التخليل والحديث ذو شجون
عملية الطرشي ..........( ماليش نفس للأكل ), ( نفسي مسدودة عن الأكل )قالت نرمين , لزوجها وأولادها هذه العبارات وهي تضع لهم طعام الغذاء وعقارب الساعة تشير الى الخامسة الا ربعا , قبيل آذان المغرب .ساعدتها ( نور ) ابنتها التلميذة في الاعدادي بنت الرابعة عشرة تقريبا , وامتلأت المائدة بألوان الأطعمة الشهية , وأهمها المخللات المتنوعة , وصينية خضار مشكل باللحم طهتها بالفرن , واحمر وجهها بشكل يفتح شهية الجائع , وبجوارها كان ( برام ) الأرز بالفرن ,بالاضافة الى دجاجة محمرة , وأواني الشوربة بلسان العصفور , وقال (نادر) ابنها الطالب في السنة الأولى بكلية الطب : الله يا ماما ... ريحة الأكل تجنن تسلم ايدك , ربنا يخليك لنا .أما الزوج ( نجاتي ) موجه اللغة العربية , فقد كان مستغربا ما بدأت به زوجته الحديث ,ومنتظرا أن تأتي زوجته لتجلس بجواره على المائدة بعد أن اكتمل الغذاء , فقال نادر :باقي دورق الماء والأكواب يا ست الكل .!! ـــ حاضر يا دكتور هكذا كانت تناديه هي وزوجها منذ أن التحق بكلية الطب , وتوجهت الى المطبخ لتحضر طلبه , وهي تقول : تفضلوا بالهناء والشفاء , واسمحوا لي ( أنا مش حا أقدر آكل معكم , لأني حاسة أني شبعانة , وماليش نفس .)فهم نجاتي وحده ما تعنيه نرمين زوجته بهذه الكلمات , وبدأ يتناول الشوربة بلسان العصفور , بعد أن قامت ( نور ) بملء طبق والدها , ثم أخيها من برام الأرز , ووضعت لنفسها نصف طبقها لأنها لاتريد أن تكون كالكرنبة زوجة خالها أم (شذى) , فأمها كانت ( كالخيارة ) الرفيعة , رغم أنها تكبر زوجة خالها , أما نادر فكان يميل الى اللون الأسود فكانوا يطلقون عليه ( زيتون ) , وكان حزم والدهما واحترامه بين أفراد العائلة كلها , فكانوا يعرفونه ( بالجزرة ) فكلامه لايثير غضب أحد لكنهم يعلمون أن معه عصا الردع لمن يجاوز حدوده في أية مسألة , فكان يتخذ سياسة : الجزرة والعصا .أما (نور) فمرحها , وخفة دمها , ونشاطها جعلتهم يطلقون عليها ( فلفلة) .أكل الوالد بسرعة , ثم قام فتوضأ , ونزل لصلاة المغرب في المسجد الذي بناه أسفل عمارتهذات الخمسة طوابق , ولحق به ابنه نادر بعد أن أنتهى من طعامه , وأدركهم في الركعة الثانية , أما نور فقد رفعت الأطباق والأواني الى المطبخ , ومسحت السفرة , ودخلت لتغسل مكان الأكل , وتركت أمها لتنال قسطا من الراحة في حجرتها .عاد نجاتي ونادر من الصلاة , ووجدا نور قد أوشكت على الانتهاء من عملها بالمطبخ فقالالوالد : هل صليت المغرب يا نور أنت وأمك ؟! ـــ سوف أتوضأ حالا يا أبي لأصلي , أما أمي فقد دخلت حجرتها لتستريح فيبدو أنها متعبة .ـــ أدخلي اليها يا نور وحاولي أن تجعليها تقوم للصلاة قبل أن تدركها صلاة العشاء فلا يمكنها أن تصلي المغرب حاضرا . وسمعت نرمين الكلام فقامت قبل أن تدخل عليها نور .وتوجهت الى : حوض ( التواليت ) بالحمام , وهي تتحامل على نفسها , وهناك سمعوهاتتقيأ بصوت متألم , فأسرعت اليها بنتها نور , وعاونتها حتى انتهت وتوضأت وأسندتها الى سجادة الصلاة فصلت وهي جالسة , وقام نادر ليوصلها الى السرير وهو يقول :ـــ أنها نوبة برد شديدة يا أمي أصابتك في معدتك , من تغير الجو هذه الأيام .وقال نجاتي في( نفسه ): لابد أنها نسيت أن تتناول حبوب منع الحمل , فحدث لها ذلك .وكان تفكيره في محله , فقد أخبرته بعد أن دخل ليطمئن عليها , أنها حامل .ـــ الحمد لله على كل حال . انتبهي لصحتك , ولا ترهقي نفسك كثيرا يا أم نادر .!!وجلس نجاتي مع ابنه وابنته , بعد صلاة العشاء أمام التلفزيون لمشاهدة بعض البرامج الدينية في قناة (اقرأ) الفضائية , وتجاذبوا أطراف الحديث حول , تعب الأم (نرمين )وقلة طعامها حتى صارت ( كالخيارة ) , فكم تحاول التوفيق بين عملها كمدرسة لغة انجليزية بمدرستها الثانوية , وبين ارضاء أسرتها وتحقيق رغباتها في البيت من طهي وغسل وترتيب يأخذ كل وقتها . وأخبرهما الوالد بأن والدتهما ستأتي لهما بأخ أوأخت قريبا !!دهش نادر ونور من اعلان الخبر المفاجيء , وقال نادر :اذن ما حدث الليلة لها من عدم تناولها للطعام معنا , وقولها :ماليش نفس للأكل كان بسبب الحمل .!هز الوالد رأسه موافقا وأردف : عليكما أنت وأختك نور أن تتعاونا معا للتخفيف عنها من أعباء العمل في البيت بالاضافة الى الاهتمام بدروسكما فقد أوشكت امتحاناتك يانور على الأبواب , وأنت في شهادة الاعدادية هذا العام , أما أنت يا نادر فكلية الطب لاتتوقف امتحاناتها باستمرار , ونحن معكما في كل ما تطلبونه من معاونة .وقام نجاتي ليدخل الى حجرة النوم , وانصرف الأبناء الى مذاكرتهما بعد أن قبلا والدهما ,ودعا لهما بالتوفيق .كان لكل منهما حجرته الخاصة في شقتهما الواسعة التي تشغل طابقا بأكمله من العمارة ,في الدور الرابع , وفوقهما في الطابق الأخير بقيت الشقتان خاليتين لم تكتملا , أحداهما لنادر والأخرى لنور , بناهما الوالد لهما ليتزوجا فيهما معه بالعمارة , يشغل الطابقان الثاني والثالث , أربعة شقق , تركت واحدة بالدور الثاني لتكون عيادة للدكتور نادر بعد تخرجه ,والأخرى مؤجرة لأحد الأطباء كعيادة لأمراض النساء والولادة , وقد أشتراها بعد ذلك هي وشقتي الدور الثالث , لتكون سكنا له ولأولاده الثلاثة .أما الدور الأرضي ففيه مسجد كبير تبرع بانشائه نجاتي عقب عودته من عمان بعد ثماني سنوات قضاها هناك في اعارة حكومية له لمدة أربع سنوات ولزوجته أربع سنوات , وهناك أنجبا نادر واخته نور ,واشتريا سيارة بعد رجوعهما , ليعيش الجميع في هناء بال ورغد عيش, كان نجاتي قد تخرج من الأزهر وعمل بالتدريس , وترقى حتى صار موجها للغة العربية والتربية الاسلامية , وكان يخطب الجمعة ويصلي بالناس اماما في مسجد عمارته ,وقد ربى أولاده على التدين والأخلاق الحميدة , وكان أهل الحي يحبونه ويحترمونه ويلجأون اليه لحل مشاكلهم والرد على فتاواهم في أمور الدين والحياة .أقبل موسم الامتحانات , وانشغلت الأسرة في العمل كل في مهمته , وجاء الخال ( سعيد )وزوجته ( كرنبة هانم ) كما يطلقون عليها , وطبعا لم يكن اسمها كرنبة , وانما (كريمة)وابنتهما ( شذى) الشقراء الجميلة , التي لقبت ( بمانجه ) لطعامتها وحلاوتها . وكانت وحيدة أبويها , وهي عروس في التاسعة عشرة من عمرها قاربت على الانتهاء من كلية الاقتصاد المنزلي بالقاهرة , لزيارة عمتها ( نرمين ) أم نادر ونور بالاسكندرية في أول الصيف , بعد انتهاء موسم الامتحانات واعلان النتائج للتهنئة بنجاح ( نور ) في الاعدادية ونادر الى السنة الثانية بكلية الطب . وأحضروا معهم الهدايا القيمة .وكانت تلك عادة الزيارة كل عام فعندما يبدأ شهر أغسطس تأخذ أسرة الخال ( سعيد )أسبوعا في شقة عيادة دكتور نادر المفروشة للضيوف مؤقتا , وبعد سفرهم , يأتي شقيق نجاتي من دمياط بلدهما الأصلية بأسرته الكبيرة ليقضي أسبوعا هو الآخر عندهم بالاسكندرية في نفس الشقة بالدور الثاني . وتكون الضيافة كلها على حساب نجاتي ويتمتع الجميع بفترات من التواصل العائلي بين الشباب والبنات والكبار من الرجال والسيدات وكانوا يجتمعون فوق سطح العمارة الذي جهز ليكون مكانا لاقامة الحفلات العائلية في المناسبات السارة كالخطوبة والزواج وحفلات أعياد الميلاد وغيرها وتجمعات النجاح .كان ( محمود ) شقيق نجاتي الوحيد والباقي من العائلة كلها يعمل ( صاحب مصنع موبيليا)وحالته ميسورة مثل حالة نجاتي , لكن العلاقات بينهما فاترة نوعا ما , بعد وفاة والدتهماوانتقال نجاتي الى الاسكندرية بعد أن ترك المصنع لأخيه وأخذ نصيبه نقودا ساعدته على البدء في شراء أرض العمارة بالاسكندرية حيث مقر عمله وعمل زوجته .كان لمحمود أو( بصل ) كما لقبوه لتدخله في كل شيء مما يعنيه ومالا يعنيه , زوجة صفراء حاقدة على ماوصل اليه شقيق زوجها , من مكانة ووضع اجتماعي بسبب مصاهرته لأهل زوجته أصحاب الجاه والسلطان في وزارة الأوقاف بالاسكندرية , لذا كانوا يطلقون عليها ( ليمونة ) وقد أنجب محمود : بنتين وولدين , زوج بنتا منهما والأخرى أدخلها كلية الآداب , أما الولدان فيعملان معه بالمصنع وحصل الأول على بكالوريوس التجارة والثاني على دبلوم صناعة قسم نجارة ( فني أثاث ) ولا يغادران المصنع الا نادرا .وعندما يزوران عمهما أثناء الصيف تكون زيارتهما لمدة يوم أو يومين على الأكثر .أطلقت (نرمين ) على بنت محمود (ليلي) لقب : قرنبيطة , لأنها تنقل لأمها كل كلمة تسمعها من أحد أثناء المصيف وتزيد عليها من عندها وتتشعب في الحديث والثرثرة عن صفات أبناء العائلة , أما المحاسب ابن محمود فهو : تامر ( اللفت ) وشقيقه : صابر ( البنجر)هؤلاء هم أفراد عائلة المخللات الشهية من طرف نجاتي ونرمين كأنهم نقعوا في صهريج من الطرشي اللذيذ رغم ما بينهم من تناقضات في الطعم واللون والعادات .تبقى الابنة الكبيرة المتزوجة بنت العم محمود : سعاد أو ( طماطم) كما تلقبها فنانة التخليل والطرشي نرمين , فقد سافرت مع زوجها الى أمريكا ولم تعد تصل عنهما أية أخبار .
====
وللحديث بقية شهية
تعليقات