الرغبة والواقع

اذا لم يكن ما تريد فارد ما تكون بقلم الدكتور : خالد بن سعود الحليبي
00000000000000000000000
من الذي يستطيع تطويع جميع رغبات الآخرين لتحقيق رغباته ؟
ومن الذي يرسم خارطة مستقبله ثم يتم له تنفيذ كل تضاريسها ؟
من حقنا أن نشعل شموس طموحاتنا .. وأن ننظر إلى الدنيا من حولنا بعيون التفاؤل ..
ولكن ليس من حقنا أن نفترض أن كل ما سعينا إلى تحقيقه لا بد أن يتحقق،
فنحن لا نعيش وحدنا ، فربما اصطدمت رغباتنا برغبات غيرنا ، فقدر لهم أن يصلوا إلى بغيتهم على حساب بغيتنا ..
فماذا نحن صانعون ؟
إن ورود الإحساس بالإحباط لدى شبابنا لمجرد أن أحدهم لم يستطع أن يحصل على مقعد في الاختصاص الذي كان يتمناه ، ويرى أن غصون طبيعته مائلة إليه ، أو أنه لم يقترن بالفتاة التي كانت تعيش بين جفونه منذ الصبا ، يهدهد بأطيافها قلبه الطري كلما توقد فيه الحب ، أو أنه توظف في بيئة لا تناسب فطرته ، ولا تتعامل معه كما يرى أنه جدير به ، ونحو ذلك من الأسباب ..
إن كل هذه الظروف التي تأتي معاكسة تماما لما بنى عليه تخطيطه المستقبلي لا تكفي جميعها لتجعله يكره الاختصاص الذي قبل فيه ، وعليه أن يتذكر أنه حصل على شيء ثمين حرم منه كثيرون لا يزالون يقفون في طابور الانتظار ربما أكثر من سنة .
وليس له أن يكره الزوجة التي قدر له أن تكون شريكة حياته وإن كانت مواصفاتها دون رغباته ، فلربما كانت سعادته معها أضعاف الزوجة الحلم التي كانت تبدعها مخيلة المراهقة ، التي لا تنظر إلى المرأة إلا من زاوية واحدة ،
وإني لأعرف شابا كان قد تولع فؤداه بحب فتاة متميزة في خلقها وخلقها ، حتى قال فيها الشعر الرقيق ، وشاع شذى حبه العفيف لها بين أقرانه ، وعلم بذلك أهلها ، ولكنهم لم يزوجوه بنتهم لاعتبارات اجتماعية ، فازداد هياما بها ، وكاد أن يحقد على من قدرت زوجة له ، لولا صلاح سلوكه وإيمانه ..
وماذا حدث بعد ؟
لقد جد من أحداث الحياة حوله وحولها ما جعله يلهج بحمد الله تعالى وشكره أن صرفها عنه ، وصرفه عنها إلى امرأة أخرى استطاعت أن تمتلك جميع روضات الأولى في قلبه ، وبورك له معها في المال والولد .
وليس لأحد أن يصل به الأمر إلى أن يكره وظيفة ما ، بحجة لا علاقة لها بالقيم والفضائل ، وإنما لأوهام نفسية ، فإن ذلك ـ حتما سوف يؤثر على أداء وظيفته ، وإتقانه لعمله ..
إن على الشاب الذي بدأ يتعامل مع الحياة أن يعرفها جيدا ، وأن يقلب على الإحباط واليأس ظهر المجن ، وأن يلعب مع نفسه دورا تمثيليا متقنا ، يقوم فيه بطي صفحات الأمنيات التي لم يعد لها مجال للتحقيق ، وينظر إلى الواقع بأنه هو الأمل الذي تمناه وخطط له حتى تحقق ، وأن يتعامل مع هذا الواقع بجدية ، فلربما كانت الاختيارات الخارجية أكثر مردودا إنتاجيا على حياة أحدنا مما كان يرغبه ويخطط له ، وربما يكتشف أن حياته أصبحت أفضل بكثير حينما اختلف واقعه عن رغبته .
وليس معنى هذا أنني أدعو إلى التسليم الفوري للواقع المخالف للأمنيات والطموحات المتزنة ، بل حديثي ينصب على ما بلغنا في تحقيقه مبلغ العجز ..
حينها يكون تجاهل الماضي ، والتعامل مع الواقع على أنه هو المراد هو العلاج الناجع .
بصمةأعجبني ـ حتى العشق ـ المثل الفلسفي القائل : إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون .. فهل أعجبك ؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )