نتحدث في هذه الوقفة تعليقا وتوضيحا لجمال اللغة العربية ودقة حروفها وكلماتها في جانب المعنى من حيث الاستعمال المتنوع عن :
حروف النفي ومعانيها واستخداماتها في اللغة العربية وهي : ما ــ لا ــ إنْ ـ لات ـ لم ـ لمَّاـ ولن .
والمعروف أن لم : حرف جزم للفعل المضارع بعده وهذا من جانب العمل وهو يفيد النفي من ناحية المعنى ، وحرف لن ينفي في الحاضر والمستقبل من حيث المعنى ومن حيث العمل فهو ينصب المضارع بعده ولا يدخل على الماضي
و يذكر الدكتور عباس حسن صاحب كتاب :النحو الوافي في الجزء الأول صفحة 593 عن الأحرف الأربعة الأولى منها وهي : مَا ولا و إنْ ولات
أنها تشبه ليس في المعنى والعمل ؛ وليس في معناها النفي وفي عملها : النسخ وعناه عند بدء الكلام على النواسخ في الأفعال والحروف نحو كان وأخواتها وإنَّ وأخواتها ، فتعد هذه الحروف الأربعة من أخوات ليس الناسخة التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر مثل كان وإن كانت حروفا وليست أفعالا مثل كان وأخواتها في العمل فنقول على سبيل المثال لا الحصر : ما الشجاع خوَّافًا أو ما الشجاع خواف والحرف له الصدارة في جملته بشرط دلالته على النفي ، وبوجوب أن يتمم الخبر المعني بنفسه مباشرة مع الاسم وألا يكون معلوما من اسم الناسخ وتوابعه قال الشاعر في مثال ذلك :
وما الحسنُ في وجه الفتى شرفا له ** إذا لم يكنْ في فعله والخلائق
حيث جاءت ما ناسخة مشبهة بليس فرفعت الاسم بعدها وهو الحسنُ ، ونصبت شرفاً على أنها خبر للحرف ما .
وقول الشاعر الآخر : لَعَمْرُكَ ما الإسرافُ فيَّ طبيعةٌ ** ولكنَّ طبعَ البُخْلِ عنديَ كالموتِ
وجاءت ما هنا بمعنى النفي وأهمات من جانب العمل كناسخة لتأخر المبتدأ عن حرف النفي المشبه بليس فصارت (فيَّ طبيعة جملة من شبه جملة خبر مقدم واسم نكرة بعدها هو المبتدأ طبيعةٌ تكون في محل رفع للإسراف وما مهملة .
ويسمي النحاةُ ما العاملة باسم : ما الحجازية ولعملها النسخ مع النفي خمسة شروط :1ـ ألا يقع بعدها كلمة إنْ الزائدة فيصح إعمال : ما الحقُّ مغلوبًا ، ولا يصح إعمال النسخ في : ما إنْ الحقُّ مغلوبٌ 2- ألا ينتقضَ نفيها عن الخبر بسبب وقوعِ إلا بعدها فتعمل في مثل / ما الجوُّ منحرفا ولا تعمل في مثل : ما الجو إلا منحرفٌ وقول الشاعر / إذا كانتْ النُّعْمى تُكَدَّرُ بالأذى ** فما هي إلا محنةٌ وعذابُلأن الخبر مثبت هنا بسبب إلا فيبطل عمل ما في المعنى والنسخ معا 3- التزام الترتيب بين اسمها وخبرها الذي ليس شبه جملة على الاسم ولهذا تعمل في مثل : ما المعدن حجرا ، وتهمل في مثل : ما حجرٌ المعدنُ لتقدم خبرها على اسمها ، فإن كان الخبر شبه جملة جاز إعمالها وإهمالها مثل قول الشاعر : وما للمرءِ خيرٌ في حياةٍ ** إذا ما عُدَّ من سقطِ المتاعِ
، 4- ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم بشرط أن يكون ذلك المعمول المتقدم غير شبه جملة ففي مثال : ما العاقلُ مصاحبًا للأحمقَ ؛ فلا يصح الإعمال هنا مع تقدم الأحمق على الاسم لأنها معمول للخبر وليست شبه جملة فيجبُ إهمال عمل ما فتقول ما الأحمقَ العاقل مصاحبٌ ؛ فإن كان المعمول المتقدم شبه جملة جاز الإعمال أو الإهمال نحو : ما في الشرِّ أنتَ راغباً أو راغبٌ ، وكذا ما عندك فضلٌ ضائعًا ويجوز ضائعٌ .5- الشرط الخامس والأخير لشروط عمل ما الحجازية بجوار معنى النفي فيها فهو : ألا تتكرر ما ، فلا عمل لها في مثل : ما ما الحرُّ مقيمٌ على الضيمِ ؛ لأن ما الأولى للنفي ، وكلمة ما الثانية للنفي أيضا فهي قد نفت معنى الأولى لأن القاعدة تقول : نفي النفي إثبات وينقلب معنى الجملة إلى إثبات وهو غير مراد فلا تعمل ما في مثل ذلك .
والله تعالى أعلم .
تعليقات