صور الإيجاز في الكلام البلاغي العربي ( 2)

بَيَّنَّا في عرض صورة الإيجاز في الكلام سابقا أنه وضعُ المعاني الكثيرة في الفاظ أقل منها ؛ وهذه القِلَّة إما أن تكون بحذف كلمة أو جملة أو أكثر عند وجود ما يدل عليها من المحذوف من قرينة لفظية أو معنوية في الكلام ؛ ويسمى هذا النوع : ( إيجاز الحذفِ ) .......... وإما أن تكون بتضمين المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة بدون حذف ؛ ويسمى هذا النوع من الإيجاز ب ( إيجاز القِصَر ) ........ وفي التفصيل نقول : 1- إيجاز الحذفِ ، يقعُ بكثرةٍ في أساليب البلغاء من المتخصصين في اللغة العربية متى وُجِدَ ما يَدُلُّ على المحذوف وهو نوعان : أولا : حذفُ مفرد، ويكون فعلا نحو قوله سبحانه وتعالى : ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم .) .. والتقدير ولو ثبت أنهم صبروا ... وفي نحو قولنا في الترحيب : أهلاً وسهلاً ..... والتقدير : لقيت أهلا ، ونزلت سهلا ً .... وقد يكون فاعلا ؛ مثل قول حاتم الطائي : أَمَاوِيُّ ؛ ما يُغْني الثَّراءُ عن الفتى *** إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضضاقَ بها الصدرُ ....؛ يريد حشرجت اتلروح ... ويكون ( مفعولا ) وهو كثير نحو : هو يُعْطِي ويمنع ؛ تريد يعطي من بشاء ويمنع من يشاء .... ويكون ( مُضَافًا ) نحو قوله تعالى : ( واسأل القرية التي كنا فيها ، والعير التي أقبلنا عليها ) المراد هنا أهل القرية وأصحاب العير ..... وقوله سبحانه وتعالى : ( قالوا تالله تفتأُ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ) .. المراد لا تفتأ ؛ فحذفتْ (لا) النافية ............. ون هذا قول امريء القيس الشاعر : فقُلْتُ يمينُ الله أبرحُ قاعداً *** ولو قطَّعوا رأسي لديك وأوصالي .... يريد : لا أبرح ..........وقول قيس بن عاصم المنقري في الخمر :&&&فلا والله أشربها حياتي *** ولا أسقي بها أبدا نديما ... يريد لا أشربها .... ثانيا :- حذف جملة أو أكثر ؛ فمن حذف الجملة قوله تعالى :( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ، فويل للقاسية قلوبهم .) التقدير أفمن شرح الله صدره يشبه من قسا قلبه ... وقوله تعالى : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم .) والتقدير لعجَّلَ لكم العقوبة ، ومن حذف الجمل قوله تعالى :( في قصة سليمان عليع السلام ( اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم، ثم تولَّ عنهم فانظر ماذا يرجعون، قالت يا أهيها الملأ إني أُلْقِيَ إليَّ كتاب كريم .) التقدير فذهب الهدهد بالكتاب ، وألقاه إلى بلقيس ، فلما قرأته قالت : يا أيهل الملأ .... 2- إيجاز القصر : وهو كما علمتَ من قبل إيجاز لا يقدر فيه محذوف ، ويسمى ( إيجاز البلاغة) ، لأن الأقدار تتفاوت فيه . ومثاله من كتاب الله القرآن الكريم :( خذ العفو ، وأمر بالمعروف ، وأعرض عن الجاهلين ).. فقد جمع في هذه الآية الكريمة مكارم الأخلاق ، وما ينبغي أن يكون عليه الإنسان في معاملة الناس جميعا ، لتَتِمَّ له ولهم السعادة ، ... وقوله تعالى :( ألا له الخلق والأهر ) فقد اجتمع في هذه الكلمات الكمال والعظمة ، حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ك( مضنْ يبقى له بعد ذلك شيءٌ فليطلبه ) ..... وقوله تعالى :( ولكم في القصاص حياة .) فقد تضمنت الآية الكريمة أن القصاص هو سبب ابتعاد الناس عن القتل ، فهة الحافظ للحياة ..... ومن الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم :( الطمعُ فقرٌ ، واليأس غِنىً )........ومن الحكمة قول الحارث بن كلدة طبيب العرب : ( المَعِدَةُ بيتُ الدَّاء ، والِحمْيَة راسُ الدواء ، وَ عَوِّدُوا كلَّ جِسْمٍ ما اعتادَ )فقدجمعت الحكمة كلها في هذه الجمل الثلاث ..... ومن ذلك قول البلغاء نحو قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه ، :( من عرف عرفَ نفسه فقد عرَفَ قَدْرَه ، ومن فكر في العواقب لم يَشْجُع والناس أعداٌء لمِا جهلوا ، وآلة الرياسةِ سَعَة الصَّدر ، وثمرة التفريط الندَامَة ، ...... وسمع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأعراب يقول في دعائه :( اللهم هَبْ لي حَقَّكَ ، وأرْضِ عَنِّي خَلقَكَ .....)فقال : ( هذا هو البلاغة ) .... .)......ومن أمثلة الإيجاز في الشعر العربي قول السموءل بن عادياء الغَسَّاني :&&& إذا المرءُ لضمْ يَدْنَسْ من اللؤْمِ عِرضُهُ *** فَكُلُّ رِدَاءٍ يرتديهِ جميل ... وإن هو لم يَحْمِلْ على النفسِ ضَيْمَمها *** فليسَ إلى حُسْنِ الثناءِ سبيلُ.......فقد اشتمل البيت الثاني على مكارم الأخلاق : من ( سماحةٍ ، وشجاعةٍ ، وحِلْمٍ ، وصَبْرٍ ، وتَوَاضُعٍ ، واحتمال مَكَارِه في سبيل طلب الحمد ..... ومنه قول الشاعر أبي تمام : وَظَلَمْتَ نفسَكَ طالبا انْصافها *** فَعَجِبْتُ من مَظْلُومَةٍ لَمْ تُظْلَمِ ... يريد أنه كلف نفسه احتمال المشاق ، وأكرهها على الصبر في طلب المجد ، فكان كالظالم لنفسِه ، ولكنه في الحقيقة أنصفها ، إذ أكسَبَها بما تحملتْهُ الذكر الحسن ، والثناء الجميل ، فهو غير ظالم ... ============================================== ثم إنْ شاء الله نختتم صور المعاني بتفصيل ما ورد في البحث عن ( الإطناب في البلاغة العربية ) في المساهمة التالية ( اللهم زدناعلما وعلمنا ما جهلنا )

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البلاغة والمجاز

صـورة بــلاغية !!

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )