بحث حول قضية موسيقا القصيدة النثرية

تعددت مدارس فن الشعر الأدبي العربي على مر العصور من الشعر الجاهلي حتى العصر الحديث ، حيث كان قي البداية يعتمد على السليقة العربية في جودة اللغة وأصالتها ، كما ضم ضمن تجاربه الموروثة العديد من المزايا في بروز موسيقا القصيدة التفعيلية فيه ، وإن عابه أنه كان يعتمد على وحدة البيت في أغلب قصائده حتى جاء الخليل بن أحمد مؤسس علم العروض وتفعيلات بحور الشعر ووضع التفعيلات الخليلية لمفاتيح كل بحر شعري من التي حددها وهي ستة عشر بحرا نذكر أوزانها هنا : 1- بحر الطويل : طويل له دون البحور فضائل =فعولنٌ مفاعيلن فعولنٌ مفاعلُ 2-يحر المديد : لمديد الشعرِ عندي صفاتُ = فاعلاتٌ مستفعلنٌ فاعلاتُ 3- بحر البسيط : إن البسيطَ لديهِ يُبْسَطُ الأمل = مستفعلنٌ فاعلنٌ مستفعلٌ فعل بحر الوافر : بحور الشعر وافرها جميلٌ = مفاعلتنٌ مفاعلتنٌ فعولُ4- 5- بحر الكامل :كَمُلَ الجمالُ من البحورِ الكاملُ = متفاعلنٌ متفاعلنٌ متفاعلُ 6- بحر الهزج : على الأهزاجِ تسهيلُ = مفاعيلنٌ مفاعيلُ 7- بحر الرجز : في أبحرِ الأرجازِ بحرٌ يسهل = مستفعلنٌ مستفعلنٌ فاعلُ 8- بحر الرَّمَل : رملُ الأبحُرِ يرويهِ الثِّقات = فاعلاتتن فاعلاتنٌ فاعلات 9- بحر السريع : بحرٌ سريعٌ ما لهُ ساحل = مستفعلنٌ فاعلنٌ فاعل 10 بحر المنسرح : منسرحٌ فيهِ يُضربُ المثل = مستفعلنٌ مفعولاتٌ مفتعل 11- بحر الخفيف : يا خفيفًا خَفَّتْ بهِ الحركاتُ = فاعلاتن مستفعِلن فاعلاتُ 12- بحر المضارع : تُعَدُّ المُضارِعات = مفاعلين فاعِ لات 13- بحر المقتضب : اقتضبْ كما سألوا= مُفْعَلاتٌ مفتعل 14- بحر المجتثّ : إنْ جُثَّتِ الحركاتُ = مستفعِ لن فاعلات 15- بحر المقارب : عن المقارب قال الخليل = فعولن فعولن فعلولن فعل 16- بحر المحدث : حركات المحدثِ تنتقل = فعلن فعلن فعلن فعل وقد وقف رواد شعر قصيدة الكلاسيكية والصور الموسيقية فيها موقفا يبين رغبتهم في تطويرها مع الواقع الجديد الذي نعاصره مع قصائد الشعر الحر ونغمته في هذا العهد ، فإذا كان الشاعر أبو نواس قد تزعم هذا التجديد وأحدث أثرا عميقا في صورة القصيدة الموسيقية ، ثم جاءت ألحان الموشحات الأندلسية لتضيف تجديدات أوسع لنغمة تلك الموسيقا في القصيدة ، ثم جنح الشعر في نهاية العقد الخامس لكثير من التحلل من الوزن القديم ، والاتجاه للتفعيلة وتنوع القوافي في النص الواحد إلى درجة أن استغنى بعض الشعراء عن القافية نهائيا في بعض النماذج الشعرية بالإيقاع الداخلي لشعرهم الحر كما أطلق عليه النقاد ذلك الاسم ( قصيدة شعر النثر ) فقد اعتمد هؤلاء الشعراء الجدد على التفعيلة الخليلية دون الخضوع للشكل الموروث من الشعر العربي الأصيل. والحقيقة أن هذا التطلع للحضارة الواقعية لتطوير النص الشعري لقي بغزارة إنتاج أصحابه رؤية توافقية مع النقاد المحدثين في الوطن العربي وخارجه فقاموا بوضع الأسس والقواعد لاستمراريته ضاربين النماذج العديدة لنجاحات بعض محبيه في إبداعاتهم في القصيدة النثرية وهنا برز لهم ديوان في الشعر الحر الجديد للشاعرة ( نازك الملائكة ) تحت عنوان : شظايا ورماد عام 1949م تقول نازك الملائكة في مقدمة ديوانها :شظايا ورماد : ( ألم تصدأْ الموسيقا القديمة لطول ملامستها الأقلام والشفاه منذ سنين وسنين ؟!! ألم تزلفها أسماعنا وترددها شفاهنا وتلعكها أقلامنا حتى مجَّتها .............؟! لقد ساءت الحياة وتقلبت عليها الصور والألوان والأحاسيس ، ومع ذلك ظل شعرنا يسير مع ( قفا نبكِ .... ، وبانت سعاد ........... ومدعشر في القحطلين ..) والأوزان هي هي ، والقوافي هي هي ، والمعاني كادت تصبح كذلك !! فرأت الحركة النقدية استجابة لحتمية روح التطور الزاحف أن تنتقل القوالب الشعرية والأغراض إلى مرحلة الالتحام مع قضايا المجتمع العربي الحديث السياسية والاجتماعية والفكرية ، وغيرها ) وقد لخصت الأديبة ( نازك الملائكة ) عوامل انبثاق فكرة تطور الموسيقا التصويرية لقصيدة النثر الحر الجديد في كتاب وضعته تحت اسم ( قضايا الشعر المعاصر ) ذلك كله فقالت ( مع التصرف المختصر ) هناك أربعة عناصر نبعت منها فكرة الشعر الحر وقصيدة النثر الشعرية فبرزت موسيقاها وهي: 1- لجوء الفرد المعاصر ( أديبا أو متذوقا أو مستمعا ) للحقيقة المجتمعية الواقعية الصارمة بعيدا عن الأجواء الرومانتكية متجها إلى جعل غاية الأدب هي جودة التعبير لا الجمال الشكلي والتزويق الموسيقي في الصور والكلمات 2- وضعَ كل شاعرٍ حديث خطةً لإثبات منهجه الفردي في التعبير عن قضايا أمته المعاصرة 3- الاستجابة لميل العصر للخروج عن الأفكار النموذجية المنسقة بشكل تقليدي ممجوج 4- تحكيم المضمون في الشكل كرد فِعلٍ للماضي الذي غلبت فيه القوالب الشكلية والصنعة اللفظية على الاهتمام بالجوهر والمضمون والواقع أن تطور النص الشعري الحديث ( حرًّا أو كلاسيكيا أو رومانسيا ) بمختلف فنون الشعر ومدارسه المتعددة يحتاج إلى إعادة البحث عن كيف دعا نقاد هذا اللون من الشعر المعاصر إلى تطوير النظرة إلى القصيدة العربية بوجه عام: ولقد تابعت بالبحث والدراسة منذ كنت أدرس بالجامعة في هذا الفرع من التخصص على يد أساتذة فضلاء رحمهم الله بما علمونا إياه في طرق البحث ومراجعه ، واستنتاج ما نهدف إليه فوقفت على أنَّ أهم الأسباب الداعية لتغيير الفن العَروضي لموسيقا الشعر والتجارب الشعرية الناجحة في جميع المدارس هي الحركات الوطنية التحررية التي تتطلب خطابا شعريا جماهيريا للوقوف مع القضايا المصيرية الوطنية لكل قطر من أقطار الوطن العربي يقول الناقد : د.محمد النويهي: ( إن ذوق الإنسان يرتبط بمدى نضجه ورُقِيِّه الثقافي ؛ فالبدائي والطفل يعجبهما النمط الحاد الصارخ من الألوان والأصوات في الغالب فإذا نضج وارتقت ثقافته وتهذب حسُّه صار أمْيَل َ إلى الخافت الهاديء ) ويقول الدكتور محمد عصفور: في كتابه المترجم ( مفاهيم نقدية) ( إن حالة النقد في الوقت الحاضر بالنسبة لمؤرخ الماضي البعيد تحير المتابع لكتاباته ، فاختيارنا لكبار النقاد يصبح أكثر إثارة للجدل وازدياد التنافر بين الأصوات المؤيدة والمعارضة للشعر الحر الحديث وموسيقاه، وتنامي التصارع بين الآراء مما يجعل الصورة للنص تتذبذب أمام المتلقي المعاصر بشأن القضية ) ويقول الدكتور طارق نعمان / في كتابه ( اللفظ والمعنى ): ( من الناحية العلمية يحث عبد القاهر الجرجاني المتلقي على ضرورة الكيفيات المختلفة التي يساق فيها الأسلوب الشعري أو النثري وفقا لدلالة الألفاظ وحضور المعاني إلى ذهن المتلقي ، حتى إذا وازنت بين كلام وكلام دريت كيف تتصرف وتصنع فالكيفية التي يتحقق بها كل من الإيجاز أو زيادة المعنى بدون زيادة اللفظ أو الموسيقا العروضية ، فإن النظم الجيد يوفرها للمتلقي المثقف الفاهم لدلالات المعاني وسياق الأسلوب اللفظي تقديما وتأخيرا ، نحو : تأملك وتدبر القاريء للآية القرآنية، الأنعام ( وجعلوا لله شركاءَ الجنّ )الآية 100 من ؛توصلك إلى شرف ما حصل من المعنى بتقديم لله على شركاءَ فهو ينبهك للكثير من المعاني الدالة على عظم شأن النظم الجيد الذي يلقى بظلاله البعيدة عن مضمون القضايا المتحدث فيها ) وطنية كانت أو غير وطنية ( لتجد أن الشكل الموسيقي الجديد في الشعر الحر منذ بدأ المثقفون والأدباء يفكرون في التغيير الثوري للأوضاع الاجتماعية الفاسدة في الوطن العربي منذ ثورة 1952 م وقبلها قد ازداد انطلاقا نحو المضمون ورمزية النص مع الشكل المميز مقلِّصا دور الشكل التقليدي القديم ) وللدكتور لويس عوض رأي في أن ظهور هذا اللون من تطور موسيقا الشعر الحر ( يعود إلى اطلاع العرب على آداب أوربية متعددة وبخاصة الأدبين الإنجليزي والفرنسي والتعمق في دراستهما ونشاط حركة الترجمة لأشعار شكسبير وبيرون وإليوت وغيرهم ) ويرى الدكتور / غنيمي هلال أن هذه الحركة ( جاءت صدى لما تمخض عنه المذهب الرمزي والتخلص من سلطان القافية المقيدة لانطلاقات الإبداع الشعري والتجديد في مضامين الشعر الجديد مما كان نتيجة طبيعية استلزمتها احتياجات وثقافة وظروف المجتمع العربي المعاصر) ، وهذا شيءٌ إيجابي مقبول وإذا كانت الشاعرة نازك الملائكة تعتبر أسلوب الموسيقا التفعيلي الجديد ليس خروجا على طريقة الخليل بن أحمد كليةً بل هو تعديل لتطور المعاني نظرا لاختلاف العصور فإنني أرى أن البعد كبير بين أن يكون وزن القصيدة الخليلية من بحر الكامل مثلا متفاعلن مكررة ست مرات في البيت القديم ، ثم نتلاعبُ بها في أسطر بدون قافية بالتفعيلة كما جاء في قصيدتها: ( جدران وظلال) كفايَ ترتعشان أين سكينتي؟ّ شفتاي تصطخبان أين هدوئي؟ وهناك في الأعماقِ شيءٌ جامدٌ حجزتْ بلادتهُ المساء عن النهار شيءٌ رهيبٌ باردٌ خلفَ الستار يدعَى جِدار أوَّاهُ لو هُدمَ الجدار. إن هذه الموسيقا في الواقع هي ثورة تحررية من عبودية الشطرين والقافية تتناسب مع ما يدفع بموهبة الشاعر لمعالجة مستجدات العصر الحديث وكلُّ هذا لا ينفي وجود العديد من قصائد الشعر التقليدي التفعيلي والمسايرة لقضايا العصر الحديث ================ والله تعالى أعلم المصادر في البحث : 1- ديوان شظايا ورماد لنازك الملائكة 2- قضايا الشعر المعاصر للأديبة نازك الملائكة 3- في الأدب المقارن للدكتور غنيمي هلال 4- اللفظ والمعنى للدكتور طارق النعمان 5- مفاهيم نقدية ترجمة الدكتور محمد عصفور / مؤلفه رينيه ويليك الفرنسي / الكويت شباط فبراير1978م 6- إضافات واختصارات بمعرفتي من دراستي وأبحاثي المتواضعة تعقيب على المنشور السابق : وردتني مساهمة من أديبة في أحد المنتديات التي نشرت فيها البحث: تسألني توضيح رأيي في قضية موسيقا القصيدة النثرية من الشعر الحر ، بعد أن اقتبست سطورا في نهاية البحث ذكرت فيها رؤيتي المتواضعة بالنسبة لما كتبته الشاعرة نازك الملائكة . وأحب أن أضيف تعقيبي الذي رددت به عليها لتوضيح رؤيتي المكملة لبحث جوانب قضية التفيعلة في قصيدتها المذكور جزء منها في البحث ، مستمدة من كتاب الشاعرة ( قضايا الشعر المعاصر ): قلت في تعقيبي : رغم أني لا أحسب نفسي شاعرا وإن كان لي بعض المحاولات في فنون الشعر التي ينقصها الموهبة فإنني أرى أن الأصل في الأدب العربي هو الشعر المحافظ ، التقليدي بالوزن والقافية الذي كانت تقام له أسواق عكاظ وغيرها لتمايز شاعر عن آخر بواسطة العظماء من كبار الشعراء والنقاد في العصور التي كانت تُقَيِّمُ الشعر وتُقَوِّمُه ( تعطيه درجة من الجودة ، وتوجه وتصلح ما فيه من خروج عن المتميز منه وإن سبقه في الموسيقا ما يطلق عليه حداء الإبل المنسق بالسليقة العربية عند أهل البادية العرب والحياة تتطور فيتطور الأدب على غرارها ولذلك برزت الكلاسيكية ثم الرومانسية ثم الشعر الحديث الحر وظلت أنواع الفن الشعري متلازمة ومتعايشه في منافسة نحو الإجادة وملاحقة التطور حتى أن معظم الشعراء ينظمون قصائدهم في أشكال القصيدة المتعددة حسب أنواع المدارس بمهاراتهم الإبداعية المشهودة لهم لكن أصحاب مدرسة الشعر الحر ( شعر القصيدة النثرية ) كانوا ينحون نحو الرمزية المغرقة في قصائدهم وهم يلمِّحون إلى أنهم أصحابُ مواجهة تطور الحركات التحررية وقضايا العصر المختلفة بغزارة إنتاجهم الذي قد يراه البعض غير ملتزم بقواعد الموسيقا العروضية لبحور الشعر وكثير منهم يتفق عليهم هذا الوصف ولكني في آخر سطر ذكرت إقتراب وجهة نظري أكثر تأييدا أنَّ تواجد أصحاب الشعر الخليلي هو الأفضل مع عدم التغافل عن اتجاه نازك الملائكة وأمثالها من أصحاب الشعر الحر في المساهمة في هذا التطور وربما كانت الرمزية لإخفاء جوانب سياسية أو غيرها وهذا عن دراسة تخصصية ومتابعة لتاريخ الأدب العربي خلال العصور المختلفة والله أعلى وأعلم وقرأت الأستاذة السائلة توضيح التعقيب وردت بالتالي السلام عليكم ودام فضلك أستاذي محمد فهمي يطابق تماما رأيك الجليل رأيي وأنت الأوسع اطلاعا يرغب الإنسان في التطوير والتحديث والتجديد المدارسُ الحديثةُ نتاجا(نتاجٌ) ألزمته الحاجة للتحرر من تفاعيل وقوافي أعيت شعراء الحداثة الرمزية والغموض تعويضا أو تغييرا في النظم لتقدم الأفكار بأساليب جديدة تميز التفعيلي بالموسيقى والصورة الحرة الخيالية فقد اتخذ الرمز صورة مجازية خيالية غير مطابقة بقدر ما يمكن إسقاطها على صورة أو حدث كلاهما أثبت وجوده وله شعراءه شكرا لتواصلك البناء والمعطاء خدمات رابطة محبي اللغة العربية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )