيارات والحافلات التي تحمل الركاب إلى جميع الجهات في العاصمة والمدن الأخرى .
 توجّه عمر ويوسف إلى وسط العاصمة ( عمان ) إلى فندق شعبي على سقف السيل أخذا غرفة بسريرين ووضعا فيها أغراضهما توجها إلى مطعم ليتناولا طعام الغداء، ثم ذهبا إلى المسجد الحسيني فصلّيا الظهر ثم ذهبا إلى الطبيب.
 في غرفة الانتظار كان عمر يحدوه الأمل بنجاح مسعاه، يوسف يحاول إخفاء نفسه عن عيون الآخرين معتقدا أن الكل يراقبه وينظر إليه، أخذت الأفكار تتلاعب في عقل يوسف بين مؤيد لقدومه ومؤنب لضميره ودقات قلبه تتسارع كأنه مجرم يحاول الهرب، كان يرى المراجعين يدخلون إلى الطبيب الواحد تلو الآخر وجلهم من النساء حتى بدون مرافق كزوج أو قريب فتعجّب يوسف من ذلك وتمنى لو أنه أحضر زوجته لخففت عنه الكثير وإذا بالسكرتيرة تطلب منه الدخول إلى الطبيب فرافقه عمر وذكّره بنفسه وبصاحبه فأخذ الأوراق منهما واطلع عليها.
أكد الطبيب ما قاله طبيب المدينة بأن زوجته سليمة تماماً وطلب إليه الاستلقاء على السرير لفحصه شاهد من يوسف تردداً وحزناً وألماً كان عمر قد أخبره بخوفه وحساسيته من الموضوع  فقال له:
 اطمئن يا يوسف هذه الفحوصات سرية جداً لا يطّلع عليها أحد إلاّ الطبيب ولا أظن أن هنا أحداً يعرفك فتوكّل على الله.
 قام الطبيب بإجراء اللازم؛ هذا كل شيء يا يوسف لو سمحتما انتظرا في الغرفة قليلاً، لأول مرة في حياته يذهب يوسف إلى طبيب، طلب منه شراء بعض الأدوية المهدّئة والمنشطة خاصة لتقوية الغدد المنوية و لفتح الشهية وكذلك عسل النحل الخاص بالملكات، وطلب مراجعته بعد أسبوع.
 أخذ الظلام يتسلل تدريجياً ليحل مكان ضوء الشمس التي توارت خلف التلال ساحبة خلفها خيوطها الذهبية.
  أضاءت الشوارع والمنازل وأضفت على العاصمة حلة جميلة بهية بألوان مختلفة، السيارات ما زالت تجوب الشوارع الناس يترددون على المحلات التجارية، يوسف مندهش مما يرى علم أن هناك أشياء تبدو مستحيلة إلاّ أنها ممكنه وسهلة.
خيّل ليوسف أن أهل المدن خاصة العاصمة يعيشون في سعادة تامة وأنهم ينعمون بالسعادة والهناء ولم يعرفوا للتعب والمشقة طعماً بعدما شاهد أشياء كثيرة عجيبة رائعة  فالمنازل تنار بكبسة زر، الماء موجود داخل البيوت وحتى الحمامات أيضا خيل له أنه لا يوجد لديهم حزن وألم كأهل القرية الذين لم يعرفوا طعم الرفاهية الحقيقية وحياتهم كلها تعب وهمّ وشقاء.
في الفندق جلسوا في الصالون الذي يجلس فيه روّاد الفندق للحديث، جابر عامل في مطعم بوسط المدينة يتقاسم غرفة في الفندق مع ثلاث رجال، شاب طويل القامة مفتول العضلات حنطي عيناه عسليتان وجهه محمر مورد، من زبائن الفندق الدائمين ويسكن في إحدى المدن البعيدة.
 كان يجلس بجانب يوسف الذي تعرّف عليه، شيئاً فشيئاً تحدّث جابر عن حياته، أخذ يشكو ليوسف ما يعانيه في تحصيل لقمة العيش ومن وحدة وغربة ومذلة وتعب وتمنى لو أنه يملك قطعة من الأرض في بلده لعمل فيها وعاش من خيرها، قال لجابر: كنت أظن أن أهل المدينة ينعمون بسعادة وراحة وأن التعب والشقاء لأهل القرية فقط.
 جابر : أنت مخطئ يا حاج يوسف .. إن أهل المدينة لا يملكون الأرض إلاّ القليل منهم ومعظمهم لا يملك البيت الذي يسكن فيه وهو يدفع أجرة شهرية لصاحبه ويدفع ثمن الماء الذي يشربه والكهرباء والمواصلات وكل شيء هنا بثمن، العمل قليل والأجرة أقل وكثير منهم بالكاد يستطيع إيجاد الطعام لأولاده.
 عمر : سأكون سعيداً جداً فمنذ زمن طويل لم نتحدث، ها هي الفرصة جاءت أخيراً لنعيد ذكرياتنا القديمة وأيام الطفولة والشباب، لدي بيت واسع في المزرعة سنشتري بعض الحاجيات ونتوجه إلى المزرعة، ما إن شارفا الوصول إلى المزرعة حتى تراءت أشجارها الباسقة وصدحت أصوات عصافيرها المزقزقة وطيورها المغردة، وهبت عليهما نسمات الرياح التي تحمل رائحة الأزهار.
 كانت المزرعة كبيرة محاطة بالأشجار وفي زاويتها الأمامية يوجد بيت من غرفتين وأمامه يوجد كلبان ضخمان للحراسة بجانب كل واحد برميل لينام فيه وأمامه حوض ماء ليشرب منه، كان صاحب المزرعة يجلب لهما الطعام كل عدة أيام مرة.
 اقترب موعد الطبيب ، غير أن الكرى لم يراود جفون يوسف تلك الليلة، تخيل زوجته حاملا ... ثم تضع مولودا ذكرا يربيه يوما بيوم وساعةً بساعة ، فيما كانت الغرفة يلفها السكون المطبق، خلد عمر للنوم مبكرا كان يوسف في عالم آخر، كان في الجنة يطير بلا جناحين، عندما يعود من العمل مساءً شغفا لمعانقة صغاره ومداعبتهم ورؤية ابتسامة زوجته الشافية تراءى له  أبناؤه الصغار من حولها فيما هي منشغلة بخدمتهم. 
 كانت الأيام التي أمضاها يوسف مع عمر والأخبار السارة التي عرفها من الطبيب قد أعادت له مرحه وحيويته وعاد الاثنان إلى أيام الشباب والطفولة التي قضياها معاً في حارات القرية وأزقّتها تذكرا كل لحظة مرّت عليهما كل لعبة مارساها، كل المقالب التي قاما بها أيام الجهل والصبا وهم في شوق للعودة إلى القرية وللأهل والأيام التي تفصلهم عن موعد العودة طويلة جداً وثقيلة جداً وهما يشغلان وقتهما في العمل في المزرعة حتى جاء موعد الطبيب.
 وصلت نتيجة المختبر وأظهرت وجود عدة مشاكل صحية ووجود ضعف في الحيوانات المنوية لديه المرتبطة بهرمون الحليب، ووجود الدوالي في ساقيه، وأن نفسيته المحطمة و الهموم والفكر والإرهاق كانت سببا في عدم الإنجاب.
أعاد الطبيب الفحص وأخذ عينة أخرى وأوصاه بالراحة والتغذية الجيدة والابتعاد عن الهموم والتفكير وأن يسلم الأمر لله تعالى ومراجعته بعد أسبوع.
نعم أنت الآن بخير، كل شيء جيد لكن تابع تناول الدواء لمدة شهر آخر، وتستطيع الآن العودة لبلدتك سأكتب لزوجتك دواء سيساعدها كثيرا، شكرا الطبيب بحرارة وغادرا العيادة.
 جاءت لحظة وداع الأصدقاء ليعود عمر إلى مزرعته وحيدا لكن عزاءه الوحيد أنه حقق لصديق عمره ما كان يصبو إليه ويتمناه، وأعاد له حيويته ونشاطه وابتسامته وحياته.
 أخيراً يا حبيبتي يا أعز الناس على قلبي يا زوجتي الغالية سيكون لنا ولد منك أنت ليس من امرأة أخرى إن شاء الله يا ملاكي منك أيتها النقية الصافية – يحدث نفسه - يوسف سعيد خاصة مع الدواء الذي اشتراه لزوجته ليعلم الجميع أنه أحضر لها العلاج وجاء بالحلوى خصيصاً من العاصمة لهذه البشارة التي لم تظهر نتيجتها.
جاء الأهل مهنئين ومباركين، لم تتمالك مريم نفسها وهي تتلقى البشارة جلست على الأرض تذرف دموع الفرح بكل سخاء تقابلها حليمة بنظرات الحسد والحقد وعيونها محمرّة كالجمر ترمي من حولها بشرار الغيرة والكره وقلبها يغلي غيظاً وكمداً وهي تشاهد يوسف ومريم وهذا الحب والحنان المتدفق من قلوب بيضاء ومحمود تغمره نشوة الفرح لأخيه الأصغر مما زاد نار الغيرة في نفس حليمة.
كبر فتحي وازداد عشقه للأرض كحب والدته لها وتعمقت في نفسه حب خاله  وحب جاهه وسطوته أخذ يرافقه في جولاته وتجارته ليتعلم منه الدهاء والمكر ومعاملة الفقراء بكل عنجهية ولؤم وأمه حليمة سعيدة بما آلت إليه تطلعات فتحي وهو يكبر ويتسلق على ظهر خاله ليصبح بعد فترة من الزمن يشار إليه بالبنان ليصل إلى أرض عمه مهما كانت الأسباب كما خطّطت أمه ورسمت بكل دهاء ومكر.
 بلغ فتحي خمسة عشر عاماً من عمره وما زادته هذه السنون إلاّ قسوة وشراسة، بالرغم من أنه لا يخالط أترابه من أبناء القرية لانشغاله مع خاله في سفره إلا أنه دائماً يتعرض لهم فيصفع هذا ويركل ذاك، ويستولي على ما بأيديهم حتّى يتردد رجال القرية على والده ليشتكوا له صنيع ابنه حتى ضاق به ذرعاً وكان يحاول ضربه وطرده من المنزل لكن حليمة له بالمرصاد وسعيدة بما يفعل، تشجّعه على ذلك وتقول لزوجها:
يا عزيزي سأجعلك والد سيد القرية، ستفخر به بين الناس جميعا، ومستقبلا إن الرجال الذين يأتون يشتكون صنيع ابنك سيأتون غدا لطلب رضاه والعمل عنده خوفاً وطمعاً. 
***************المدقق ( الخبير اللغوي )
محمد فهمي يوسف

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )