كتبت من قبل عدة مقالات عن ألوان البديع في الأدب العربي والذي يعتبره أهل
اللغة فرعا من فروع البلاغة العربية يهتم بالزخرفة اللفظية ، وجمال الشكل
الإبداعي للنص الأدبي ،
وذلك في مجلة مواجهات بلا حدود التابعة لملتقى الأدباء والمبدعين العرب ، وذلك
نقلا من مدونتي الأدبية ( غذاء الفكر وبقاء الذكر )
واليوم ودون أن نعيد تلك الأسماء التي عرفها النقاد والعلماء من سجع أو جناس
أو طباق أو تورية أو اذدواج....إلخ فمن أراد أن يقرأ عن هذه الألوان فعليه
تصفح تلك المقالات في أمكانها التي أشرت إليها .
وإنما أردت أن أبحث هنا في عصر التأليف البديعي ،
ومن قاموا بذلك من علماء اللغة القدامى ، ومناهجهم التي اتبعوها في التأليف لفن
البديع العربي في الأدب
وأبدأ بالعالم اللغوي المعروف باسم
1- ( ثعلب) عام 291هجري
الذي ألف كتابا احتوى كثيرا من فنون البديع قبل ابن المعتز ، الذي وضع قواعد
لتأليف الشعر
لأنها تسبق تأليف البديع وكان المؤلفان في زمان واحد ، وتقدم ابن المعتز في
إطلاق اسم فنون البديع على هذا الفرع من البلاغة
وجاءت تعريفات ثعلب لغوية تختلف عن التعريفات الاصطلاحية ، وما عرَّفه من
ألوان البديع سبقه به غيره ،ولكن جديده الذي ينسب إليه لون ( الإيغال) وعرفه
بالترصيع ووضعه تحت اسم الأبيات الموضحة ، والإفراط في الصفة تحت اسم
الإفراط والإغراق الذي ذكره ابن المعتز تحت اسم المبالغة ، كما جدد ثعلب لون
ائتلاف القافية.
ويمكن تلخيص مؤلفه في أنه جمع أكثر ألأوان البديع وجعلها نعوتا للشعر ولم
يسمها بديعا.
2- ابن المعتز : 296هجرية ،
هو أول منْ رسم منهج البلاغة العربية ووسائل تحسين الأسلوب الأدبي ، ورغم
أنه سُبِقَ بثلاثة عشر نوعا من ثمانية عشر تكلم عنها ابن المعتز في مؤلفه من
ألوان البديع .
3- قدامة بن جعفر 203 هجرية ،
كانت نظريته الجديدة تعنى بائتلاف اللفظ والمعنى والقافية تعنى بالانسجام في
النص وكان يفضل الغلو فيها ، وله الفضل في إبراز نظرية تلاؤم المعنى مع
مقتضى الحال ، ومزج في كلام مختصر بين النقد والبلاغة ، كما تكلم عن تسعة
عشر لونا بديعيا توارد فيه مع ابن المعتز على سبعة ألوان منها وخالفه في معظم
أسمائها فالتتميم عنده هو الاعتراض عند ابن المعتز ، وقدم قدامةُأمثلة على
الأرداف هي نفس أمثلة ابن المعتز على الكناية ، ولكنه سبق لهذا النوع المسمى
برد الصدور على الأرداف ولو خالفه في الأمثلة لخلص هذا اللون له ونسب إليه
اسما ومسمى.
ويغلب على قدامة التفريع وكثرة الأمثلة ، وقد سبقه الجاحظ في كثير من ألوانه
البديعية ، مثل صحة التقسيم والترصيع والمساواة والتمثيل وائتلاف القافية التي
فرَّع منها قدامة بن جعفر التوشيح ، وإن سبقه المبرد في الإشارة إليه باسم (
الإيماء) كما سبقه علماء العروض في التصريع
وخلص لقدامة صحة المقابلات وصحة التفسير والإيغال ، وتكلم عن الاستعارة
والمجانس والمطابق وجعلهما في باب ائتلاف اللفظ والمعنى .
ولم يسم الألوان باسم البديع بل عرفها بنقد الشعر وهي نعوت وأوصاف وهو أول
من نبه لتقسيم الألوان إلى لفظية ومعنوية ولم بفضل أحدهما على الآخر كما فعل
الجاحظ الذي فضل اللفظ , ولم يذكر ابن المعتز ولا اسم البديع ولعل للسياسة دخلا
في ذلك فقد كان قدامة من أعداء ابن المعتز
4- عبد العزيز الجرجاني 366هجرية :
لم يتكلم عن الألوان كمحسنات للكلام فوافق نظره ابن المعتز ، وتكلم عن
الاستعارة والتشبيه والتجنيس والمطابقة والتصحيف والتقسيم ولم يعرِّفه
والاستسهالوالتخلص والخاتمة ؛ وكلها أنواع سُبِقَ إليها وليس من جديده فيها إلا
بعض التقسيمات والتفريعات أو تغيير الأسماء ولم يفرد لها بابا خاصا .
5- أبوهلال العسكري397 هجرية :
تأثر أبو هلال بالجاحظ فكان يخلط بين النقد والبلاغة ويكثر من الشواهد ويقلل
من القواعد وكلمة بديع عنده تحددت نوعا ما ، فجعل مباحث البلاغة ( البيان
والمعاني والبديع) وقد اتخذ صفة هذا التقسيم لأول مرة .
وقد أخرج أنواعا عدها من سبقه من البديع كالإيجاز والمساواة ، وجعل التشبيه
بذرة لعلم البيان
وقال عن الاستعارة إنها من البديع ، وتكلم عن السجع والاذدواج وعد من البديع
حسن الابتداء والمقاطع الشعرية وورث للعلماء ثلاثين لونا من الألوان جدد سبعة
منها هي : المجاورة ، والمضاعفة ، والتطريز، والمشتق وتلك قد خلصت له اسما
ومسمى ، والتلطف متأثرا بقدامة ، والتشطير وهو ليس ببعيد عن مزدوج الكلام
عند الجاحظ ، والاستشهاد ، والاحتجاج وهو لا يخرج عن التشبيه في البيان
البلاغي
وقال إنه لم يُرد بتقسيم البديع تمزيقه بل أثره في تطور البلاغة العربية لأنه يجمع
المتشابه تحت باب واحد ويفرد للمختلف أبوابا خاصة ، وقد تأثر بابن المعتز
وقدامة بن جعفر في حشد الأمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
والشعر والنثر من كلام أدباء العرب
وعرَّف الإبداع أو البديع بأنه إتيان الشاعر بالمعنى المستظرف ، ويفرق بين
الاختراع والإبداع فالأول ( الاختراع) هو صفة للمعنى ، والثاني ( الإبداع) هو
صفة للفظ.
6- ابن سنان الخفاجي 400هجرية :
هو امتداد لقدامة بن جعفر في نظريته حيث تأثر به وأورد الألوان وقسمها إلى
لفظية ومعنوية ، وجعل البديع ينزع إلى الحسن الذاتي وعلى هذه الطريقة تكلم
عن الألوان مثل المناسبة بين الألفاظ وقسمها إلى قسمين بين اللفظ واللفظ من
جهة المعنى ، وبين اللفظين من طريق الصنعة ، وعرض لتحديد السجع
والاذدواج وحكمه وأثره وهو من جديده ، وخالف أبا هلال العسكري في التصريع
والجناس ، وكان مسبوقا في معظم ما تكلم عنه من العلماء ، ومن جديده أيضا ؛
الاستدلال بالتعليل ، بمثال :( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )
كما جعل البديع شاملا لألوان البلاغة الثلاثة ولم يتكلم عنه باسم البديع ، وتناول
فصاحة اللفظ الواجبة واشترط لها شروطا ثم أخذ يذكر صفات الفصاحة في الألفاظ
المؤلفة ومنهجه في تقسيم الأوصاف امتداد لقدامة بن جعفر.
7- عبد القاهر الجرجاني :
كان يقصد بالبديع ؛ الجديد والحسن والطريف والحُسن عنده ليس من جهة المعنى
ولم يزد عمن سبقه في الألوان بل يذكر كل ما جاءوا به ، ولكن دراسته الخاصة
جعلت فهمه للبلاغة يخالف فهمهم وبديعهم والتحسين البديعي عنده ذاتي لا
عرضي .
وتكلم عن التجنيس والسجع والحشو المقيد وغير المفيد وكذلك الاستعارة والمجاز
وتقسيماته والتشبيه والتمثيل وفرق بينهما فالأول أعم وحسن التعليل وكل هذا في
كتابه أسرار البلاغة
واتجه في بحثه لتلك الألوان أحسن اتجاه وأعوده على البديع بأحسن النتائج ،
ويطلق عليها حُلِيّ الشعر ، والبديع عنده عام يشمل البيان والبديع معا
وللحديث بقية
تعليقات