عيد ميلادي

في الأول من شهر فبراير من كل عام
درج الأهل على الاحتفال بمولدي , ففي هذا اليوم المشهود ولدت منذ أربعة وستين عاما مضت !!!
كم هي طويلة تلك السنوات في أعماق الزمن , فقد عشت أيام الملكية في عهد ( فاروق الأول ملك مصر والسودان )
وعشت أيام الجمهورية في عهود : محمد نجيب , وجمال عبد الناصر , وأنور السادات , والرئيس الحالي حسني مبارك !!
أربعة رؤساء وملك , خضعت لحكمهم ورصدت الأيام في زمانهم , وعرفت السعادة فيها والشقاء معا .
لكني عندما أحتفل هذا العام بعيد ميلادي , أتذكر أحلى تلك السنوات وأجمل هذه العهود , وأفضل هؤلاء الحكام !!!
الاحتفال كان مقتصرا على ثلاثة أفراد فقط هذا العام , زوجتي الغالية وأحمد ابني الصيدلي العازب الذي نعيش معه في شقتنا!!
أو يعيش معنا سيان الأمر .!!!
وشمعة واحدة مزينة وسط ( التورتة ) الشيكولاتية حسب رغبة ابننا , وفاكهة متنوعة . وبعض لقطات الصور من كاميرا محموله الجديد ,
وترديد كلمات النشيد المتعارف عليه ( happy bairthday to you.......to baba ) ونطفيء الشمعة ونأكل الفاكهة وجزءا من التورتة , ثم انطلق الصيدلي الى صيدليته , وبقيت مع زوجتى نستعيد ذكريات الأيام والسنين التي مرت بنا .
وتوالت علينا الذكريات والعهود , والحكام وتغير الحال من سعادة الى شقاء الى رخاء الى غلاء ومن شباب الى هرم وشيخوخة .
قلت لزوجتى : ما أحلى عهود الطفولة الأولى والشباب .
قالت : فقط يازوجي الحبيب !!! وعهد الرجولة والأسرة والزوجية ؟!!
فقلت لها مجاملا : نعم , وان لم تكن بمثل ما قبلها , كما أتذكر الآن يا عزيزتي .!!
قالت : كيف ؟ هل تقصد أن زواجنا كان مقللا لسعادتك في تلك السنوات عما كنت عليه في طفولتك وشبابك ؟!!
فأجبتها : ارجعي معي الى الوراء وحاولي أن تستعيدي حياتك وأنت طفلة لاهية لا تتحملين أية مسئولية وسط أهلك وعشيرتك وزميلاتك في المدرسة حتى سني شبابك , وأخبريني بصدق , بعد أن تنسي تماما سعادتنا معا في أيام زواجنا , فلهاحديث آخر .
فقالت : نعم يازوجي العزيز . كانت أيام مشرقة , لم نسمع فيها عن السحابة السوداء , ولا عن هذا الغلاء والبلاء .!!
أجبت : اذن أنت توافقيني الرأي على حلاوتها وجمالها ؟!! وأيدت رأيي وقالت : أحلى عهد هو عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي أذكر جزءا منه وأنا صغيرة فأنا لم أشهد مثلك عصر الملكية السابق .
فضحكت وأنا أوافقها وأدعو لها , فلقد كان عبد الناصر بشير خير على مصر كلها فعلا .
حتى نحن كأفراد من هذا الشعب الأصيل شعرنا بحلاوة أيامه , ما لم نشعر بمثل طعمها مع أي حاكم آخر عاصرناه , فلا السادات وعصر الانفتاح , واتفاقيات السلام المشئومة , وحرب اكتوبر المجيدة , ولامن جاء بعده بالبقاء فوق الأنفس والأرواح عقودا من الزمن لايضيف
للشعب الا الفقر والطبقية والعودة الى عهد الملكية البغيض , أصبحنا نتراجع الى الوراء كأفراد من الطبقة الثالثة في المجتمع , بعد أن كنا قد وصلنا الى الطبقة الثانية المتوسطة , لقد نزلنا درجة ولم تعد هناك أصلا ما يسمي ( بالطبقة المتوسطة )
وما الغريب في ذلك : فالعالم نفسه اليوم : اما دولا عظمى قوية ومتحدة ومتقدمة , واما دولا نامية من الطبقة الثالثة ويطلق عليها( العالم الثالث ) فلا أحد يسمع عن شيء اسمه : ( العالم الثاني )
ازداد الأغنياء غنى وقوة وتحكما وسيطرة , وازداد الفقراء فقرا وضعفا وقهرا وعبودية .
مع أن الملاحظ أن الدنيا تتطور بما يدخلها من عجائب الصناعة ووسائل التقدم والعلم .
لكن الحروب أبقت الأغنياء أغنياء , وزادت من فقر الفقراء , وشعب مصر منهم .
فئة قليلة استفادت من تعاملها مع الأغنياء والأقوياء وبقيت تابعة لهم ولأوامرهم وفرضت سيطرتها على الباقين .
والأغلبية عانت من عهد تتمنى وتدعو أن يريحها الله منه , أملا في بصيص من رؤية أو تطلع الى درجة أعلى وأحلى من الحياة !!
وأظن أن ذلك لن أدركه معك يازوجتي الغالية . فقطار العمر قد انتهت مدته الافتراضية في السير على تلك القضبان البالية .
ولكن أمنياتي أن يلحق بالعهد القادم أولادي , ليروا عصرا أجمل وآمالا أوسع وأحلاما تتحقق أمامهم باذن الله !!!
وافقتني زوجتي على ما ثرثرت به وهي تستمع با نصات وحب .!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )