قراءات في مكتبتي (1)


 1- ( الرطانة بغير لغة هويتك )

 للدكتور. مصطفى السباعي (من كتابه آلام وآمال حيث يقول:  )
"خرجت البارحة من بيتي قاصدا إحدى الحدائق العامة لأزيل عن نفسي ما لحقها من التعب والعناء، فركبت جمّاز (قطار) الجيزة قاصدا حديقة (الليمون)، وبعد ركوبي ببرهة وجيزة أقبلت سيدة أجنبية فاحتلت مقعدا فارغا كان أمامي.
وأتى النقاب(الجابي) ليقطع التذاكر، فقالت له هذه السيدة بلغة عربية ضعيفة:
-
أعطني تذكرة إلى الأهرام ذهابا وإيابا.
فناولها التذكرة حسبما أرادت، فرأت أن تستوثق منه مرة أخرى فخاطبته بالعربية قائلة:  أهذه التذكرة ذهابا وإيابا؟
فأجابها بالفرنسية.. مطمئنا لها على ذلك، ولشدّ ما كانت دهشتي عندما رأيت السيدة الأجنبية هذه قد صاحت بوجهه بلهجة المغضبة الحانقة:
-
أنا لست في بلاد فرنسا ولا في أوربا حتى تخاطبني بالفرنسية، ولكني في بلاد عربية وأنت عربي، وأنا أعرف العربية فمن الازدراء بلغتك أن تخاطبني بغيرها.
قالت له هذا ثم حوّلت وجهها عنه إذ رأته ضاحكا من كلامها والتفتت إليّ قائلة :
-
إنني يا سيدي لا أفهم معنى لصنيع الكثير من شبابكم: يزدري لغته ولغة آبائه وبلاده ليتقرب إلينا معشر الأجانب، مع أني أصارحك أنّا لا ننظر إلى ذلك إلا نظر السخرية والاحتقار، هذا مع علمي ويقيني أن لغتكم -وإن لم أكن أجيدها تماما- هي أجمل لغة وأعذبها وأرقّها!"



2- لطيفة من كتاب ( بدائع الزهور في وقائع الدهور )
لابن إياس الحنفي ص43
متنزهات الأرض أربعة ؛
 سغد سمرقند ،
وِشِعْب بوان ،
 ونهر الأيلة ،
 وغوطة دمشق .
الأول : نهر تحف به شجرة مثمرة بالفواكه والأزهار ، وهي مشتبكة بعضها بعض ممتدة مقدار اثني عشر فرسخا في مثلها
الثاني : شعب بوان من نواحي نيسابور وهو مقدار فرسخين وفيها أنهار متدفقة ، وأشجار مثمرة طيبة
الثالث : نهر الأيلة من أعمال البصرة ، وهو على أربعة فراسخ منها ؛ ومن جوانبه الأشجار الطيبة الثمار
الرابع : غوطة دمشق فمقدارها ثلاثون ميلا وعرضها خمسة عشر ميلا ، وهي مشتبكة بالأشجار كأنها بستان واحد ، لا تكاد الشمس تقع على الأرض فيها ، وثمارها طيبة لم تكن في غيرها ،
 وقال عنها الشاعر :
سألتكما إن جئتما الشام بكرةً = وعايشتما الشقراء والغوطة الخضرا
قفا واقرآ مني كتابا كتبته  = بدمعي لكم فاقرآ ولا تنســــــــــيا سطرا
والشقراء ، والخضراء اسما قريتين من قرى الشام
وقال القيراطي عن الشام :
ما فيه إلا روضـَـــةٌ أو جَـوْسَـــــقٌ = أو جَدْوَلٌ أو بُلـبلٌ أو رَبْـرب
فكأنَّ ذاكَ النهــــــــــرُ فيه مِعْـــصَمٌ = بِيدِ النسيم مُنَقَّــشٌ ومُكَــتَّب
وإذا تَكسَّـــر مَــــــــاؤهُ أبصَرتَهُ = في الحالِ بين رِيَاضِهِ يتشَعَّـــب
وَشَدَتْ على العِيدَانِ وُرْقٌ أطْرَبَتْ= بغنائها من غاب عنه المطرب
فالوُرْقُ تشدو النسيمَ مشـــــبَّبُ = والنهرُ يسقي والجداولَ تَشرب
وضِيــاعها ضاع النسيم بها فكم = أضحى له من بيننا مُتَطَـــــلِّب
فلكم طربت على السماع بذكرها = وغدا بربواتها اللسان يشــبب
أشتاق من وادي دمشق لغوطة = كل الجمــــال إلى حماها ينسـب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )