حياء المسلم من الإيمان

لو تدبر المسلم قارئي القرآن آيات النداء على المؤمنين في كلام الله جل جلاله في الذكر الحكيم على سيد المرسلين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في قوله (يا أيها الذين آمنوا) إلا وجد بعدها إما أمرا أو نهيا عليه أن يمتثل له وينفذه في قوله وفعله ولنضرب مثلا واحدا عن التوجيه القرآني للمؤمنين بالتحلي بصفة الحياء والأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام في قول المسلم وسلوكه وتعامله معه ومع المجتمع الذي يعيش فيه مع الناس ليحمد عند الله تعالى فلا يعيب أحدا ولا يسلك غير الحياء في حياته كلهِّا فهو شعبة من شعب الإيمان ، بل الدين هو الحياء مع الله ومع خلقه لنضرب مثالا واحدا من القرآن الكريم لنوضح ما فيه من الدعوة إلى الحياء: ( ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرَّأَهُ الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ) سورة الأحزاب الآية رقم 69 والحديث موجه إلى قوم محمد صلى الله عليه وسلم ، ممن كذبوه وآذوه بالأذى المنبعث من كفرهم ــ كما يذكر ابن عاشور في كتابه ( التحرير والتنوير ــ كما قال المشركون الذين كفروا برسالة محمد عليه الصلاة والسلام في أذاه بدون حياء وعبر الله عن ذلك في آية سورة الأحزاب رقم 57 بقوله : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخره ) ، والمعروف أن كثير الأذى قد يغفل عن غفلة أصحابه عما يوجهه إليهم بغير حياء من الأقوال والأفعال فيغضبهم دون تدبر وتأمل فيما يصدر عنه من أقوال وأفعال ، فجاءت آية الأحزاب بعدها بذكر الحالة المشابهة التي تقرر مافي نفوس الكفار من قُبحٍ فيما آذوا به نبيهم موسى عليه وعلى نبينا السلام ، وكانوا قد أهملوا واجب كمال الأدب والرعاية مع أعظم الناس بينهم ، حيث قالوا لموسى سخرية : (اذهب أنت وربُّك فقانلا إنا ها هنا قاعدون ) المائدة آية 24 فآذوه بالعصيان بضرب من التهكم به وبربه ، وآذوه بقولهم : أخرجتنا من مصر وكان أفضل لنا أن نكون خدما للمصريين من أن نموت في البرية ، كما ورد في الإصحاح الرابع عشر من الخروج ، ثم ذكرت التوراة في الإصحاح السادس عشر بعده ، قالوا له ولهارون ( إنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كلَّ هذا الجمهور بالجوع ؛ وتلك مواقف ليس فيها حياء مشابهة لما فعله الكفار من قوم محمد عليه وعلى موسى الصلاة والسلام معه ومع الذين آمنوا معه عند هجرتهم من مكة إلى المدينة ، وقد ذكر أن سيدنا موسى عليه السلام كان رجلا حّييًّا سِتِّيرًا فقال قومه : مانراه يستتر إلا من عاهة فيه ، فقال قوم : به برصٌ وقال غيرهم غير ذلك من العيب والمرض بدون حياء ونحو هذا ، وقولهم مشابه لما أذى به قوم محمد صلى الله عليه وسلم حين قال المنافقون عنه : إن محمدًا تزوجَ مطلقةَ ابنهِ زيدُ بن حارثة والآية التي أوردتها كمثال لعدم الحياء في موسى عليه السلام وما افترى المنافقون به على محمد تدل على طلب الله تعالى وجوب توقير النبيِّ وتجنب ما يؤذيه وكانت تلك سُنَّة الصحابة والمسلمين من التابعين ، وقد عرضَتْ فلتات من بعض أصحابه الذين لم يبلغوا قبلها كمالَ التخلق بالقرآن الكريم ، مثل الذي قال له لمَّا حكم بينه وبين الزبير في ماء شراح الحرَّةِ :أن كان ابن عمتك يارسول الله ، والرجل التميمي الذي قال في قسمة مغانم حنين : هذه قسمة ما أريد بها وجه الله خروجا عما نبه إليه الله في آياته من التحلي بالحياء في الحديث مع رسول الله لأن ذلك يغضب الله ورسوله ، وساعتها قال صلى الله عليه وسلم ( يرحم الله موسى لقد أوذيَ بأكثر من هذا فصبر ) تتشابه قصة حياء موسى ووصفه بالوجاهة حيث كان ستَّيرا في عدم انكشافه حياء من الله مع حياء النبي محمد عليهما الصلاة والسلام وهو صبي صغير في حرب الفجار حيث كان صلى الله عليه وسلم ينبِلُ على أعمامه ــ أي يجمع لهم النبال لحرب مع عدوهم ، وكان لا يرفع ثيابه كبقية الصبية الذين يجمعونها لأهلهم في تلك الحرب قبل البعثة ، ويصر على ذلك حياء وسترا لعدم انكشاف ساقيه ، وهو يجمعها على صدره يسدل ثيابه على جسمه كله ، أما عن حياء موسى عليه الصلاة والسلام ؛ فكانت عدم موافقته على الاغتسال عريانا كما كان يفعل قومه من اليهود في جماعات من الذكور والإناث من الكبار والصغار يرى بعضهم عورة الآخرين كما يرون عورته وجسمه كله وفيه من عدم الحياء الاجتماعي مافيه من القبح والرداءة ، حتى قالوا عنه كما ذكر إنه لايفعل ذلك إلا لستر عيب في جسمه ، فبرَّأَه الله مما قالوا ، لكن الله سبحانه وتعالى يدافع عن رسله ليثبت لأقوامهم والمكذبين منهم برسالاتهم شناعة ما يصفونهم به بلا خشية من غضب الله ورسله ، فقد حدث أن اغتسل موسى وحده في مكان بعيد عن أعين قومه في البحر ولما خلع ملابسه وضعها على صخرة على حرف المكان الذي نزل ليستحم وراءه ليختفي عن أعين المارة ،ويغتسل بالماء ليعم جسده ،ولمَّا انتهى خرج ليلبس ثيابه فوجد الحجر أو الصخرة أخذتها وسارت بها بعيدا أمامه ، فأخذ يجري وراء الحجر وينادي عليه ياحجر ملابسي مكررا النداء والحجر يمشي معجزة من الله أمام عينيه حتى وصل الحجر إلى قومه المجتمعين عرايا للاغتسال فرأوا موسى يجري وراء الحجر عريانا ، فلما أدرك الحجر خطف ملابسه وارتد مستديرا يجري ليستر نفسه والقوم يرونه من وجهه مرة ومن ظهره مرة أخرى ، فقال أعقلهم من اليهود : مابه عيب ولا مرض بل هو أجمل منا جسدا صحيحا ياقوم ، وكان ذلك تأييدا من الله ليبطل قذفهم بالعيوب لنبيهم عليه السلام فيؤذونه ويغضبونه وتبرئة لحسن حيائه من الله ستر نفسه عن أعين الناس . ولكننا اليوم وقد بعدنا عن دين الله وحكمنه البليغة في حث المؤمنين على الحياء ماذا نرى في زماننا وفي شوارعنا ، وفي تعاملاتنا ؟ إن كثيرا مما يحدث لنا من الأوبئة والجوائح المدمرة والمهلكة ما هو إلا ابتلاء من الله تعالى للبشر لخروجهم عن الحياء ومخاصمتهم لمباديء ربهم وقيم الأديان وما كان عليه رسل الله تعالى من شدة الحياء والتأدب مع الله في دعوتهم أقوامهم ومع أنفسهم المؤمنة بالحق المنزل من لدن حكيم خبير فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )