بحث في ( حَيْثُ )



بحث في حيث :
*************

لفظة ( حيثُ) في علم النحو ، تدخل ضمن باب الظروف المبنية
ودلالتها في الظرفية ( المكانية ) الملازمة للبناء على الضم كثيرا ، وتضاف حيث للجمل شريطة أن تلحقها ( ما الزائدة ) في آخرها
عند إضافتها للجمل ، وهذا يجعلها مع (إذ) الظرفية المحضة ، قال بذلك عبد الله المبرد
في كتابه ( المقتضب) الجزء الثاني ص 54
ويلاحظ أن إضافة ( حيث ) للجمل الفعلية أكثر من إضافتها للجمل الإسمية
نحو : قول الشاعر:
للفتى عقلٌ يعيش به = حيث تهدي ساقه قدمه
بمعنى : حين تهدي ...
وقول الآخر :
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه = ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل
وقال النحاة في حيث : ( إنها لاتستعمل في الغالب إلا ظرفا ، وندر جرها بالباء ) مثل:
( تلاقينا بحيث صافح أحدنا الآخر ) ، وندر أيضا جرها ب(إلى ) مثل قول الشاعر:
إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم ) ، ( أصبحنا في حيث التقينا)
وذكر ابن مالك في ألفيته أن ذلك نادر .
ومما قاله ابن هشام في كتاب ( مغني اللبيب) عن حيث :
( الغالب كونها في محل نصب على الظرفية أو خفض بمن ، وقد تخفض بغيرها كقول الشاعر المذكور :إلى حيثُ ألقت )
ومن القليل إضافتها للمفرد وهو جائز ، والأصل في مدلولها أن تدل على المكانية ،ومن النادر الذي لايحسن القياس عليه أن تقع شيئا آخر كأن تأتي للزمان قليلا .أو غيره ، وليس بين الظروف المكانية التي تضاف للجمل ـ على الأرجح ـ غير حيث ،
وإذا أضيفت ( حيث ) إلى جملة اسمية وجب عند بعض النحاة ، واستحسنه البعض الآخر ألا يكون الخبر فيها جملة فعلية ، والأشهر بناؤها على الضم ) وذلك سواء كانت الجمل منفية أو مثبتة :
ومن الأمثلة قول الله تعالى لأهل الجنة : ( فكلوا منها حيث شئتم رغدا )
وقول الشاعر :
وقد يهلك من باب أمنه = وينجو بإذن الله من حيث يحذر
وقال بعض الأدباء:
هنا تطيب الحياة حيث الشمل ملتئم ، وفيض الود غامر ، وحيث الجمع مؤتلف ، وإخوان الصفاء كثير )
وهي في كل الأحوال مبنية على الضم لما تقرر عند النحاة من أن الاسم الذي يضاف للجملة وجوبا يبنى
ولا يجوز قطعها عن الإضافة لفظا .
كما أباح علماء اللغة من النحاة الأفاضل :إضافتها للمفرد مع بقائها مبنية على الضم ؛ مثل :
أنا مقيم حيث الهدوء وحيث الاطمئنان .
والحجة عندهم ؛ أن الأمثلة المسموعة الدالة على إضافتها للمفرد أمثلة فصيحة ، وأنها على قلتها كافية للقياس عليها
لأنها قلة نسبية ، وليست قلة ذاتية ؛ ومعنى القلة النسبية ( أنها قلة من الأساليب الصحيحة تواجه كثرة من الأساليب التي تخالفها في الحكم ، وكلا النوعين في ذاته كثير العدد يصح محاكاته والقياس عليه ، ولكن أحدهما أكثر عددا من الآخر ، فالآخر قليل بالنسبة للأكثر
فالموازنة العددية بينهما تدل على زيادة أحدهما ونقص الآخر عنه ن ولكنه نقص لايمنع من القياس عليه أو محاكاته ؛ وهذا هو المراد
من قولهم : إن التخريج على القليل إذا كان قياسا فصيحا ، فهو سائغ ) وهذا ما جاء في حاشية الصبان الجزء الثاني تحت باب الحال
عند تقدم الحال على صاحبها المجرور .
أما ( القلة الذاتية ) فقلة عددية أيضا ، ولكنها بارزة واضحة في ذاتها ن لا تحتاج إلى موازنة بينها وبين غيرها لضآلتها العددية ، بحيث
يمكن الحكم سريعا بعدم صلاحيتها للقياس عليها أو لمحاكاتها ، وهذا موضع خلاف بين النحاة ،
ومن الأمثلة المسموعة قول الشاعر :
أما ترى حيث سهيل طالعا = نجم يضيء كالشهاب لامعا
وقول الآخر:
ويطعنهم تحت الحُبا بعد ضربهم = ببيض المواضي حيث ليِّ العمائم
ويجيز بعض النحاة بناء على المسموع فتح همزة إن بعد حيث ؛ فتكون ( حيثُ) في هذه الحالة مضافة داخلة على المفرد
وهو ( المصدر المنسبك من أن مع معموليها ) كما يجيز كسر همزة ( إنَّ) فتكون داخلة على جملة هي ( المضاف إليه )
وأؤيد هذا الرأي المُيّسَّر الذي يستعمله كثير من المثقفين اليوم لأن فيه تطوير لاستخدماتنا اللغوية الشائعة والمعروفة
وإن كان الدكتور عباس حسن يقول :
( الأولى والأفضل محاكاة الأسلوب الأفصح والأقوى لغويا ) وهو السير على ما ذكره علماء النحو القدماء في حيث .

================================================== ==========

مصادر البحث :
1- كتاب( النحو الوافي ) للدكتور عباس حسن
2- ،، ( المقتضب ) للمبرد
3- ،، ( المغني ) لابن هشام
4- ،، (حاشية الصبان على شرح الأشمونى )
لألفية ابن مالك اسم المؤلف : محمد بن علي الصبان
5- ألفية ابن مالك
***********

بتصرف : الباحث محمد فهمي يوسف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )