الإيجاز في البلاغة العربية

 دراسة قسم المعاني في البلاغة تشمل بيان وتوضيح  فن الإيجاز في الكلام وأغراضه ووسائله للمتخصصين في اللغة العربية منه هذا الموضوع المهم :

نقول وبالله التوفيق : إن الإيجاز كما ذكره علماء البلاغة في اللغة العربية  لنا في دراسة الجامعة  على يد أساتذة الأزهر الشريف :

هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة ؛ وهذه القِّلَّة إما أن تكون بحذف كلمة ، أو جملة ، أو أكثر . وذلك عند وجود ما يدل على المحذوف من قرينة لفظية أو معنوية ؛ وهذا ما يسمى بنوع :( إيجاز الحذف ) .

وإما أن تكون القلة بتضمين المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة بدون حذف ؛ ويسمى هذا النوع :( إيجاز القِصَرِ ) .

ونستطيح توضيح وتفصيل النوعين إن شاء الله با|لأمثلة والشرح التالي :

1- إيجاز الحذفِ : يقع بكثرةٍ في أساليب البلغاء ؛ متى وُجِدَ الدليل على المحذوف في الأسلوب وهو نوعان :



أ) حذف مفرد : ويكون فعلا نحو قول الله تعالى : ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ) ..والتقدير : ولو ثبتَ أنهم صبروا حتى تخرج إليهم ، وفي نحو قولنا : أهلاً وسهلاً ؛ إذ التقدير : لَقِيتَ أهلاً ، ونزلتَ سهلا ، ويكون المحذوف فاعلا ، كقول حاتم الطائي :

أَمَاوِيَّ ؛ ما يُغْنِي الثَّــرَاءُ عَنِ الفتى *** إذا حَشْرَجَتْ يومًا و َضَاقَ بِها الصَّــدْرُ

يريد / حشرجتْ الرُّوحُ .. ويكون المحذوف ( مفعولاً به ) ، وهو كثيرٌ نحو قولنا ( يعطِي ويمنعُ  ) ومعنى الأسلوب : يعطي مَنْ يشاءُ ويمنعُ من يشاء ، ويكون المحذوف (مضافا) نحو فول الله تعالى : ( واسأَلْ القَريةَ التي كنا فيها ) والمُرَادُ / أهلَ القَريةِ .

ويكون المحذوف : ( حرفًا ) ؛ مثل قول الله تعالى : ( قالوا : تاالله تَـفْـتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حتى تكونَ حَرَضًا أو تكونَ من الهالكين ) ؛ والمرادُ/ لا تَـفتَأُ فحُذِفَتْ (لا ) النافية . ومن هذا قول امريء القيس :

فَقُلْتُ يمين الله  أبرح  قاعِدًا ***ولو قَطَّعُوا رأسِي لَدَيْكِ وأَوْصَالي ............ وهو يريد / لا أبرحُ .

وقول قيس بن عاصم المنقري في الخمر :

فلا واللهِ أشْرَبُها حياتي *** ولا أسقِي بها أبدًا نَدِيمـا......... وهو يريد / لا أشربها 

ب) حذفُ جملةٍ أو أكثر : فمن حذف الجملة قوله تعالى : ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسلامِ فهوَ على نورٍ مِنْ رَبِّهِ ، فَوَيْلٌ للقَاسِيَةِ قلوبهم.) والتقدير : أَفَمَنْ شرح الله صدره يُشْبِهُ من قَسا قلبُه .، وقوله تعالى : ( ولولا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وأنَّ اللهَ رؤوفٌ رَحيم ) والتقدير : لَعَجَّلَ لكم العقوبةَ .

ومن حذف الجمل (  حذف ...أو أكثر) : مثال حذف جُمَلٍ في قصة سليمان عليه السلام في قول الله تعالى :( اذهبْ بِكِتَابي هذا فَأَلْقِه إليهم) ثم تَوَلَّ عنهم فانظُرْ ماذا يرجعون ... قالت : يا أيها الملأُ إنِّي أُلْقِيَ إلّيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ) والتقدير : فذهب بالكتاب ، وألقاهُ إلى بلقيس ، فلما قرأتهُ قالت : يا أيها الملأُ ....

2- إيجازُ الفِصَر :

 

وهو إيجازٌ لا يُقَدَّرُ فيهِ مَحْذُوفٌ؛

وَيُسَمَّى ( إيجازُ البلاغة ) ؛ لأن الأقدار تَتَفَاوَتُ فيهِ . ومثالُهُ من الكتاب الكريم قوله تعالى :( خُذْ العَفْوَ ، وامُرْ بِالْعُرْفِ ، وَأَعْرِضْ عن الجاهلين ) فقد جمع الله في هذه الآية الكريمة مَكَارِمَ الأَخْلاقِ ، وما يَنْبَغي أن يكون عليه الإنسانُ في معاملة الناس جميعا لتتم له ولهم السَّعَادَةُ ، وقوله تعالى : ( ألَا لهُ الخَلقُ والأَمْْرُ  ) فقد اجتمعَ في هذه الكلمات الموجزة إلَهِيًّا كلَّ صِفَاتِ الكَمَالِ والعَظَمَةِ لله تعالى جلَّ وعلا؛ حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( مَنْ يَفِي لهُ بعدَ ذلكَ شيءٌ فَلْيَطْلُبُهُ )، وقوله تعالى :( ولكم في القِصَاصِ حَيَاةٌ ) فقد تضمَّنَتْ الآية الكريمة أنَّ القِصاصَ هو سبب ابتعادِ الناسِ عن القتل ؛ فهو الحافظُ للحياة ، ومن الحديث الشَّرِيفِ قوله صلى الله عليه وسلم : ( الطَّمَعُ فقرٌ ، واليَأْسُ غِنىً ) ، ومن الحكم المأثورةِ قول الحارث بن كِلْدَة طبيب العربِ : ( المعدةُ بيتُ الدَّاءِ والحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّواءِ ، وَعَوِّدُوا كُلَّ جِسْمٍ ما اعتادَ ) فقد جُمِعَتْ الحكمةُ  كُلُّها في هذه الجُمَلِ الثَّلاث . ومن قول إمام نهج البلاغة الإمام عليِّ رضي الله عنه وكرَّمَ الله وَجْهَهُ : ( مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَِدْ عَرَفَ قَدْرَهُ ، مَنْ فَكَّرَ في العَوَاقِبِ لمْ يَشْجُع ، النَّاسُ أعْدَاءٌ ما جَهِلُوا ، آلَةُ الرِّيَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ، ثَمَرَةُ التَّفْرِيطِ النَّدَامَةُ .) وسمع النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بعضَ الأعرابِ يقولُ في دُعَائِهِ : ( اللهم هَبْ لي حَقَِّكَ ، و أَرْضِ عَنِّي خَلْقَكَ) فقال : هذا هُوَ البلاغةُ ).

ومن الشِّعْرِ ما نخْتَتِمُ به هذا المقال عن الإيجاز في هذا النوع منه : قول السَّمَوْءَلِ بن عادياء الغَسَّاني :

إذا المَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِنَ اللُّؤْمِ عِـرْضُهُ *** فَـكُلُّ رِدَاءٍ يَـرْتَدِيهِ جَمِـــيلُ

وَإنْ هُوَ لَمْ يَحْمِلْ  على النفْسِ ضَيْمَهَا ** فليسَ إلى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبيلُ 

فقد اشتمل البيتُ الثَّاني على مكارمِ الأخلاقِ ؛ من سماحةٍ وشجاعةٍ وحِلْمٍ وصَبرٍ وتواضعٍ واحتمال مكارهٍ في سبيلِ طلبِ المَجد، ونحو قول الشاعر أبي تمام : 

وَظَلَمْتَ نَفْسَكَ طَالِبًا  انْصَافَهَا *** فَعَجِبْتُ مِنْ مَظْلُومَةٍ لَمْ تُظْلَمِ..

يريد أنه كلَّفَ نفسَهُ احتمال المَشاقِّ وأَكْرَهَهَا على الصَّبْرِ في طلب المجدِ فكانَ كالظَّالمِ لنفْسِهِ ، ولكنَّهُ في الحقيقة أَنْصَفَهَا ؛ إذْ أَكْسَبَهَا بما تَحَمََلَتْهُ الذِّكْرَ الحَسَن ، والثناءَ الجميل ، فهوَ لَهَا غير ظالم............................... والله أعلى وأعلم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )