ذكرى الهجرة ليست انقطاعا لها

إذا فهم المؤمن المعنى الحقيقي للهجرة بشكل عام فعليه أن يَعِيَ تماما ، أن الاحتفاء بذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس معناه تذكر موقف خروج محمد عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة إلى يثرب أو المدينة المنورة أنه انتصار فقط لدعوة الإسلام التي أمره الله بها للناس جميعا في كل مكان وإنما الهجرة مستمرة حتى بعد نجاحها بفتح مكة والعودة إليها ليدخل الناس أفواجا في دين الله تعالى فقد أتت الوفود من كل صوب وحدب مهاجرة تعلن إسلامها وولاءها للحق المبين الذي بعث محمد رسولا للعالمين صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الشيخان ( البخاري ومسلم ) وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا ) وأخرج البخاري عن مُجاشع بن مسعود رضي الله عنهما قال : أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنا وأخي فقلت بايعنا على الهجرة فقال : مَضَت الهجرة لأهلها فقلت علامَ تبايعنا ؟قال : على الإسلام والجهاد ) والحقيقة أن مكة المكرمة صارت بالفتح دار إسلام ، وأنها لن تكون دار كفر إلى يوم القيامة إن شاء الله فلا تتصور منها الهجرة وقد مضت هذه الهجرة المقصودة من مكة لأهلها قبل فتح مكة الذي هاجروا منها فلن يلحقهم في فضلها أحد بعدهم وأما الهجرة الباقية فهي من دار الكفر في أي مكان لايصدق بدعوة خاتم الأنبياء محمد حبيب الله عليه الصلاة والسلام إلى دار تنصر هذا الدين وتدعو إليه ليعم كل الخلق في كون الله الواسع ممن لم تصل إليهم تلك الدعوة أو يحتاجون لتوضيحها وبيان ما بها من مباديء تأخذ بيد أهلها إلى طريق الله المستقيم ، والعلة في جواز الهجرة طالما كانت لهدف الخير والنفع العام للإنسان بشكل عام فهي واجبة ببقاء العلة الداعية لها ؛ فقد أخرج أحمد والنسائي وصححه ابن حِبَّان أنه قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني مالك بن حنبل في ناس من أصحابه فقالوا له : احفظ رحالنا ثم تدخل ــ وكان أصغر القوم ــ فقضى لهم حاجتهم ثم قالوا له : ادخل ، فدخل فقال : حاجتُكَ ؟ قال حاجتي تُحَدِثُني أنْقَضت الهجرة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حاجتك خيرٌ من حوائجهم ، لاتنقطعُ الهجرة ما قوتل العدو ) ونخلص من ذلك أن الهجرة باقية مادامت أسبابها من الحلال الخير موجودة نحو : طلب العلم ، وطلب العلاج ، وطلب قتال من يحرب الإسلام ويعاديه ، وطلب التجارة وغير ذلك من أنواع المباحات في الإسلام .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )