نزول القرآن بحسب الأحوال منجمًا

تعددت أقوال العلماء بشأن كيفية نزول القرآن الكريم جملة ومنجما ، ووضحوا كيف اختلف الفرقان عن التوراة والإنجيل وبينوا أسباب ذلك؛قال الترمزي :إن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت رحمة ، فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد وبالقرآن ووضعت النبوة في قلب محمد صلى الله عليه وسلم فإن قيل : ما السر في نزوله منجما ؟ قلنا : هذا سؤال قد تولى الله تعالى جوابه في سورة الفرقان في الآية 32 ( وقال الذين كفروا لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة ) يقصدون كما أنزل على من قبله من الرسل ، فأجابهم سبحانه وتعالى بقوله : ( كذلك ــ أي أنزلناه مفرقا ــ لنثبتَ به فؤادك ) يعني لِتُقَوِّي به قلبك . فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى بالقلب وأشد عناية بالمرسل إليه ويستلزم ذلك كثرة نزول المَلك إليه وتجدد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ربه فيحدث له السرور ، وإنما أنزلت التوراة على موسى عليه السلام جملة واحدة في كتاب مكتوب لأنه كان نبيا يقرأ ويكتب بخلاف غيره من الأنبياء ( ولا يأتونكَ بمثلٍ إلا جئناك بالحق ) الفرقان آية 22 ،كما أن القرآن الكريم ورد منه الناسخ والمنسوخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقًا . وأصح الروايات ما جاء في رواية حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال : نزل القرآن إلى سماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر بنص الآية الأولى من سورة القدر ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) وكان أول مانزل من القرآن ما جاء في سورة العلق الآية الأولى وما بعدها : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم ) ثم نزل بعد ذلك منجما أو مفرقا في المدة من عشرين إلى خمس وعشرين سنة التي قضاها الرسول بعد البعثة في مكة المكرمة بحسب اختلاف العلماء في تحديدها ، وقرأ ابن عباس الآية 33 من سورة الفرقان تأكيدا لذلك (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) والآية 106 من سورة الإسراء ( وقرآنا فرقناه على الناس على مُكثٍ ونزلناه تنزيلا ) وكان آخر مانزل من القرآن كما أجمعت أصح الروايات في ذلك ما ورد في الآية 3 من سورة المائدة والتي قال فيها الله تعالى :( .... اليوم أكملت لكم دينكم ،وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا ) وقد ذكر ذلك الماوردي ومن تابعه من العلماء كما قال ابن حجر في شرح البخاري وقد ورد عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : ( إنما نزل أول مانزل منه سورة من المفصَّل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيءٍ لا تشربوا الخمر لقالوا : لاندعُ الخمرَ أبدا ، ولو نزل لا تزنوا ؛ لقالوا لا ندع الزنا أبدا ) وخلاصة ما استنتجه العلماء مما يقنع الناس أن نزول القرآن الحكيم منجما لحكمة يعلمها الله وهذا أدعى إلى قبوله والإيمان به إذا نزل بالتدريج بخلاف ما لو قالوا : أنزل جملة واحدة ؛ فإن ذلك كان ينفرالناس من قبوله لكثرة ما فيه من الأوامر والفرائض والنواهي لذا فإن ما صح عن أنه نزل بحسب الحاجة أقرب إلى القبول ومما يؤيد ذلك ما ورد في الصحيح عن المحدثين والصحابة رضوان الله عليهم أنه صح نزول جزء من الآية في مرات على النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك قوله تعالى ( ...غير أولي الضرر)جزء من الآية 95 من سورة النساء ، وجزء من الآية 28 من سورةالتوبة ( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم)، وقد نزلت بعد نزول أول الآية بفترة ، كما أنه كانت تنزل الخمس آيات ، أو العشر آيات ، أو أقل أو أكثر مرة واحدة بحسب الحاجة إليها ، فقصة الإفك نزلت في عشر آيات جملة واحدة ،من سورة المؤمنون ، كما كانت الآية من القرآن تنزل لتنسخ آية نزلت قبلها ، كما نزل في تدرج تحريم الخمر حتى ورد تحريمها نهائيا في قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون آية 90 من سورة المائدة ، لتنسخ الآية : 43 من سورة النساء والتي نزل فيها : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ....) ======== هذا والله تعالى أعلى وأعلم بمراده بحث ديني في الموضوع مصادره 1- تدبر الآيات القرآنيةمن ( القرآن الكريم ) 2- تفسير ابن كثير 3- تفسير الطبري 4-تفسير في ظلال القرآن 5- أسباب النزول للسيوطي جزء 4 6- صحيح البخاري وغيره!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )