قيمٌ وقيم ( إحساس أجنبي في بلدٍ عربيٍّ )

حكاية صديق لي ( إبراهيم صمويل )
قلت : 

- الدفء في قلوب الناس البسطاء المؤمنين بمكارم الأخلاق وقيم الدين

الذي يدعونا إلى إكرام الضيفان . وعدم استغلالهم أو الضحك عليهم .

هنا شرق وأصول وأعراف وعادات عربية تأصلت في قلوب الناس .

وهناك غرب وتسارع إلى الحياة وزخرفها وتناسي لمعاني القيم الدينية .

دفء الناس : هو من انشراح الصدور بالإسلام ، وبرودة الناس من موت


الروح الدينية في البشر.وهذا هو دفءُ الغرب .

قال صديقي :

قالت سائحة إسبانية كنت أرافقها كمرشد سياحي في رحلتها :

ـ (يا إلهي! ما أحلاكم من بشر!)

هتفت كرثيلا ـ الأجنبية المولودة من أب إسباني وأم سويسرية ـ وهي 

تخبرني عن مشاهداتها في جولة داخل أسواق وأحياء دمشق القديمة.

في بداية الأمر، ظننت أن صيحتها المعجبة تلك بسبب غبطتها من قدم 

الحارات ودفئها، وعناق بيوتها كالأحبة، وفوحان دكاكينها الصغيرة بالبهجة 

والألفة والفوضى الحميمة..

فهذا ـ عادة ـ ما يجذب عين الأجنبي في البلدان العربية، خصوصا الأحياء 

القديمة في مدنها

بيد أن ما لفتها كان في جانب آخر، فراحت تحكي بفيض من الغبطة والود 

عن تفاصيل من حياة الناس، لم تصنع لسائح ولا قصد بها التزيين بل 

صدرت عن أصحابها بمحض العفوية، واستطاعت عينها التقاطها كآلة 

تصوير خفية؛

حكت عن كبوة حصان يجر عربة محملة بالخضار وكيف هرع المارة إلى 

مساعدة صاحبها في إنهاض الحصان، ولملمة الخضراوات وتنظيفها بحمية 

هائلة لكأن كل واحد منهم صاحب العربة!!!

وروت كيف رغبت في شراء بعض المصنوعات اليدوية من الخشب قرب 

الجامع الأموي، فانذهلت حين علمت أن صاحب الدكان ذهب لقضاء حاجة 

ما، في حين تمكنت هي من دخول الدكان المفتوحة، ومعاينة المصنوعات 

بحرية تامة، دون أن تنتبه إلى كرسي القش المقلوب على باب الدكان 

والذييعني ـ كما علمت فيما بعد ـ أن صاحب المحل غائب وسيعود بعد 

قليل!  

وفاضت الدهشة من عينيها وهي تروي (قصتها) عن بائع الحلويات الذي 

طلبت منه قطعتين فقط وسألته عن ثمنهما، فكان جوابه أن جمع لها تشكيلة 

من مختلف الأنواع، وراح يقسم ـ وسط ذهولها ـ بأنه لن يأخذ قرشاً واحداً، 

بل ويرجوها بود بالغ أن تقبل الهدية!

وما كان لما قالته أن يدهشني،الكلام: (هذا طبيعي وعادي عندنا لأن...)


- غير أنها قاطعتني مستنكرة: (عادي؟!!)

 ثم استفاضت برواية تفاصيل أخرى كثيرة تدور كلها حول الناس الذين 

شاهدتهم، أو التقتهم، أو تعرفت إليهم، وعن اندفاعاتهم وعلاقاتهم وحميتهم 

وكرم الروح العميق فيهم.. مقارنة بين الناس في بلدها ـ والبلدان الأوربية 

والغربية عموماً ـ والناس في البلدان العربية التي زارتها.

 وفيما كانت تقص علي حكاياها والحوادث التي جرت معها وتأثيرات ذلك 

فيها..راحت تتساقط عن عيني وروحي قشور الاعتياد التي تراكمت طبقات 

فوق طبقات..أو ربما هو صدأ المعاناة المرة الذي تكاثف على أرواحنا 

جميعا،فلم نعد نأتلف بالدهشة والغبطة، فنخبو، ويخبو ألق التفاصيل الدالة 

تلك تحت وطأة الهموم والأحزان وتكاثفها ورغم ذلك، فإن ماأذهلني 

 وأثارني حقاً، جاء في اليوم الأخير من زيارة الصديقة هذه، بل في الدقيقة 

الأخيرة من لقائنا، حين حملت الهدايا الكثيرة من أصدقائها العرب، وألحقت 

بها أغراضها وحوائجها القليلة، وركبنا السيارة متوجهين إلى المطار، 

نفيض جميعا، بالكلام ونتدفق ـ كما هي عادة المودعين ـ عن أمانينا في 

أن تكون قد سعدت بزيارتها، ورجائنا في أن تكررها ثانية وثالثة، إلى أن 

حانت  لحظة الافتراق والوداع.. فالتفتت تشد على أيدينا بكل حرارة 


الأصدقاء الحميمين.. ثم تصمت برهة، بدت لنا زمناً طويلاً، لتعاود قولتها 

تلك:(يا إلهي! ما أحلاكم من بشر)ثم تضيف بصوت مخنوق بغصة الأسى..  

 وما أشقى ظروفكم التي تعيشون, وما ألعنها .!

( تمت )

القاص : إبراهيم صمويل


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )