تستمر الذكريات مع الغربة

مرت بي عدة أيام في نهاية إبريل انتابتني نوبة من الكحة الشديدة آلمت صدري فذهبت إلى الطبيب مرتين وأخذت أتناول الدواء من شراب مهديء إلى أنواع من الأقراص المختلفة إلى جانب الحقن في العضل ولكن الكحة كانت مصممة على العبث بصدري فجف حلقي وأحسست بدنو أجلي في الغربة وزاد الطين بِلَّةً أن الأمر انقلب إلى دُوار وصداع كدق المسامير في رأسي حتى إني سقطت مرتين برأسي الثقيلة صباح يوم وأنا أرتدي ملابسي للخروج للعمل بالمدرسة التي أعمل بها، وخرجت مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم والدعاء والرجاء إلى الله أن يرعاني ويشفيني ويدبر أمري حتى بلغت المدرسة أصفر الوجه تبدو أعراض المرض على ملامحي والدنيا تدور بي دورانا شديدا ، ولم أستطع أن أشرح الدروس للتلاميذ وجلست على الكرسي في الفصل أمامهم وأنا أهمس لتلاميذي وهم يحملقون أعينهم نحوي في شرود كأنهم يرون أنني أموت وكان يوم الخميس ولم أكمل درس الحصة الأخيرة حيث أسندني اثنان من قيادة الفصل إلى مكتب ناظر المدرسة واستأذنت منه ، وكان قد كلفني رسميا صباح اليوم بوضع أسئلة اللغة العربية للدور الأول الدراسي للصف الثاني الإعدادي لنهاية العام وطلب من التلميذين أن يرافقاني حتى شقتي القريبة من المدرسة وخرجت من المدرسة معهما ، ولما أدخلاني عادا لمدرستهما ـ و يوم السبت ، حيث لم أستطع الخروج للمسجد لصلاة الجمعة مع الزملاء وقد حضر لعيادتي بعد الدراسة مساء الأساتذة علي الشربيني ،وعبد اللطيف ناصر ، وعلي الدين اسماعيل وجلسوا عندي يدعون لي ويخففوا عني ما أعانيه من الألم ، وأحضر لي مندوب البريد صباح الأحد رسالة خففت عني كثيرا ، وكانت الأخبار السيئة تتوالى لتزيد من الضيق والهم والحزن والألم فالإذاعة الليبية تبث أنباء مقلقة عن العلاقة بين مصر وليبيا وفي الشقة مع زملائي عدم ثقة وجلسة لحل مشاكل السكن ليدفع كل واحد مستحقات الإيجار والأشياء المشتركة بين الموجودين في الشقة المكتوبة باسمي ، والمرض يزداد يوما ويخف يوما آخر ، والشهية مفقودة للطعام بسبب استمرار الكحة والحالة النفسية ، وأنا في انتظار فرج الله عنا الغرباء لسوء المعاملة التي نلقاها هذه الفترة من التلاميذ والعاملين الليبيين معنا بالمدرسة ، وترد على خاطري ذكريات موت الزعيم جمال عبد الناصر التي حدثت في 28 سبتمبر عام 1970 قبل إعارتنا إلى أوباري في ليبيا بسنتين ، وقد بقي لنا عام رابع من سنوات الإعارة والأمر في شك من استمرار استكمال المدة المقررة لسوء العلاقة بين مصر وليبيا في تلك الفترة بعد موت عبد الناصر ومجيء السادات بعده .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )