الحمد لله والشكر لله نعمة وعبادة ( 3 )
والشكر أمر من الله إلى عباده ،فيلزم الأمر طاعةً وتنفيذا بإخلاص لله في اتباع أوامره واجتناب نواهيه ، حتى يجازيهم الله بطاعتهم زيادةً في الثواب والعطاء الرَّباني الكبير الذي لا يشبهه فيه أحد ، قال تعالى في سورة البقرة آية 152 :
( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ .
وكون تنفيذ الأمر عبادة جاء في الآية 172 من سورة البقرة حيث قال ربنا سبحانه وتعالى :
(يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )
وإذا كانت الغاية الإلهية من الخلق هو أن يعبد المخلوق خالقه ويطيعه فإن الشكر جزء من العبادة ؛قال تعالى في
سورة النحل الآية 78:
( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ
شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ .)
ولقد تعددت الآيات في القرآن الكريم التي تطلب من الخلق حمد الله وشكره مع كل أصناف المخلوقين اقرأ قول الله تعالى في سورة الإسراء الآية 44:
( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ
فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا
تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )
وفي سورة المؤمنون أمر الله نوحا عليه السلام بذلك الأمر فقال سبحانه في الآية 28 من السورة :( ...فَإِذَا اسْتَوَيْتَ
أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى
الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ
الْقَوْمِ
الظَّالِمِين .
وفي سورة طه أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم مُقْرِنا الحمد بالصبر كما أشرنا من قبل قائلا له في الآية 130 ؛
( فَاصْبِرْ عَلَى مَا
يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ
غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ
تَرْضَى )
وجاء في الأثر عن شكر الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام لله :
عن الحسن قال قال موسى عليه السلام : يا رب كيف
يستطيع آدم أن يؤدي شكر ما صنعته اليه خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسكنته جنتك
وأمرت الملائكة فسجدوا له فقال يا موسى علم أن ذلك مني فحمدني فكان ذلك شكرا لما
صنعته له.
فجميعهم رضوان الله عليهم وصلواته أجمعين كانوا من الحامدين الشاكرين لربهم ؛ ولهذا اصطفاهم وفضلهم على العالمين ، واختارهم رسلَ هداية للناس إلى الله تعالى من أول أبينا آدم عليه السلام إلى خاتم الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى سبيل المثال لا الحصر
عن سيدنا نوح عليه السلام :
عن سعد بن مسعود
الثقفي قال : إنما سمي نوح عليه السلام عبدا شكورا لأنه لم يلبس جديدا ولم يأكل
طعاما إلا حمد الله تعالى عليه
وعن سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام
قال الله تعالى : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ
أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً
لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ) النحل/ 120،
122
وسيدنا لوط عليه السلام أنجاه الله من العذاب
الذي أهلك قومه بسبب شكره لله، يقول تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا
آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي
مَنْ شَكَرَ) [القمر: 34-35
وجاء في الأثر عن داوود عليه السلام :
عن أبي الجلد قال
قرأت في مسألة داود عليه السلام أنه قال : أي رب كيف لي أن أشكرك وأني لا أصل شكرك
إلا بنعمتك قال فأتاه الوحي ان يا داود أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني قال بلى
يا رب قال فإني أرضي بذلك منك
وأمر الله آل داوود بالشكر أثناء العمل فقال: اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ
مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سبأ: 13
ويقول تعالى على لسان سليمان: (
قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي
أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ
كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40
ولقمان شكر الله تعالى، فقد علمه الله الحكمة
وأول قواعد الحكمة الشكر لله، يقول تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ
اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12
شكر الله أولاً ثم الوالدين، يقول تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ
لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14
وموسى عليه السلام قال : يا رب كيف لي أن
أشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يجازي بها عملي كله قال فأتاه الوحي أن
يا موسى الآن شكرتني
وعن عيسى عليه السلام فهو : المثل لبني إسرائيل في كل خلق نبيل ومنه الشكر لله وحمده ولوالدته ، قال تعالى :
( وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ) الزخرف 58 ، ولم يعرض القرآن غيره مثلا ،من الأنبياء لقومهم
وجاء في إنجيل يوحنا 6 : 14 .
لقد كان عيسى يشكر الله الذي في السموات والذي يرفع
المؤمنون أكف الضراعة بالدعاء إليه حتى تتنزل البركات
على الطعام . فهو يلتمس التأييد من الله عز وجل . ولهذا
فإن الذين كانوا يلاحقونه عندما رأوه يفعل ذلك وهو يبارك
الطعام ثم رأوا الطعام قد ازداد وفاض حتى شبع الناس
كلهم قالوا : " هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم "
واقرأ سورة النصر التي نزلت على خير الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم :
( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
وقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انتبه من الليل قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور)رواه البخاري ومسلم )
كما ورد في صحيح البخاري حدثنا الحسن بن عبد العزيز حدثنا عبد الله بن يحيى أخبرنا حيوة عن أبي الأسود سمع عروة عن عائشة رضي الله عنها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقالت عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا فلما كثر لحمه صلى جالسا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع )
فإذا كان الأنبياء صلوات الله عليهم من الشاكرين لأنعم الله عليهم ، فليس أقل من تحاول أن تكون من القلة الشاكرة من الناس حتى تنال رحمة الله ورضوانه
فإذا كان الأنبياء صلوات الله عليهم من الشاكرين لأنعم الله عليهم ، فليس أقل من تحاول أن تكون من القلة الشاكرة من الناس حتى تنال رحمة الله ورضوانه
ونختتم هذا الموضوع في المساهمة التالية إن شاء الله
تعليقات