لطيفة بلاغية من آية قرآنية

ورد في سورة الحج آيتان تحثان الحاج الذي يذبح ( الهدي ) في حجه كمنسك من مناسك الحج اللازمة عليه أن يطعم من هديه مرة ؛ ( قال : وأطعموا البائس الفقير ) في الآية رقم 28 ، ثم قال بعد ذلك في الآية رقم 36 ( وأطعموا القانِعَ والمُعْتَر ) واللطيفة المعجزة البلاغية في هذين الجزءين من الآيتين الكريمتين هي أن يستوعب العطاء والبذل من الهدي شرائح المجتمع فإذا تدبرنا البائس والفقير نلحظ كأنهما صفتان للمحتاج لإعطائه من لحم الهدي منسك الحاج الذي ذبح ، وكأنهما صفة لفئة واحدة من الناس يعني ترادف البائس مع الفقير في المعنى ... لا، فإن الفقير قد يكون حسن الملبس والمظهر لكن يعرفه الناس ويعتادونه ، أما تقديم البائس هنا فمعناه أنه يبدو عليه الحاجة أكثر بما يظهر عليه من شدة حاجته للعطاء دون أن يسأل الناس فهما فئتان من المحتاجين في المجتمع ثم نأتي إلى ( القانِعَ والمُعْتَرِ ) في الآية 36 من السورة وهما أيضا فئتان أخريان واللطيفة البلاغية هنا هي : أن ( القَانِعَ ) من الفعل : قَ نِ عَ ، ومضارعهُ ( يقْنَعُ ) ومصدرهُ ( قَنَاعة ) فهو : الْمُسْتَغْنِ عن السؤال رغم أنه من فئات المجتمع الذين بعطى لهم من الهدي أيضا أما المُعْترِ : فهو الذي يعتريك بالسؤال في تذلل وطلب الحاجة ، ومنه قوله تعالى في سورة هود الآية رقم 54 (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) أي أصابك واعترضك وهو في الناس من يتذلل بإلحاح ويعترض المتصدقين في طلب الصدقة أحيانا فهو لا يقْنَعُ بما عنده ولكنه يشعر بالحاجة ويطلبها وهنا نرى أن الفعل ( قَنِعَ ) يستخدم بمعنين متضادين في جناس بلاغي إعجازي في فصاحته وإيجازه من الفعل مفتوح العين ( قَنَعَ ومضارعه ( يقنُعَ قنوعا ) ، أما (قَنِعَ ) الذي مضارعه ( يقنِعُ ) بكسر العين فمصدره كما ذكرنا ( قنَاعةً ) من الرضا والقناعة ؛ فيكون عكس معني قنوعا اللحوحُ في الطلب المعتري الناس به أي السائل في غير رضا بما عنده رغم حاجته فهما فئتان أيضا من الناس في المجتمع ويؤيد ذلك القول ما ذكره أحد الشعراء في بيت من الشعر يقول فيه : على مُكْثِرِيهِم رِزْقُ من يَعْتَرِيهم = وعلى المُقِلِّينَ السَّماحةُ والبَذلُ وقول الآخر في الطباق بين الفعلين ( قَنِعَ ، وقَنَعَ ) العبدُ حرٌ إنْ قَنِعَ ، والحرُّ عَبْدٌ إن قَنَعْ = فاقنِعْ ولا تَقْنَع فما شيءٌ يُشِينُ سوى الطَّمع ********** والله تعالى أعلى وأعلم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )