لغة المسرح بين الفصحى والعامية / اللغة العربية

د.أحمد الحوفي أستاذ الدراسات الأدبية، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، توفي عام 1983م رحم الله أستاذي الفاضل الدكتور أحمد الحوفي ، الذي علمني من الأدب العربية وفنونه المتنوعة بكلية دار العلوم ( فن المسرح ) وكيف نشأ وكيف تطور ، وما هي لغته المعروفة ، وكيف أقارن بين لغتها وما ينبغي أن تكون لخدمة اللغة العربية الفصحى لغة هويتنا القومية والعربية والدينية . وهذا الموضوع من ذكريات محاضرته في هذا الشأن في عام 1965 بتاريخ أول يناير بالسنة النهائية من دراستي بالصف الرابع حيث تخرجت وأنا فخور أن أكون من بين تلامذته الطلاب ،الذين أحبوه وتعلموا منه فاستفادوا وأفادوا تلاميذهم من ذخيرة علمه الأكاديمي المنهجي النافع . ================================== لاشك في أنَّ التعبير باللغة الفصحى من أول ما يجب أن يلتزمه الأديب ؛ لأنها لغة البيان ولغة الثقافة ، ورمز القومية لأنها تمتاز بالغنى والمرونة والدِّقّةِ في قواعدها ، النحوية والصرفية ، والبلاغية . ... وهي بتاريخها الطويل العريض حملت من ثقافات الأمم ، ومن خصائص القوة ما يجعلها جديرةً بالبقاءِ ........
ويلقي على طلابه سؤالا فيقول : هل عرفت اللغة المسرحية في أدبها القديم أو الحديث ؟ ثم يجيب عن سؤاله لطلابه موضحا بقوله : إنه ليس لدينا ما يثبت أن العرب عالجوا هذا الضَّرب من الأدب ؛ فنشأةُ المسرحية ترجع إلى نحو 70 سبعين عاما أو 80 ثمانين عاما ؛ حينما أراد إسماعيل باشا أن مصر قطعة من أوروبا ، كما زعم ، ومعنى هذا أن المسرحية لون من ألوان الأدب الدّخِيلَةِ على أدبنا العربي ...................... ثم يشير إلى علماء الأدب العربي المتخصصين في هذا المجال انقسموا إلى رأيين بالنسبة للغة المسرحية ؛ ، وهذا ما يبدو لي من البحث والدراسة والتنقيب ................. الرأي الأول : ========== أن تكون المسرحية باللغة الشعبية لأنها في نظر أصحاب هذا الرأي نشأتْ في الغرب هذه النشأةِ ؛ فكانت بلغة الشعب الدائرة بين الناس مع العناية بسمو الأسلوب أحيانا ، وأنها تصور الحياة الواقعية بين الناس ، فيجب أن تكون باللغة الدارجة ، بين الناس فإذا كان هذا من أهداف المسرحية أي عرض محادثة مستخلصةٍ من حب الحياة ، فيجب على الكاتب أن ينطق الأشخاص بلغتهم التي تمثل شخصياتهم ، وأفكارهم ................ ويستدلون أيضا بأنّ المسرحيات الإنجليزية لا تخلو من عبارات لا يستعملها الأدباء في كتبهم الأدبية ، أو قصصهم غير المسرحية ومن هنا يدعو أصحاب هذا الرأي إلىأن تكتب مسرحياتنا بالعامية الدارجة الشعبية .. الرأي الثاني : ========== أن تكون لغة المسرحية هي الفصحى ، ولا نعني هنا بالفصحى أن تكون لغة متعمقةً فيها غريب الألفاظ وفيها تصعيب على الجمهور فهمها ؛ وإنما نعني أن تكون سليمة جارية على قواعد اللغة العربية وأصولها بحيث يفهمها سامعها سواء أكان مثقفا أن غير مثقفٍ ؛ وأما الإدعاءُ بأن لغة المسرح يجب أن تمثل الواقع كما هو فإنه ادِّعَاءٌ باطل !! لأن القصة المسرحية تعبر عنأفكار الشخصيات وعواطفها بلغة غير لغتها التي تستخدمها في حياتها اليومية ، ثم إن الرغبة في أن تكون لغة المسرح هي لغة الحياة اليومية العادية ليكون صورة من الواقع رغبة غير صحيحة لأن المسرح لا يصور الواقع تماما ...... فهناك أعمال كثيرة لا تحدث على المسرح مع أنها تحدث في الحياة اليومية ، وتحدث الشخصيات في المسرح نفسها ، ومع هذا فإن التعبير عن أفكار الشخصيات بلغة أرقى من لغتها اليومية ليس فيه شيء من التزييف للحقيقة لأن هذه اللغة هي التي تترجم عن أفكارهم وأحوالهم وخصوصا أن المهم في التصوير الحياة بالنسبة إلى هؤلاء هو أفكارهم لا ألفاظهم نفسها ، ومن هنا يُعابُ على مؤلفالمسرحية أن ينطِقَ الخادمُ بالفلسفة أو ينطق الطفل بالحكمة ...... ثم نسألُ سؤالا آخر على ضوء هذا ؛ هو إذا كانت لغة المسرح يجب أن تلتزم الواقع تماما ، فلماذا لا نجعلها خليطا من العربية والإنجليزية والإيطالية أو غيرها ؟؟! خصوصا إذا كانت المسرحية تدور أحداثها حول أشخاص عرب وأنجليز وطليان أو غيرهم ، ونحن نعلم أن الأدب ليس تصويرا للواقع حتى في اللغة ، وإنما هو يصور الواقع في جوهره ، وليس في ظاهره على المسرح فقط ، وما اللغة إلا زِيٌّ من الأزياء يتغير ويتبدل بحيث لا يُخفي معالم الشخصية على المسرح ، ولدينا القرآن الكريم حافل بالأقوال التي ذكرها الحق عن النصارى واليهود وغيرهم من الأمم والأفراد ولككن ذكرها بأسلوبه الخاص البياني العربي المعجز .؟ =================== ثم يلخص المرحوم الدكتور أحمد الحوفي القول : إنني من الدُعاةِ إلى استخدام الفصحى السهلة البسيطة بلا تقعر وغموض في لغة المسرح لأرتقي بالعامية إلى المستوى الذي ينبغي أن ترقى إليه ، أما الإصرار على استخدام اللغة العامية فإنه تحجرٌ بالعامية أو هبوط بها إلى مستواها اللغوي الأدنى في الأدب العربي وهذا لاينبغي من أديب يؤلف للمسرحيات أبدا . ====================== وأنا كعربي مسلم ولغتي ديني وهويتي أؤيد رأي أستاذي رحمه الله ، فاللغة ما هي إلا وسيلة اتصال ترقى ببيانها الأصيل وترفع معها لغتها الدارجة بين جماهير الشعب المثقفة وغير المثقفة =============== والله تعالى أعلم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية