الأثر الطيب ينفع صاحبه :
ماذا أبقيت بعد موتك ؟
قال الله تعالى : في سورة الانفطار
( إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت وإذا
البحار فجرت وإذا القبور بعثرت ،علمت نفس ما قدمت وأخرت )
وفي سورة يس قال تعالى : (إنا نحن نحيي
الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم ، وكل شيء
أحصيناه في إمام مبين )
هل فكر أحدنا وتأمل في الآيتين الكريمتين وما
تقصده الأولى في قوله تعالى :( وأخرت ) ، وما تقصده الثانية ( وآثارهم ) ؟!!، وهما
بمعنى واحد تقريبا في الآيتين فالمعروف أن الإنسان يعلم ما قدم في دنياه من عمل أو قول يسجل عليه ويحاسب عنه يوم القيامة
، أما كونه يعلم ما أخر ، أو يكتب عليه ما
تركه بعد موته ليحاسب عليه فهذا شيء يحتاج منا إلى تفكر وتدبر !!
ويتأكد هذا المفهوم عند القارئ العادي بمفهومه لآية : ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) البقرة وقوله سبحانه:
﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا
يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾7 الزمر
هذه قاعدة أساسية في تعامل الله مع
خلقه، كل إنسان محاسَب على عمله، لا يؤخذ إنسانٌ بجريرة إنسان، لا تحمل نفسٌ ذنبَ نفسٍ أخرى، أبداً، بل ( كل نفسٍ بما كسبت رهينة)38 المدثر ، إلا إذا مقصرا في شيء يتعلق بغيره فالقرآن لا تعارض بين آياته
وقال عليه الصلاة والسلام :
(( يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من
النار فإني والله لا أملك لكم من الله شيئاً ))
[ أخرجه أحمد و الشيخان و الترمذي عن أبي
هريرة]
وبشرح معنى الأثر والآثار ، والتأخير في الأعمال
مما يحاسب عليه البشر بعد موتهم
وجدت أن الأَثرفي اللغة: هو بقية الشيء، والجمع آثار ،وخرجت في
إِثْره وفي أَثَره أَي بعده وقوله عز وجل: (ونكتب ما قدّموا وآثارهم)؛ أَي نكتب ما أَسلفوا
من أَعمالهم ونكتب آثارهم أَي( مَن سنّ سُنَّة حَسَنة كُتِب له ثوابُها، ومَن
سنَّ سُنَّة سيئة كتب عليه عقابها) ، وسنن النبي، صلى الله عليه وسلم، آثاره، وأُثْرَةُ
العِلْمِ وأَثَرَته وأَثارَتُه: بقية منه تُؤْثَرُ أَي تروى وتذكر وإن مات
صاحبها فتنفع من بعده
والأثارة، بالفتح ؛بقية من علم بقيت لكم من علوم الأولين، فيها منفعة لكم
فيكون معنى (وأخرتْ ) في
آية الانفطار ؛ أي ما بقي من عمل صالح أو سيء يذكر به صاحبه بعد موته ، فيحاسب
عليه إما بثواب أو بعقاب
ومن هنا يصبح لزوما على الإنسان المؤمن أن يقول
ويعمل الصالحات في دنياه له ولأولاده ولمجتمعه ؛ فإن ترك خيرا يجزى به ،وإن ترك شرا
يعاقب عليه
وروى يحي بن أيوب قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال أخبرني العلاء
عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا
مِنْ ثَلاثٍ : مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ
وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) ومعنى الحديث
واضح جلي لكل عقل ذكي يسعى للعمل بما فيه
ومثل (صدقة جارية) ، وقف مسجد يصلى فيه، أو
عمارة تؤجر، ويتصدق بأجرتها، أو أرضٍ زراعية يتصدق بما يحصل منها، أوعلاج مريض محتاج أو مساهمة في كفالة يتيم أو بناء مستشفى وما أشبه ذلك مما يجري عليه أجرها بعد وفاته، ما دامت ينتفع بها الناس، (أو علم ينتفع به)، إما كتب
ألفها، وانتفع بها الناس، أو اشتراها، ووقفها وانتفع بها الناس من الكتب الإسلامية النافعة،
أو نشره بين الناس وانتفع به المسلمون وتعلموا منه، وتعلم بقية الناس من تلاميذه،
فهذا علم ينفعه، فإن العلم الذي مع تلاميذه، وقاموا بنشره بين الناس ينفعه الله به أيضاً
كما ينفعهم أيضاً،
وهكذا (الولد الصالح) الذي يدعو له تنفعه دعوته ، كما
تنفع دعوة المسلمين أيضاً، وإذا دعا له إخوانه، أو تصدقوا عنه نفعه ذلك.
فلا شك أن بر الآباء بأبنائهم بحسن تربيتهم ؛ يجعلهم بارين بهم بعد موتهم ،
كما يفيد المجتمع بصلاحهم ، فيعود بذلك الثواب على الآباء في زيادة حسناتهم ،وإن لم يحسن تربيتهم قبل موته وتركهم يفسدون ولا يصلحون ولا ينفعون غيرهم
في المجتمع ، بما شبوا عليه من الفساد والبلطجة بقدوته أو بغير قدوته دون توجيهه لهم فسوف يسيء إلى آبائهم، وينقص من
حسناتهم إن كانوا قد تابوا عن تقصيرهم في تربيتهم ،أو كان لهم حسنات في دنياهم ، فلأن يهدي بك الله رجلا
خير لك من الدنيا وما فيها ، فما بالك بهداية أبنائك وتعليمهم ما يرضي الله ورسوله
من إقامة الشريعة وحسن الأخلاق والمعاملات بعد موته ، ومن سن سنة حسنة فله أجرها
وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وعلى العكس من ذلك ؛
من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وهذا هو المقصود في هذا الموضوع فاللهم اجعلنا قدوة لأبنائنا في الصلاح والتقوى ،واجعلهم بارين بنا في حياتنا وبعد مماتنا بدعائهم لنا ، واجعلنا نافعين لغيرنا بما نتركه من علم نافع للناس ،يخلد ذكرنا ويرفع درجاتنا عندك ، واجعلنا من المتصدقين مما آتاتينا من صحة أومال على المستحقين من عباد الله حتى ترضى عنا ،ربنا وتقبل توبتنا عن سيئاتنا قبل موتنا وأدخلنا جناتك، واغفر لنا وارحمنا بما أخرنا ،وبآثارنا التي سنحاسب عليها يوم نلقاك للحساب إنك على كل شيء قدير ،وبعبادك عليم بصيروأنت سبحانك الحكيم الخبير
آمين يارب العالمين