اقـــرأْ : تذكرة في بدء عام دراسي جديد

لعل كل مسلم أو قاريءٍ للقرآن الكريم يعلم يقينا أن ( اقرأ ) هي أول درس نزل به وحي السماء جبريل عليه السلام بكلام الحق سبحانه وتعالى ، إلى وحي الأرض خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله جميعا وسلامه ورحمته قال تعالى في بدء القرآن الكريم  :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5).... من سورة العلق 
والأمر بالقراءة هو باب التعليم الأول ، فالآية الكريمة بالأمر بالقراءة التي كررت مرتين في السورة ؛ تذكرة بفضل العلم والتعليم والمتعلمين من جميع أعمار العباد كبارا وصغارا ذكورا وإناثا بشكل عام ،
والتعليم هنا ليس قاصرا على المدارس أو على فئة من الناس دون أخرى أو ذكورا دون الإناث فالتعليم بوجه عام هو السعي لاكتساب خيري الدنيا والآخرة وعدم الجهل والابتعاد عنه :
قال تعالى  : أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) من سورة الزمر 
وقال أمير الشعراء أحمد شوقي عن تعليم الأخلاق والقيم للإناث فضلا عن جوانب التعليم كلها :
الأم مدرسة إذا أعددتها = أعددت شعبا طيب الأعراق 
 فطالبو العلم أو مُدَّعُوهُ  مهما وصلوا إلى أعلى درجات التعليم فعليهم أن ينتبهوا إلى قوله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم وما ورد في السيرة النبوية المطهرة  :
فقد ورد عن عكرمة رضي الله عنه : سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح ،
 فأنـزل الله تعالى  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85))  من سورة الإسراء 
فقالوا: أتزعم إنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة، وهي الحكمة، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا قال:
فنـزلت الآية :( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27 ) من سورة لقمان ،فما أوتيتم من علم، فنجاكم الله به من النار، فهو كثير طيب، وهو في علم الله قليل ".
فعلينا أن نعلم أن الله تعالى أعلى وأعلم من كل عالم ، ومن قال إني علمتُ فقد جهل ، وأعاذنا الله جميعا  من الجهل والجاهلين . كما استعاذ به سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام في قوله تعالى :

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }الآية 76 من سورة البقرة 
وعندما ننتهز فرصة قرب بدء العام الدراسي الجديد لطلاب العلم في مختلف مستوياته التعليمية ؛ 
نتذكر أن التعليم ليس مقتصرا على لغتنا العربية لغة القرآن الكريم فحسب ؛ بل علينا أن نعلم جيدا أن الدين الإسلامي حثنا على تعلم جميع اللغات الأخرى لننتفع منها بما يفيدنا في ديننا ودنيانا ، فمن تعلم لغة قوم أمن شرهم 
وقد ورد في حديث نبوي شريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه
زيد بن ثابت رضي الله عنه قال :
( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية ) ويروى أنه أمرني أن أتعلم كتاب يهود ) وقال : إني ما آمن يهود على كتاب ، قال زيد : فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت ، فكان إذا كتب إلى يهود كتبت ،فإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم )
وهو حديث حسن صحيح .
وهناك أمور مهمة ينبغي توفرها في طالب العلم سواءٌ كان تلميذا أو معلما أو عالما :
فالمعلمون والعلماء هم قريبوا الشبه في رسالتهم التربوية التعليمية بالرسل ألم تقرأ قول الشاعر ؟!:
قم للمعلم وفه التبجيلا = كاد المعلم أن يكون رسولا
لابد أن نعلم أن الأخلاق والأدب وحسن السلوك والتربية الصحيحة ؛ تسبق التعليم، فقد جاءت كل تعاليم الإسلام لغرس هذه القيم الحميدة والمباديء الرشيدة النافعة
حتى يثمر التعليم توفيقا ونجاحا في نهاية العام إن شاء الله 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )
وفي حديث رواه أبوهريرة رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله ، قال : أطولكم أعمارا وأحسنكم أخلاقا )
والحديث من رواية عبد الله بن عمرو نصه : ( ألا أخبركم بأحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة ؟! ثلاث مرات يقولها .. قلنا بلى يا رسول الله ، قال : أحسنكم أخلاقا ) والمصدر عند ابن حبان بإخراج صحيح 
لذا كانت التربية الإسلامية على القيم الحميدة تسبق التعليم ألا تقرأ اسم وزراة التربية والتعليم ؟! فإن التربية تتقدم عند طلب العلم في أي مكان وعند أي إنسان يسعى إلى القراءة والعلم والمعرفة الصحيحة التي حث عليها الدين
وكان علماء السلف الصالح يسعون لتحصيل العلم النافع بحثا عن الاستزادة منه في أدب جم وصبر وجهد وتوقير لمن له الفضل في تعليمهم وتعلم السلوك قبل العلم بقدوته في التعامل المحمود والصدق المعهود فيهم
و نختم الموضوع من سيرة بني وصحابي صالحين كانا يبغيان العلم لوجه الله تعالى، لا لغرض دنيوي بحت ،كما يفعل طلاب العلم اليوم في الجامعة أو في مراحل التعليم التي تسبقها أو تليها من الدراسات العليا فإن كل همهم هو تحصيل النفع الدنيوي الفاني بأية وسيلة أو جهد دون نظر إلى فائدة التعليم الحقيقية لأصحابها ،نية لوجه الله تعالى صادقة دون كذب أو غش أو رشوة أومحسوبية أو قوة غاشمة حتى يكللها المولى سبحانه وتعالى بالنجاح والتوفيق في الدارين الدنيا والآخرة واعلم أخي طالب العلم أن الصدق مع الله في نية التعليم في مراقبته وعدم الغش أو الاتكال على غيره من الوسائل الباطلة فكل كسب يأتي من وراء المتعلم بالغش حرام وباطل ،فالحصول على الشهادات بنجاح مزيف كسب غير مشروع فيه تعدٍ على حقوق الغير ، وكسب بغير جهد فيه سحت يربي به من يعوله : وحدث الألباني في رواية حديث أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( كل جسدٍ نبت من حرام فالنار أولى )
وروى عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من غشنا فليس منا ، ومن رمانا بالنبل فليس منا ) حديث صحيح
وفي سؤال المتعلم للعالم ينبغي التأدب عند السؤال وحسن الاستماع والانتباه للتوجيه والنصح والعمل بهما .( نتذكر قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر ) في سورة الكهف ... قال تعالى :
( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)
والدرس الثاني :صبر المتعلم وصدق نيته وتوكله على الله ؛ فالصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنه ؛ وهو حبر الأمة وترجمان القرآن الكريم  كان صبره وصدقه في سبيل تحصيل العلم لوجه الله تعالى قبل اتخاذه وسيلة للفاني الزائل من الدنيا من مال أو متاع أو شهرة أو صيت وتكبر ، تعلم الصبر بصدق من رسول الله صلى الله عليه ، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أكثر من ألف وستمائة حديث صحيح ذكرهم البخاري ومسلم في صحيحيهما؛قال :
 أُهدي إلى النبي Mohamed peace be upon him.svg بغلةٌ، أهداها له كسرى، فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليًّا، ثم التفت فقال: «يا غلام». قلت: لبيك يا رسول الله. قال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر؛ فإن في الصبر على ما تكرهه خيرًا كثيرًا، واعلم أن مع الصبر النصر، واعلم أن مع الكرب الفرج، واعلم أن مع العسر اليسر».
وفي الختام ندعو الله تعالى أن ( يجعل هذا العام الدراسي 2019 /2020 م عامًا أوله صلاحٌ ،وأوسطه فلاحٌ ،و آخره نجاحٌ ؛ لنا ولأبنائنا ولكل طالب علم يبتغي به وجه الله تعالى إن شاء الله 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

تصريف الأفعال في اللغة الفارسية

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )