والبحر أيضا مع الشاعرة عواطف كريمي
(أدرك البحر...فؤادي..!)( عواطف كريمي
http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=61194
أكتبُ الصبرَ سطوراً فوقَ صفْحات الفراقْ
تقيد الشاعرة نفسها بقيد الكتابة بضمير المتكلم ، وتجعل آلامها صبرا مسطرا يعلو بمقدرتها عليه، بياضَ صفحاتِ الفراقِ المؤلمِ الحزينِ
( خيال تصويري يجسد المعنوي في سطورمكتوبة على فراغ الصفحات)
يتلوّى الجُرحُ بالأعماقِ..
يزدادُ الحزَنْ
يقال: أَصابَه حَزَنٌ شديد وحُزْنٌ شديد ، إذا فَتَحُوا ثَقَّلوا، وإذا ضَمُّوا خَفَّفوا
قوله «وعام الحزن إذا جاء الحزَن منصوباً فتَحوه،
وإذا جاء مرفوعاً أَو مكسوراً ضموا الحاء
كقول الله عز وجل: وابْيَضَّتْ عَيْناهُ من الحُزْنِ؛ أَي أَنه في موضع خفض،
وقال في موضع آخر: تَفِيضُ من الدَّمْعِ حَزَناً؛ أَي أَنه في موضع نصب.
وقال: أَشْكو بَثِّي وحُزْني إلى الله، ضمُّوا الحاء ههنا؛
وتؤخر سبب الصبر ، عندما توضح تلوِّي جرح ألمها في أعماق ذاتها
، وجراح الآخرين بتفاقم الأحزان الجسدية والمعنوية ..
وتموتُ الذكرياتُ خلف أبواب النفاقْ
ثم تواصل تعليلها للصبر والجراح ، بموت الذكريات الحلوة ،تُوصَدُ أمامها عوائقُ الألمِ من النِّفاق وهو الرياء لأَن كليهما إظْهار غير ما في الباطن ( استعارة مكنية ، ثم تشبيه بليغ مقلوب )
إنّهُ الغدْرُ الذي من قهرهِ يطفو الشجنْ
إنّها الآلامُ دهراً..
في ذُرَا الأوهامِ ترتادُ المحنْ
إنّهُ البحرُ الذي في يمّهِ يغفو الرفاقْ
أيّ صحْبٍ..
فرياحُ الظلمِ تُلْقي للوهنْ
وتشرح ما تعنيه بالنفاق مؤكدة إنه الغدر القاهرالذي بسببه يطفو الألم والحزن طويلا ( استعارة مكنية في تصوير الغدر بظالم قاهر،وفي الشجن أو الحزن بالشيء الذي يطفو) وبتصوير امتداد الآلام بتعاقب الوقت دهرا )وباستطالة ذلك النفاق إلى قمة الضلال والوهم ، الذي ترتاده المصائب.
لقد صار النفاق والغدر بحرا في موجه غفل الصحاب في ضعفهم بما أصابتهم به ريح الظلم ( رياح الظلم تشبيه بليغ مقلوب )
أيّها الساكنُ في أعماقِ عمقِ الروح
والنبضُ..مكين
تنادى على الضمير الذي ابتعد عن الناس في المجهول ونبضه باق فيهم ومستقر
أيّها الموعودُ بالعِشقِ
أيها الأمل المعشوق
وبالشوقِ الدفينْ
بشوقنا المدفون
ذاتَ فجرٍ ..
قد أتاكَ القلبُ يسعى
في اعترافٍ وحنينْ
لقد هفا إليك القلب ساعيا مقرا باشتياقه وحنينه( استعارة مكنية في مجيء القلب والترشيح لها باعترافه وحنينه )
ناصبَ العقلَ العداءْ
تركَ الكلّ وجاءْ
والحّ..والحّ في النداءْ
حالما بالزهر في قفر السنين
لقد خاصم العقل الغافل وعاداه ، وبح صوته من النداء المتكرر على حلمه المزهر في السنين القاحلة الجافة من العطاء ( تتواصل الاستعارات الترشيحية في مناصبته العداء والرحيل ، والنداء ، والحلم بالأمل( وفي كلمة الزهر استعارة تصريحية ) وفي تجسيد السنين بصحراء تشبيه المعنوي بالحسي للتوضيح وتقريب صورة الشقاء .
يعبر البيداء يحدوه اليقينْ
يحضنُ الحلمَ ابتهاجًا
في دروبِ الأنسِِ والوصلِ المتينْ
هذا القلب الواثق المتيقن بعد رحلة العذاب في قفر الحياة وغفلتها ،يحتضن حلمه السعيد مسرورا به يعبر متاهات الطرق الضيقة مؤتنسا به متواصلا بقوة مع الأمل .( استعارة في عبور القلب البيداء، وفي؛ يقوده اليقين ، وفي احتضان الحلم ، وفي ابتهاج القلب والوصل المتين ، وتشبيه في الأنس دروب،)،
يا فؤادي ..يا عذابي
كيف صرتَ اليومَ للأحزانِ والبؤسِ قرينْ؟!
لماذا تحولت اليوم إلى آلام وعذابات تصادق اليأس والتعاسة فيَّ
في نداء صارخ بالحزن يشخص المنادى وهو الفؤاد والضمير والقلب في استعارة مكنية مع استفهام تعجبي لانقلاب الأحوال
أيّ عسْفٍ قد عرفتَ
أيّ خسفٍ قد ألفتَ؟؟!!
ما هذا الظلم الذي لحقك ، والاختفاء الذي لفَّك
فإذا الحبُّ هراءٌ
وبكاءٌ وأنينْ
وإذا الثُعْبانُ يسعى
ينفثُ السمَّ الزعافَ
ينسجُ الكيدَ المتينْ
لقد غاب الحب بين الناس ، وتحول إلى كره، ومنطق فاسد لانظام له،
وانقلب الضحك إلى بكاء وألم، وانتشر الشر فينا كالثعبان( استعارة تصريحة ) يقلتنا بحيله ومكره ومكائده القوية.
أدرك البحرَ فؤادي ثمّ فإضربْ بالعصا
وهنا تستغيث الشاعرة لتوقظ القلب منبهة إياه بالشر والظلم بالتوجه إلى البحر ،ثم تأمره بأن يفعل المعجزة للنجاة كما ضرب موسى البحر بعصاه ( وفعل الأمر من الثلاثي( ضرب) يبدأ بألف وصل وليس بهمزة قطع )أما الرباعي ( أدركَ) فيبدأ الأمر بهمزة قطع .
وهذه الثقافة الدينية الواعية تدل على سعة أفق الشاعرة عندما تستخدم ألفاظ القرآن الكريم كما في ؛( اضرب البحر رهوا ،وينفلق)
ينفلقْ شطرين فإمضِ
لا تبالي بطيوفٍ لا تلينْ
لا تبالي بنداءِ اللاحقينْ
تتنصر على ما تعانيه من هزائم تلاحقك ( وفي استخدام المضارع تجدد واستمرارية لتحقيق الأمل المنشود ) ( وامض ألف وصل وليست همزة قطع كما قلنا في اضرب )
والطيوف هنا خيالات الشيطان وشروره التي تعادي القلوب المؤمنة بالحق ، انتصر أيها الفؤاد بمواصلة جهادك غير مبالٍ بقوى البغي الملاحقة لك
هكذا شاءَ القدرْ
أن تقاوم وحدك والقلوب نائمة ،هذا مصيرك ومشيئة الله لك،وفي هذا التعبير حث للآخرين على إنقاذ قلوبهم من الشر القادم خلفهم
فاهجرِ العشقَ بعزم الصابرينْ
وتعود الشاعر بمهارة لتشدنا إلى بداية النص ، مع مطالبتها القلب بترك الغرام وابتعاد عنه بإرادة قوية وعزيمة صابرة ( الصبر إرادة وعزيمة؛ تشبيه)
قد ترى الأيّام تشدو في حنانٍ
وترى الآمال تروي عمركَ الباكي الحزينْ
والفضاء الرحبُ
والفجر
وأنوارُ النهارْ
قد تضيءُ الدربَ في لطفٍ ولينْ
تأكد أنك إن فعلت ما أنصحك به فقد تتبدل أيامك فتصير أغنية الرجاء
الحانية ، وتشاهد حلم آمالك وهي تروي ظمأ حياتك التي غلفها الحزن والألم والبكاء ، فعمر القلب كالأرض العطشى لتحقيق الأمل
وهنا أرى صورة كلية تتعانق فيها الاستعارات الجزئية المتلاحقة بإبداع الشاعرة في تزيين المعنى بألوان الفجر وأنوار النهار وضياء الدرب ، مع إضفاء نغم الصوت في شدو الأيام ، وبكاء العمر ، وحركة انسياب الأمل كالماء يروى العمر ، وامتداد النور ليضيء الدرب في لطف ولين .
أدرك البحر فؤادي والزم النسيانَ دينْ
وانسَ بؤسَ الماضِي والذكرَى وأطيافَ الحنينْ
فالبحر هو المنقذ لقلب الشاعرة ، تلجأ إليه وتعتنق نسيان الهموم فيه
لما عاناه القلب من شقاء وذكريات مؤلمة ، وخيالات أشواق كالسراب.
ففي إدراكه النجاة .
تعليقات