مراجعة وتدقيق لغوي للفصل (20) من رواية فيف لاكلاس
أخرج منديلا من جيبه و هو على ظهر الحصان و مسح العرق الذي كان يتصبب بغزارة على جبينه, فالحر شديد و الصعود إلى الجبل شاق. اليوم أحد و
المستوصف مغلق, وقد اغتنم الحكيم الفرصةَ ليطمئن على الفلاقة في الجبل بعد أن غادره من أسبوع. ليس من عادته أن يبقى كل هذه المدة دون الصعود إلى الجبل لكنه كان منهك القوى بعد الحادثة التي تعرض لها في معركة الجبل الضارية¸ وزاده انشغالا اختفاء خديجة و ما حصل للعائلة من ارتباك و حيرة.
ترجل سي الطاهر و دخل المغارة مكمن الفلاقة و فاجأه الصمت المخيم عليها. تقدم خطوات ليكتشف أن المغارة خالية و أن لا شيء هناك سوى بقايا رماد و بعض أعواد حطب. تسارعت دقات قلبه وهو يرى دما على التراب في الجهة العميقة من المغارة. انحنى يستطلع الأمر و مسك التراب الذي اختلط بالدم و اغرورقت عيناه بالدموع. فالدم كثير وجاف. يبدو أن أحداثا رهيبة جدّت من أيام. ماذا حصل يا ترى؟ أين أصدقاؤه الفلاقة؟ كيف حدث هذا؟ وكيف اختفوا بهده السرعة؟ أو ربما , لا سمح الله, استشهدوا هنا و هذه الدماء شاهدة على ذلك؟ يا الله, و دون أن يشعر سقط على الأرض ماسكا رأسه بين يديه. انقبض قلبه و شعر بضيق كبير و حزن شديد. هو السبب, كيف غفل عنهم أسبوعا كاملا؟ فقد كان مريضا. لكن المرض ليس عذرا: كان عليه أن يرسل أي أحد من رجال القرية ليطمئن عليهم, حتى أن يرسل غالية إن لزم الأمر, فهي امرأة المهام الصعبة و هو يعرف هذا. يا الله ماذا يفعل؟ أين يجد أصدقاءه؟
خرج من المغارة حزينا تائها مهموما لا يعرف ماذا يفعل و لا كيف يتصرف. مر عليه وقت طويل و هو تحت أشعة الشمس لا يشعر بحرارتها...انتبه لنباح كلب قريب منه, التفت فإذا هو أحد الجندرمة الفرنسيس، يصاحبه كلب ضخم، يشهر سلاحه في وجه الحكيم.
انزعج سي الطاهر و صاح بكبرياء: ما هذا؟ ...بادله الجندرمي الصياح قائلا: إذًا أنت منهم. أين هم؟ تكلّمْ.
قال الحكيم و قد سرت مسحة اطمئنان في قلبه: من تقصد؟ أنا ممرض القرية كنت بصدد توزيع حبة الكينا على الأهالي و قد تعبت فجلست أرتاح قليلا.
أردف الجندرمي: من يثبت لي ذلك؟ أنت أكيد من الفلاقة الفارين جئت هنا تبحث عن أصدقائك...تنفس سي الطاهر الصعداء رغم صعوبة الموقف, فالفلاقة أحياء يرزقون, الحمد لله, كم أنت كريم يا رب.
أجبني يا هذا..لم يجبه الحكيم و ركب حصانه دون أن يبالي بالسلاح الموجه نحوه.
أنزل الجندرمي سلاحه بعد أن يئس من هذا الرجل الذي يبدو أنه بالفعل ممرض القرية و جاء في مهمة خاصة للأهالي في الجبل...دخل الحكيم على غالية و هي ترتق ملابس أطفالها. انتبهت إلى أن زوجها يرتعد, اقتربت منه فإذا حرارته مرتفعة. أشار إليها أن تساعده وارتمى على حاشية بالقرب منها. يا فاطمة, هاتي قارورة ماء الزهر. كانت غالية تصب ماء الزهر على رأس زوجها و تدلكه فيتبخر الماء من شدة الحرارة.
و كان الحكيم يهذي بكلام مفهوم و غير مفهوم: راحوا. أنا السبب, قتلوهم, المغارة, الدم , بالتراب, الفلاقة ... لم تفهم غالية ماذا كان يعنيه الحكيم بكل هذه الكلمات, اكتفت بأن أعطته شرابا باردا ودواء وجلست بالقرب منه.
تحلّق الأطفال و فاطمة حول الحكيم و هم واجمون لا يعرفون ماذا حدث, لكنهم كانوا خائفين وهم لا يعرفون السبب. لا أحد تحرك من مكانه طوال تلك الليلة, وناموا على بقايا الحشايا المفروشة في البيت. استيقظت فاطمة مبكرة فلم تجد "سِيدِي". خرجت إلى الحوش فإذا هو جالس بجانب البئر و يده على خده لكنه يبدو في صحة جيدة. حمدت الله و أعدت له القهوة.
فتح سي الطاهر المستوصف على غير عادته متأخرا رغم أنه يوم الثلاثاء, موعد طبيب القرية. لم يكن هناك الكثير من المرضى. سجلهم الحكيم منتظرا "سي محمد علي" الذي تأخر بدوره. واقترب موعد غلق المستوصف وطبيب القرية لم يأت بعد. بدأ المرضى ينصرفون الواحد تلو الآخر, و سي الطاهر يتساءل عن سبب غياب الطبيب. حينها دخل المستوصف شاب شبه ملثم , عرفه الحكيم للتو. فهذا صلاح الدين الشاب الذي التحق مؤخرا بالفلاقة.
أسرع إليه سي الطاهر فقال صلاح الدين في همس:
ــــــ"سي محمد علي يعتذر منك كان عليه أن يتصرف أثناء فترة مرضك. أَسْرجْ حصانك و سأدلك على مخبئ الفلاقة الجديد."................................... يتبع
المدقق اللغوي والمراجع /
فقط همزة قطع متروكة على الضمير ( أنا ) في :كان الحكيم يهذي بكلام مفهوم و غير مفهوم: راحوا. انا السبب, قتلوهم
ثم يكون من الأفضل وضع الكلمات التي تتحدث عن ( الجندرمة ، والفلاقة ، والفرنسيس والجندرمي بين قوسين لعدم صلة هذه الكلمات باللغة العربية الفصحى ، وإن كانت مفهومة لدي المجاهدين التونسيين ولدى القاريء العربي المثقف . وشكرا .
تعليقات