السنة النبوية المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم

من الأمور البدهية المعروفة في الشريعة الإسلامية أن القرآن الكريم هو منهج الحياة الأول ودستورها القويم الذي يضم المعجزة الكبرى من آيات الله تعالى وكلامه الحق التام والكامل والمعجز في جماله ودقة عرضه وشموله لكل شيء في حياة الإنسان وآخرته التي تنتظر كل الخلائق . والمعروف أن السنة النبوية الشريفة المطهرة من أقوال النبي وأفعاله وأوامره ونواهيه وأحكامه بين أصحابه لسلوك الطريق المستقيم الذي بعث الله به وعليه رسله ليهدي الناس من الظلمات إلى النور بإذنه هي المصدر التشريعي الثاني من مصادر الإسلام العامة ، ونختار على سبيل المثال لا الحصر آيه واحدة من كتاب الله تعالى تشير إلى ذلك وهي الآية 65 من سورة النساء التي يقول الله تعالى فيها : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيتَ ويسلموا تسليما .) فضلا عن امتلاء القرآن الكريم بما يمدح ويصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه وما يتحلى به من عظيم الصفات والأخلاق وكمال العقل والكلم وحسن اتباعه لأموامر مولاه جل وعلا حتي قال عنه : وإنك لعلى خلق عظيم .إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما . وقد قرأت في هامش تقديم كتاب قصص الأنبياء الجزء الأول للأستاذ د. عبد الصديق الغماري بالأزهر الشريف ، والمنشور بمطبعة دار التأليف 8 شارع يعقوب بالجمالية مصر تليفون 31835 في خمسنينات القرن الماضي ، والذي اشتراه وتملكه جدي عالم الأزهر الشيخ حامد عبد الرحيم يوسف في 6 مارس 1957م وكان إماما وخطيبا لمسجد سيدي عبد الله الصامت برشيد محافظة البحيرة ما يلي : أن من الحكمة في تكرير القصة في الكتاب الكريم إلى جانب الإعجاز الذي تتضمنه هو تثبيت القلب وتقوية الإيمان فيه وتمكين العظة منه والثقة بنصر الله لعباده المخلصين المصلحين والتأسي بالصفوة المختارة من المقربين ،وتلك مقاصد القصة في الذكر الحكيم وقلما يعرض لغيرها مما يعتبر من المتممات ولا يدخل في الصميم ؛ لكن ورد بيانه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ـ في حديث صحيح أو حسن ـ كتسمية صاحب موسى بالخضر ، وفتاه بيوشع عليهم السلام ، لم يكن بدٌ من قبوله والتصديق به وليس من الجائز ردُّه بعذر من الأعذار كما فعل بعض المعاصرين ، فمنهم من رد الحديث الوارد في الصحيحين وغيرهما من طرق ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ( فوجدا عبدا من عبادنا ) ؛قال هو الخضر ) وذكر قصته مع موسى عليهما السلام ، وهذا الحديث بلغ حد الشهرة والاستقامة ، ومع ذلك رده بعض الجهلة الأزهريين بدعوى أن القرآن لم يعين الخضر ولا يوشع فتى موسى ، وهو جهل بالقواعد الأصولية الشرعية في مصادر الفقه في الشريعة الإسلامية وانحراف عن السنة النبوية المشرفة ومثله في ذلك رد الشيخ عبد الوهاب النجار بعض الأحاديث في الصحيحين بدعوى أنها آحاد لا تفيد اطمئنان القلب وهذه أمور مدحوضة بمستندات وحجج وأدلة قطعية من السنة الصحيحة والقرآن الكريم . فمن المقرر في نشر قصص الأنبياء عند المؤلف قاعدتين هما : أن الخبر إذا كان رواته آحادا فلا يصلح أن يكون دليلا على ثبوت الأمور الاعتقادية في العقيدة الإسلامية لأنها الغرض منها القطع كالشهادتين والإيمان بالملائكة والرسل والكتب السماوية المنزلة واليوم الآخر والقدر شرة وخيره وبالبعث والنشور ، والخبر الظني الثبوت أو الدلالة لا يفيد القطع في ذلك ، والمعجزات لا تثبت بخبر الآحاد لأن المطلوب فيها اليقين وخبر الآحاد لا يقين فيه ، وبهاتين القاعدتين استباح لنفسه أن يرد الأحاديث الصحيحة الثابتة في الكتب الستة وغيرها وقد يكون رده في بعض الأحيان مصحوبا بسخرية من الحديث المردود في نظره ، وتلك وقاحة قبيحة ، أضف إلى ذلك أن تينك القاعدتين بالإطلاق الذي أراده بهما يخالفان إجماع العلماء ولا يسندهما شيء من القواعد : لأن الاعتقاديات على ثلاثة أقسام : إليهات وهي ما يتعلق بالإله سبحانه وتعالى وجوبا واستحالة وجوازا ، ونبويات وهي تتعلق بالأنبياء والملائكة كذلك ، وسمعيات وهي تتعلق بما بعد الموت من حشر وحساب وعذاب ونعيم وما إلى ذلك ؛ فالإهيات يعتمد قسم الواجب منها على الدليل القطعي ، وأما الجائز فيكتفى فيه بالخبر الصحيح لأنه فرع عن ثبوت القدرة لله تعالى أو شمولها لكل مقدور ، وقد أثبتهما الدليل القطعي في قسم الواجب والنبويات يعتمد منها على الدليل القطعي شيئان ، إثبات النبوة وحاجة الناس إليها ، إثبات نبوة شخص معين أو تعيين مَلَكٍ بالذات فلا تجزم أن شخصا نبي أو من الملائكة إلا إذا ثبت الخبر الذي يفيد اليقين وأما المعجزات وسائر السمعيات فيكتفى فيها بالحديث الصحيح بلا نزاع بين أهل السنة لأنهم أجمعوا على أن كل ما جاز في العقل وورد بوقوعه السمع وجب قبوله وحمله على ظاهره وممن صرح بذلك القاضي أبو بكر ابن العربي في الأحكام والقاضي عياض في الشفا وشرح مسلم والإمام النووي في شرح مسلم والإمام ابن المنير في حاشية الكشاف والحافظ بن حجر في شرح البخاري وغيرهم والله تعالى أعلى وأعلم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )