درسٌ آخر للهجرة المعنوية بالقلب : دينيات مفيدة

كل مسلم لديه معلومة أو ذكرى عن هجرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة برسالته فرارا من عناد قومه بقريش ومحاربتهم للدعوة التي بعثه الله بها هاديا و مرشدا للناس إلى الطريق المستقيم لعبادة الله الخالق والرازق والمدبر أمر الدنيا والآخرة بالمنهج الذي يرضاه لعباده المؤمنين الموحدين له فهو سبحانه وحده المستحق للحمد والشكر والعبادة . وإذا كان المعنى الأول للهجرة هو : هجرة بالجسم من بلد إلى بلد وهذه أحكامها معلومة ومعروفة ؛ فإن حديثنا اليوم فهو عن النوع الثاني من الهجرة وهي الهجرة المعنوية وهي هجرة بالقلب إلى الله ورسوله وهي هجرة حقيقية تعتبر الأصل وهجرة الجسد تابعة لها ، وهي هجرة تتضمن من و إلى وعلى سبيل المثال لا الحصر : فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته ، ومن عبودية غيره إلى عبوديته وحده لا شريك له ، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه من الناس إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه ... ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له إلى دعاء الله وسؤاله والخضوع له والانقياد والذل والاستكانه إليه وحده لاشريك له .وقد أطلق عليها ابن قيم الجوزية رحمه الله اسم : طريق الهجرتين وباب السعادتين ؛ هجرة إلى الله بالطلب والمحبة والعبودية والتوكل والإنابة والتسليم والتفويض والخوف والرجاء والإقبال عليه وصدق اللجوء والافتقار في كل نَفَسٍ إليه ؛ وهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة بحيث تكون موافقة لشرعه الذي هو تفضيل مايحب الله ويرضاه ، ولا يقبل الله من أحد دينا سواه وكل عمل بخلاف ذلك فهو عيش النفس وحظها لا زاد لمعاد محقق بلقاء الله مهما طال به العمر في الدنيا الفانية .فالهجرة الحقيقية جهار ونية كما ورد في أحاديث ابن عباس ومجاشع وابن مسعود وعبد الله بن السعدي رضي الله عنهم وقد أخرج النسائي بسند رجالٍ ثقات عن صفوان بن أمية رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ؛ إنهم يقولون : إن الجنةَ لا يدخلها إلا مهاجر ؟ قال : لا هجرةَ بعد فتح مكةَ ولكن جهادُ ونية فإذا استنفرتم فانفروا .كما أخرج البخاري عن مجاهد قلت لابن عمر رضي الله عنهما : إني أريد أن أهاجر إلى الشام قال : لا هجرة ولكن جهادٌ فانطلقْ فأعرِض نفسك فإن وجدت شيئا وإلا رجعتَ ) اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )