محاضرة في مقاييس نقد الأسلوب

محاضرة في مقاييس نقد الأسلوب بسم الله الرحمن الرحيم نتعرف معكم عن مفاهيم وأسس وضعها المتخصصون في النقد الأدبي العربي للأسلوب الشعري والنثري عند الكتاب والأدباء من الشعراء وذلك لقياس صحة الأسلوب من حيث المفردات والجمل والعبارات . ونبدأ أولا ببيان ما وضحه العلماء الأفاضل من القدماء والمحدثين في النقد العربي أمثال قُدامة بن جعفر ، ودكتور / غنيمي هلال فقد ذكروا لنا من مقاييس المفردات بنودا تجعل النص الأدبي خاليا من عيوب استخدام المفردات العربية في الأسلوب ؛ ومن تلك المقاييس : 1- الدِّقَةُ : قالوا إن لكل مفردة لغوية دلالة تبين معناها في الأسلوب فما قد تشير إليه لفظة قد لا تشير إليه أخرى مقاربة لها في المعنى لا تناسب الاستخدام في هذا الموضع من نص الأديب أو الكاتب ،نحو قول الشاعر : بالله ربك إنْ دخلتَ فقل لهـا = هذا ابن هرمة ( قائـمًا ) بالباب وقائما في هذا المكان معيبةٌ لعدم دقتها والأفضل استخدام ( واقفًا ) ومما عابوه أيضا في قول الآخر : لمَّا تذكرتُ بالديريْنِ (أرَّقَـنِي = صوتُ الدَّجاجِ وقَرْع النواقيسِ ) وعللوا لذلك النقد : بعدم الدقة ؛ فالأرقُ : يكون أول الليل ليناسب وقت ( صياح الديكة وصوت الدجاج ) فهو آخر الليل عند الفجر، وقرع النواقيس تكون غالبا بالنهار . 2- الإيحَاءُ : ينبغي أن توحي الكلمة المفردة للمعنى الجيد أو الرديء بحسب الأسلوب التي صيغتْ فيه ، فقد عاب النقاد استخدام الشاعر لكلمة ( بطن ) في مجال المدح والأفضل في موضعها استخدام ( نسل ) في قول الشاعر : (و لبطنِ ) عائشةَ التي = فَضُلَتْ أروم نســائها .... وهو يمدح 3- السُّـهُـولةُ: بأن تكون المفردة يسيرة سهلة لا صعبة في نطقها أو دلالة معناها فقد انتقدوا مثلا قول الشاعر الجاهلي امرؤ القيس : (غَدائِرُها مُستَشزِراتٌ) إِلى العُلا = تَضِلُّ العِقاصَ في مُثَنّىً وَمُرسَلِ و الصعوبة في الكلمة هنا نشَأَت من اجتماع حروفٍ خاصَّة هي السين والشين والزاي "وذلك لتوسُّط الشين وهي مهموسة رخوة بين التاء - وهي مهموسة شديدة - والزاي وهي مجهورة" ولو أن الشاعر استبدل بعض الحروف بحروفٍ أخرى لأمكنه تلافي هذه الصعوبة، فقد كان في إمكانه أن يقول: (مستشرفات)، فيستقيم له المعنى والوزن، ويَسْلَم من الوقوع في التنافر. ومعنى الغدائر : الذوائب واحدتها غديرة ، ومستشزراتٍ : أي مرفوعات إلى غير جهة لكثرتها ، والعقاص : جمع عقيصة وهي ما جُمِعَ من الشَّعر ويسميه الناس : ( خُصْلَة ) بالعامية الدارجة . 4- الأُلْفَةُ : يختار من المفردات لأسلوبه المعروف المألوف للأسماع لا غير المألوف الغريب مع وجود البديل منه في سعة اللغة العربية لذلك عابوا قول الشاعر : وما أرضٌ لِمُقْلَتِهِ بِحُــلْمٍ = إذا انتبهَتْ توهمَهُ ( ابتشاكا ) وللمفردة الغريبة هنا في اللغة العربية متيسر وهو ( كَذِبا ) 5- الطرافة : أن تكون المفردة المستخدمة في الأسلوب غير مبتذلة ، قد غيرها العامة عن موضعها المنصوص لها في اللغة العربية فهذا مما يعيبها على الشاعر ما دامت في ذاتها الطرافة والمعرفة والصحة لذا انتقد النقاد قول الشاعر : وأصبح مبيَضَّ الضريبِ كأنَّهُ = على سروات النبتِ قُطْنٌ (مُندفِ) فهذه الكلمة مما غيرته العامة عن أصلها ( مندوف ) وهذا عيب 6- الشَّاعرية : وتكون بالابتعاد عن سوءِ تركيب حروف الكلمة المستخدمة في الأسلوب ؛ نحو قول الشاعر : وتقولُ ( بَوْزَعُ ) قدْ دَببتَ على العصا = هلاّ هَزأتِ بغيرنا يَا بوزع 7- الإفادة : من المفردة بجديد من المعنى ، وإن قبِلَ بعضُ النقاد ما جاء من الترادف لتأكيد أو غيره ، والأفضل عندهم تركه لعدم الفائدة المقدمة فيه ، كقول الشاعر : بِوُدي لو يهوى العزولُ ويعْشقُ = فيعلمَ أسباب الهوى كيف تعلقُ فالهوى ، والعشق تقريبا مترادفان ، والأفضل التجديد في العطاء 8- التكرير : وهو حسنٌ أحيانا عند النقاد ، ومعيبٌ أحيانا أخرى عندهم ،فقول الشاعر : ألا ليتَ لُبْنى لم تكنْ لي خُلَّة = ولم تلْقَني ( لبنى ) ولم أدْرِ ما هيا فحسنوه لحسن المودة والتشوق فيه ، وأما ما عابوه فكما قال الآخر من الشعراء : فما (للنَّوى) جزّ (النَّوى) قطعَ ( النَّوى )كذاك ( النَّوى)قطاعه لِوصال . فعابوه لتكريره غير المفيد بجديد 9- الاستعمال : فيجب أن يكون للمفردة المستخدمة في الأسلوب وجود في اللغة العربية في مكانها من الأسلوب ، بألا يكون الناس سمعوا بها مستعملة في لغتهم الصحيحة ؛ نحو قول الشاعر الذي عابوه: تخاصِم قومًا لا تلقى جوابهم = وقد أخذتْ من أنف لحيتِكَ اليدُ فلم تسمع هذه الصيغة في كلام العرب قديما أو حديثا وهي : ( أنفُ اللِّحْيَةِ ) . 10- حروفُ الصلات العائدة : يعاب في استخدام الأدباء والكتاب كثرة استخدام تلك الحروف في أسلوبهم ؛ من مثل ما قاله الشاعر : ويُسْعِدني في غمرة بعدَ غمرةٍ = سبوحٌ لهُ منها عليها شَوَاهِدُ ونخلص من ذلك كله فيما يخص مقاييس المفردات في الأسلوب: أن النقاد قد حددوا الكثير من الأسس لصحة استخدام المفردات والتقليل من العيوب ، وهناك ما زالت عند بعض النقاد نقاط أخرى مهمة في هذا المجال ؛ نحو : الاشتراك : في المعنى وضده في الكلمة الواحدة قاصدين إبراز بلاغتهم في الجناس اللغوي مما قد يغيب عن إذهان بعض الناس غير المتخصصين في اللغة العربية نحو قول الشاعر : لو كنتُ أعلمُ أن آخر عهدِكم = يوم الرحيل (فعلت ما لم أفعل) وكذلك عابوا استخدام المصطلحات العلمية : مثل قول الشاعر : يا شتات الأسماء والأفعال = بعد موتِابن مالك المفضال ولكني أرى أن هذه الأمور الهينة مفيدة في موضعها إذا كان الأسلوب يقتضيها عند إنشاء النص طالما كانت مفهومة وقريبة إلى ذهن السامع أو القاريء ، وأضيف أن مدارس النقد الأدبي منها الميسر المشجع للأدباء على المضي قدما في إبداعاتهم بكثرة اطلاعهم على نماذج ما ينتهجونه من بحور الشعر أو فنون النثر متعلمين منها متخلصين مما يشعرون بنقصه لديهم متخذين الصواب منهجا تطوريا لنجاحاتهم وتحقيق طموحاتهم في تقبل إنتاجهم المفيد لإثراء التراث الأدبي العربي فالشعر والنثر تذوق وإحساس ومشاعر عند المثقفين من الناس من غير المتخصصين ومن النقاد من مر في مراحل ممارسته للأدب وفنونه بمثل تلك المباديء التي حددوها لمقاييس المفردات من الوقوع في بعض العيوب لكنهم يتشددون في فرض قواعد مدرستهم النقدية في الالتزام بالنبود التي اتخذوها كمقاييس لاستخدام المفردات والجمل. وعلى الناقد الماهر أن يتوسط بين المدرستين معتدلا في نقده الموجه للنفع والعمل به . وفي المحاضرة القادمة بإذن الله نتعرف على مقاييس نقد الجملة في الأسلوب إن شاء الله

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )