الرحمة الخاصة
الرحمة الخاصة و الرحمة العامة
إذا كانت الرحمة
العامة هي حق المسلم على أخيه المسلم أينما كان على وجه الأرض تحقيقا لقول الله
تعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) وقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( المؤمن للمؤمن
كالبنيان يشد بعضه بعضا ) وقوله صلى الله عليه وسلم :( من فرج عن مؤمن كربة من كرب
الدنيا فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة )
فتكون الرحمة
الخاصة متعلقة بالقرابة والأهل والنسب
ومن هنا فإن تلك
الرحمة التي تتطلبها القرابة هي علامة من علامات القوة والمنعة للإنسان
قال تعالى على لسان
نبيه لوط لقومه عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام :( .... لو كان لي بكم قوة
..) وقال قوم شعيب عليه السلام :( ولولا رهطك لرجمناك ) لأنهم قوته
وقد اعتاد العرب
قديما نداءهم للعم بالأب ، واستمرت تلك
العادة الطيبة عند بعض أهل الريف حتى يومنا هذا ، وهذه القرابة تحفظ الأنساب وتزيد
الروابط والمنعة للإنسان
فهي إذن نعمة من
نعم الله تعالى علينا يجب المحافظة عليها على قدر ما نستطيع فنسعى دائما إلى تقوية
تلك العلاقة التي تضم شجرة العائلة من ناحية الأب ومن ناحية الأم
بالسؤال والتواصل
مع القريب منهم ، وإذا تعذر ذلك مع البعيد فبالسؤال عنه والاطمئنان عليهوالدعاء له بالخير
والسعادة والنجاح
وينقسم الناس من
حيث ( صلة الأرحام ) إلى ثلاثة أقسام :
أ- الواصل
لرحمه ،
ب – المكافئ لرحمه ،
ج- القاطع
لرحمه
ولو تناولنا
باختصار هؤلاء الأصناف من البشر ؛ نجد أن الواصل لرحمه هو أعلى هذه المجموعة لأنه
يكون البادئ بصلة الأرحام يعمل الخير ولا ينتظر النتيجة إلا من الله تعالى
ولقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( ليس الواصل بالمكافئ ، وإنما الواصل هو من إذا قطعته رحمه
وصلها ) قال تعالى ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله )
أما المكافئ : فهو
من يتفضل بصلة رحمه إذا تُفِضِّلَ عليه بوصله منهم أي يرد الزيارة بمثلها ، ولا
يبدأ ، فهو يأخذ أولا ولا يصل قبل أن يوصل، يتعامل بالمثل مع أهله وأقاربه
ونعوذ بالله من
الصنف الثالث وهو ( القاطع لرحمه ) فهو منْ يتفضل عليه رحمه بالصلة ويقطعهم ؛ فهو
يأخذ فقط ولا يعطي
وأول أولى الأرحام
الوالدان الأب والأم قال تعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ...... )
وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لرجل سأله عن صلة الرحم :
( من أحق الناس
بحسن صحابتي ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال أمك ، قال :
ثم من ؟ قال : أبوك ،ثُم أدناك فأدناك ) أي الأقرب فالأقرب )
وتكون الصلة من
السلام عليهم ، والتزاور معهم واليد العليا خير من اليد السفلى وخيرهما الذي يبدأ
بالسلام ، وبالإنفاق على من تلزمك نفقتهم ،
فالإنفاق على من لا تلزمك نفقتهم صدقة وعلى من
تلزمك نفقتهم صدقة وصلة رحم ، ومن الصلات المعنوية لصلة الأرحام إذا لم يكن في
مقدورك الإنفاق عليهم أو لبعدهم عنك
مودتهم والنصيحة
إليهم ، والدعاء لهم بظهر الغيب أن يصلح الله أحوالهم ويرزقهم ويوفقهم في حياتهم
ويشملهم برحمته في آخرتهم
وجزاء الواصلين
لأرحامهم عظيم بدليل القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة والاقتداء بأعمال
الصحابة رضوان الله عليهم
قال تعالى في سورة
الرعد : (وَالَّذِينَ
يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ
رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا
وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى
الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ
وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ
كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ
(24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)
وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لرجل جاء يسأله L يا رسول الله مرني بعمل يدخلني
الله به الجنة ! فقال له : أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤتي
الزكاة وتصوم رمضان وأن تصل الرحم ) وقال أيضا : ( من سرَّه أن يبسط له في رزقه ،
وينسأ له في أجله فليصل رحمه ) أي يمد له في عمره
وإذا قيل أن هذا قد
يبدو لغير الفاهم يتعارض مع قوله تعالى ( إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا
يستقدمون ) بمعنى أن العمر والأجل محددان
لكن الحقيقة غير
ذلك فقد قال تعالى في كتابه الكريم ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب )
فعند ملك الموت حياة الإنسان أن عمره ثابت لأخذ روحه ، لكن عند الله فهو يغير
الزمن
ويجعله كما يشاء
فيمد في عمر الواصل لرحمه ما يشاء ، وقد يكون المعنى أن المد هنا بمعنى زيادة
البركة بالذكر الحسن وبقاء سيرة الميت بين الناس بالخير عند الآخرين كما جاء في
دعاء ابراهيم عليه السلام ( ... واجعل لي لسان صدق في الآخرين ..)
وجاء في الأحاديث
القدسية أن الله تعالى لما خلق الخلق وفرغ منهم قامت الرحم وتعلقت بالعرش وقالت :
اللهم ارحمني من القطيعة ، قال تعالى : فوعزتي وجلالي لَمنْ وصلك وصلته ، ومن قطعك
قطعته .)
وعلى هذا يكون جزاء
قاطع الرحم على عكس الواصل لأرحامه شرا ووبالا عليه ويتمثل ذلك في قول الله تعالى
( أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) فهم يفسدون في الأرض
ويعاقبهم الله أشد
العقاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من ذنب أكبر من أن يعجل الله
عقوبته في الدنيا من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم )
اللهم اجعلنا ممن
يصل رحمه فينعم برحمته ، ولا تجعلنا ممن يقطع الرحم فيقطعه الله وبلعنه ويعجل له
العقوبة في الدنيا ويجزيه سوء الدار يوم القيامة