قراءات في مكتبتي (2)



3- من كتاب ( مستقبل الثقافة في مصر )
للدكتور طه حسين  الجزء الرابع .
قلة إنتاج المثقفين في مصر وأسبابه ...
 ( باختصار وتصرف )
الإنتاج الثقافي في مصر قليل في الكم وقليل في الكيف ، وكان ينبغي لحياتنا العقلية الحديثة التي لم تنشأ اليوم ولا أمس
أن تنتج أكثر جدا مما أنتجت ............ وترفعنا إلى منزلة أرقى من الثقافة العالمية من التي نحن فيها
بينما في الأرض أمم اتصلت بالحياة الحديثة في الوقت الذي اتصلنا بها فيه أو بعده بزمن طويل أو قصير ، ولكنها كانت أسرع منا إلى الانتفاع بهذا الاتصال والرقي منا ..... وما أظن هذه الأمم قد خلقت من جوهر أرقى من جوهرنا أو تميزت
بملكات أو أتيحت لها ظروف لم تتح لنا ، فمهما كانت تلك الظروف خارجية أو داخلية فنحن الملامون على ما ورطنا فيه
أنفسنا فيه من تقصير.
............. وأشير إلى أمم تخلصت من حكم الترك مثلنا حتى تم لها استقلالها السياسي وأسرعت إلى الحياة الأوروبية
فاتصلت بها وانتفعت باتصالها وانتهت إلى غايته فأصبحت مشاركة في الحياة العقلية الأوروبية
وهي أرقى منا على كل حال أما من مصدر دفع السياسة أحيانا والدين أحيانا أخرى, وتلكؤنا وتواكلنا واكتفاؤنا بالظواهر
جعلنا موضوعا للطمع الأوروبي والظلم الأوروبي حتى بعد استقلالنا فما زلنا نسمع العالم جعجعة ولا نريه طحنا .
والذين أعجب بهم من المثقفين المصريين بذلوا من الجهد واحتملوا من العناء ما لا يشعر به المعاصرون ، فقد نشأوا
في بيئة معادية للثقافة أشد العداء ، فقد بدأوا بأنفسهم فحرروها من كثير من التقاليد الثقيلة الفادحة حتى عدتهم بيئتهم
شذاذا وقاومتهم ألوانا من المقاومة فلم يهتموا ولم يضعفوا وظلوا ينتجون على نهج الرقي بالاتصال بالحضارات المختلفة
حتى كتب لهم النصر ، وقد تنكرت لهم السياسة أحيانا مما أوجد قلة عدد القارئين لهم وعزوف آخرين عن القراءة عموما
وكان من الواجب للنهوض بالثقافة ودفعها إلى الرقي التشجيع والحفز وعدم تقييد حرية الفكر لمزيد من الإنتاج العقلي أن يشعر الجميع بفائدتها ليتفرغ الأدباء والمثقفون للإنتاج الأدبي القيم الذي يرقي الثقافة ويهذب الأذواق ... وما ينبغي أن يتكلف الأدباء في مصر ما يتكلفه أمثالهم في البلاد الراقية الحية لآن ظروف الحياة هنا مخالفة لظروف الحياة هناك .
ومن المحقق أن الإنتاج الأدبي صناعة لا تقوت صاحبها ولا تقيم أوده في مصر ..................إلخ

4- من كتاب ( روائع التراث ) : الأغاني للأصفهاني

بين الخليفة عمر بن عبد العزيز والشاعر جرير 
( بتصرف )
بعد استخلاف عمر بن عبد العزيز جاءه الشعراء ، فجعلوا لا يصلون
إليه ، وجاءه الفقراء وقراء القرآن فدخلوا عليه ، فصاح جرير
بعون بن عتبة بن مسعود قائلا :
يا أيها القارئ المُرْخَى عِمَامَتُهُ =هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغْ خليفتَنا إنْ كنتَ لا قيَـهُ = أنيَّ لدى البابِ كالمصفود في قَرْن
فدخل عون فاستأذن له الخليفة فأدخله عليه فلما دخل قال جرير:
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا = من الخليفة ما نرجو من المطــــر
أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت = أم تكتفي بالذي بُلِّغتَ من خبري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا = ولا يجود لنا بــــادٍ على حـــضـر.
فبكى عمر ثم قال : يا بن الخطفي أمن أبناء المهاجرين أنت فنعرف
لك حقهم ، أم من أبناء الأنصار فيجب لك ما يجب لهم ؟
أم من فقراء المسلمين فنأمر صاحب صدقات قومك فيصلك بمثل
 ما يصل به قومك ؟ فقال يا أمير المؤمنين : ما أنا بواحد من هؤلاء
وإني لمن أكثر قومي مالاً ، وأحسنهم حالاً ، ولكني أسألك ما عوَّدتنيه
الخلفاء من العطاء ؛ أربعة آلاف درهم وما يتبعها من كُسْوةٍ وحُملان.
فقال له عمر : كل امريءٍ يلقى فعله ، وأما أنا فما أرى لك في مال الله حقًا .
............................
ولما رجع قابله الفرزدق فقال : ما صنع بك أمير المؤمنين يا أبا حزره ؟
قال : خرجت من عند رجل يُقَرِّبُ الفقراء ويباعد الشعراء ، وأنا مع ذلك عنه راضٍ . وعندما أتى قومه سألوه ما سأله به الفرزدق فقال لهم :
تركت لكم بالشام حبلَ جماعةٍ = أمين القُوى مستحصد العقد باقيا
وجدت رُقَى الشيطان لا تستفزُّهُ = وقد كان شيطاني من الجنِّ راقيا
كان جرير من أعق الناس بأبيه ، وكان بلال ابنه أعق الناس به. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )