الحلقة الثانية من ( وقفة مع الرؤية في حديث شريف)

الكلمة السادسة من الحديث الشريف السايق في المساهمة الماضية هي :........................................................ ( بِيَدِهِ )يعني إن توقف تغييره للمنكر على اليد ذات الأصابع الخمسة المعروفة ، دَفَعَ به إيهام أنه لو أمكنه إزالته بالمباشرة ، وإزالته بالقول إنه تجبُ إزالته بالمباشرة ، ولا يكفي إزالته بالقول كصياحٍ واستغاثةٍ وهذا لا يسوغ المصير إليه لأن المقصود من الأمر إنما هو إزالته بأي طريق كان فلزوم تقديم الإزالة باليد لا معنى له كما صرح به المناوي لكاتبه ؛ كَكَسْرٍ أواني الخمر وآلات اللهو بشرطه الآتي وكمنعِ الظلم من نحو ضرْبٍ مثلا .... ( فإن لم يستطع ) الإنكار بيده بأن خشِيَ إلحاق ضرر ببَدَنِه أوأخذ مال له ، وليس من عدم الاستطاعة مجرد الهيبة وعلى ذلك حمل خبر الترمزي وغيره ألا يمنَعَنَّ رجلا هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه وسيأتي لذلك المزيد ........ ( فبلسانه ) أي بقوله المُرتجى نفعه من نحو صياحٍ واستغاثة وأمر يفعل ذلك وتوبيخ وتذكير بالله وأليم عقابه مع لينٍ أو إغلاظ بحسب ما يكون أنفع وقد يبلغ بالرفق واللين والسياسة ما لا يبلغ بالسيف والرئاسة ، وقد روي أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من شرب الخمر بالشام فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتبَ له :( حَم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير .) فتركَ الرجل الخمر وتاب عنها ..... وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم رأى في النار قوما يدورون كما تدور الرَّحَا ، فسأل جبريل عنهم ؛فقال : كانوا يأمرون بالمعروف ولا يفعلونه ، وينهون عن المنكر ويفعلونه )...... ( وذلك أضعف الإيمان ) أي الإنكار بالقلب للعجز عن غيره ، قيل فيه إشكال لأنه يدل على ذم فاعله ، وأيضا فقد يعظم إيمان الشخص وهو لا يستطيع التغيير بيده ، فلا يلزم من العجز عن التغيير باليد ضعف الإيمان ، وأجاب الشيخ عزّ بن عبد السلام بأن الإيمان هنا الإيمان المجازي الذي هو الأعمال ، ولا شك أن التقرب بالكراهة ليس كالتقرب بالإنكار فيه ، ولم يذكر صلى الله عليه وسلم ذلك في معرض الذم وإنما ذكره ليُعْلِم المكلف حقارة ما حصل له في هذا القسم فيعرض إلى غيره وأشار إلى الجواب عنه بأنه على حذف مضاف تقديره أضعف خصال الإيمان فالمراد به الإسلام أو تقديره أضعف آثار الإيمان ومقتضياته وثمراته في النفع فهو باق على حقيقته من التصديق ثم إطلاق الإيمان على الأعمال أو على الإسلام مجاز مرسل على طريق إطلاق اسم السبب على المسبب فإن الإيمان سبب للامتثال بالشرائع المأمور بها ، وليس وراء الإيمان حبة خردل ، ومنه يستفاد أن عدم إنكار القلب للمسلم دليل على ذهاب الإيمان منه ، ومن ثم قال ابن مسعود : هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر ، وإذا كثر الخبث عَمَّ العقاب الصالح والطالح ، وإذا لم يأخذوا على أيدي الظالم يوشك أن يعمهم الله بعقابه ؛ أي كما قال صلى الله عليه وسلم :( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم العقاب قبل أن يموتوا .... وفي أخرى ( إلا عمهم الله بعقاب .) فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ... ============================ وقد نبه الفقهاء في علم الحديث أن هذا الحديث يصلح أن يكون ثلث الإسلام ؛ لأن الأحكام السِّتَة في منهج الحديث الشريف :هي ؛ ** الواجب ــ ** المندوب _ ** المباح _ خلاف الأولى _ ** المكروه _ ** الحرام ........ والمستفاد منه حُكْمُ الأول وهو الواجب أي يجب الأمر به ، والأخير وهو أنه يجب النهي عنه ...... والله تعالى أعلى وأعلم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )