تحليل نقدي لقصيدة ثورية (3)


ا           النص الثالث ( لمجلس النقد الأدبي ) 
أيها القذاف
ياأيها القذاف إخسأ واندحر=ضاقت عليك الأرض فارحل0لامفر
الاّن حانت لحظة فيها نوف=يك الحساب ودق ناقوس الخطر
أظننت أنك مثلما قد قلت يا = مغرور حين هتفت فينا تفتخر
ملك الملوك،وواحد الدنيا،وسيِّ=دها،وسيف الفاتحين المنتصر
ورجال هذى الثورة الأحرار جرزان، وأوباش،وأجلاف غجر
تنهى وتأمر كيف شئت ولامعقب حين تحكم 0ما تقرره قدر؟
تروى جنونك بالدماء تريقها =  وتقيم ملكك فوق أشلاء البشر
لاأيها القذاف إنك تعتلى    =عرش الهوان وعزك البالى اندثر
هذى جرائمك الفظيعة إنها  =فى النلس كالطاعون فيهم تنتشر
الكيل فاض وقومك الثوار لا= لوم عليهم0 حاجز الخوف انكسر
لاالسوط ياجلاد يثنيهم ولا   =هذا الوعيد يهز أوراق الشجر
آن الأوان فلابقاء لظالم        =  متأله0برجال أمته غدر
آن الأوان فخلهم واذهب إلى بئس المصير0ولا شفيع0 إلى صقر
وغدا سيطلع فجر هذا النصر يا  =ليبيا0فكونى غرة فوق القمر
للشاعرة سمية الزليتني
التحليل النقدي للنص :
لغة القصيدة :
اختارت الشاعرة اللغة العربية الفصحى لأبياتها ، وجاءت ثورية الألفاظ ، قوية الدلالة
مثل ( دق ناقوس الخطر ) ، ( الكيل فاض ) ، ( غدا سيطلع فجر هذا النصر )......إلخ
ومن ناحية القواعد النحوية والإملائية ؛ جاء الفعل ( إخسأ ) بهمزة قطع في أوله ، والصواب
أن فعل الأمر من الثلاثي يبدأ بألف وصل هكذا ( اخسأْ ) ، وجاءت كلمة ( النلس ) بخطأ إملائي في الدق على مفاتيح الحاسوب والصواب هو ( الناس )
ولفظة ( أوباش ) التي تنسب قولها للقذافي المهجو في قصيدتها ؛ معناها : الأَوْشابُ: الأَخْلاطُ من الناس والأَوْباشُ، واحدُهم وِشْبٌ،وهم الضُّروبُ الـمُتَفَرِّقون  
 ولفظة (أجلاف) معناها : الجِلْفُ: الأَعرابي الجافي، وفي المحكم: الجِلْفُ الجافي في خَلْقِه وخُلُقِه، شُبِّه بِجِلْفِ الشاةِ أَي أَنَّ جَوْفَه هَواء لا عَقْلَ فيه؛ قال سيبويه: الجمع أَجْلافٌ، هذا هو الأَكثر لأَن باب فِعْل يكسَّر على أَفعال ، ولفظة (غجر )( من ويكبيديا ) الغجر عرق يقطن أوروبا منذ القرن الخامس عشر، بعضهم يتكلم لغة مشتركة قد تكون من اصل هندي، وبعضهم لهم ثقافة وتقاليد متشابهة، وحتى أواخر القرن العشرين ظلت شعوب الغجر تعيش حياة التنقل والترحال، وللغجر أسماء مختلفة باختلاف اللغات والأماكن التي يتواجدون فيها، ومن أسمائهم الشائعة في أوروبا (الروم)، وهم من بين الشعوب التي تعرضت للاضطهاد من قبل الحكم النازي.
الأفكار :
1- هتاف بالرحيل في البيتين الأول والثاني
2- غرور القذافي ومظاهره في الأبيات من الثالث إلى السابع
3- رفض لجرائم القذافي من البيت الثامن إلى الحادي عشر
4- بشائر النصر بعد كسر حاجز الخوف ، البيت الثاني عشر إلى آخر النص
النداء في بداية النص بيا أيها القذاف ( للبعيد عن النفس للسخرية والهجاء )
ثم تأتي ألفاظ اخسأ واندحر وضاقت وارحل لتفيد الكراهية والبغض لهذا القذاف
والدعاء عليه بالهزيمة والاندحار فقد دقت ساعة الحساب والمحاكمة للظالم
تسرد الشاعرة بعد ذلك مظاهر غرور القذافي في استهزاء واضح حين تقول:
في استفهام استنكاري بديع ( أظننت ) أيها المتكبر بألقابك التي تتعالى بها على شعبك بوصف نفسك ( بملك الملوك، وسيدهم ، وإمام الفاتحين ) وهم فئران متفرقون جفاة الخُلُقِ غير عقلاء .تتحكم في الناس بجبروت وطغيان بحكمك الفردي الدكتاتوري في جنون لا يردعه سفك الدماء وأشلاء شعبك
ثم تصرخ الشاعرة رافضة لهذه الجرائم ( لا ) للظلم ونشر الفساد والقتل فقد فاض الكيل وثار الثوار ولن توقف ثورتهم سياط قهرك ولا قوة سلاحك بعد أن كسر الشعب حاجز الخوف وثار دون اعتبار لتهديدك ووعيدك له
وتبشر الشاعر شعب ليبيا بالأمل القادم قريبا في اختيارها الجيد للفظة ( آن الأوان ) وتكررها للتأكيد في بيتين متتاليين لبث التفاؤل في النفوس لتصبر وتصمد فدولة الظلم لامحالة زائلة والغادرون سيلقون مصيرهم السيء في الدنيا
وسينالون أشد العذاب في نار ( صقر ) يوم القيامة على جرائمهم البشعة
وستشرق شمس الحرية وتعلو ليبيا بعد انتصارها على حاكمها القذافي ومن يسانده من المرتزقة القتلة

الصور والأخيلة  :
جاءت عبارة ( دق ناقوس الخطر ) كناية عن اقتراب لحظة النصر والثورة
وفيها تشبيه ( الخطر ) بناقوس يدق على سبيل التشبيه المقلوب لتوضيح المعنوي بالحسي لإبرازه وتصويره
وتأتي الاستعارة التصريحية بذكر المشبه به وحذف المشبه في قولها :
( ملك الملوك ، وواحد الدنيا ، وسيدها ، وسيف الفاتحين ) وكلها إشارة إلى المشبه المحذوف ( القذافي ) لاحتقاره وعدم الرغبة في ذكر اسمه
ويأتي القذافي لشعبه ؛ بالجرزان والأوباش والأجلاف والغجر  (تشبيه بليغ)
للدلالة على احتقار الشعب لموقفهم منه بالثورة عليه
( ما تقرره قدر ) تشبيه قرار القذافي بالقدر والقضاء الذي لايرد
وفي الاستعارة المكنية ( تروي جنونك بالدماء ) حيث يصور جنون القذاف  بالأرض والدماء المسفوكة  بالماء الذي يرويها ،ليبني عرشه فوق أشلاء البشر
وبيان الشاعرة أن مجد القذاف انتهى وتناثر وتلاشى في استعارة مكنية أخرى
وتصوير فظاعة الجرم بوباء الطاعون في تشبيه يبرز حصد الأرواح في قسوة
وترى الكناية في قولها ( الكيل فاض ) عن غضب الشعب ، وكذلك في ( حاجز الخوف انكسر ) كناية على الثورة الشعبية،
وفي ؛ ( لا السوط يثنيهم) و( لا الوعيد يهز أوراق الشجر ) استعارتان مكنيتان
الأولى توضح أن القوة المادية والثانية أن القوة المعنوية كلاهما لاتؤثران في الشعب الثائر بعد اليوم
وفي ( بئس المصير ) و( صقر ) كنايتان عن ( جهنم ) جزاء الظلم
( غدا سيطلع فجر هذا النصر ) كناية عن اقتراب الحرية والانتصار
( كوني غرة فوق القمر ) تشبيه الانتصار بالغرة أو الضياء أو البياض
الذي يعلو جبين الأحرار من الفرحة  كغرة الجياد البيضاء .
العاطفة :
مشاعر متأججة من الغضب والكراهية على الطاغية ، ودعاء عليه الهلاك
ووجدان يمتليء بحب الحرية والدعوة إليها ، وأمل بالثقة في الانتصار
الأسلوب والبناء :
استعانت الشاعرة بالأسلوب الانشائي أكثر من الخبري في أبياتها التي تهجو فيها القذاف وجرائمه البشعة ، كما في النداء والأمر والاستفهام الذي لايحتمل الصدق أو الكذب ، واستخدمت كذلك الخبر  في بعض جملها عن جنون القذاف وجرائمه وفيضان الكيل واقتراب فجر الحرية
وجاء بناء القصيدة بأسلوب واقعي أكثر منه خيالي يحكي قضية الساعة التي تشغل العرب والعالم

تعليق:
 ترددت شعارات الثورة العربية بألفاظ مثل ( ارحلْ ) و ( حاجز الخوف انكسر )
واستطاعت الشاعرة أن ترسم أهداف الثورة الليبية في في محاكمة القذاف أمام شعبه
( يوفيك الحساب ) ، والرغبة في الديمقراطية برحيل الحاكم الظالم المتكبر وتغيير النظام
واخذ حق الشهداء والدماء التي روت أرض الوطن وأشلاء القتلى ، والتحرر من الخوف
وهي شعارات تتناغم مع ما تردد في ثورة تونس ومن بعدها مصر واليمن والبحرين
والحقيقة أن الشاعرة متمكنة من لغتها العربية الشاعرية تهجو بقوة وتعلن غضبتها الثورية
باسم المرأة التي تشارك في صنع مستقبل أمتها بجانب الرجل ، فتحية لها وتقديرا لشجاعتها
ودعاء للثورة الليبية أن تحقق أهدافها إن شاء الله .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )