اللزوميات ( لزوم مالايلزم )

وهو أحد أنواع البديع و ذلك أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفا واحدا متشابها .



جاء في كتاب شرح نهج البلاغة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه :


يكون لزوم ما لايلزم في المنثور , وأما في المنظوم ؛ فأن تتساوى الحروف التي قبل الروي مع كونها ليست بواجبة التساوي .


مثال ذلك قول بعض شعراء الحماسة :


بيضاء باكرها النعيم فصاغها ** بلباقة فأدقها و أجلها


حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ** ما كان أكثرها لنا و أقلها


وإذا وجدت لها وساوس سلوة ** شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها


ألا تراه كيف قد لزم اللام الأولى من اللامين اللذين صارا حرفا مشددا , فالثاني منهما هو الروي, واللام الأولى التي قبله التزام ما لا يلزم.


فلو قال في القصيدة وصلها و قبلها و فعلها لجاز.


و احترزنا نحن بقولنا مع كونها ليست بواجبة التساوي ,عن قول الراجز و هو من شعر الحماسة أيضا :


وفيشة ليست كهذي الفيش ** قد ملئت من نزق و طيش


‏إذا بدت قلت أمير الجيش ** من ذاقها يعرف طعم العيش


فإن لزوم الياء قبل حرف الروي ليس من هذا الباب ؛ لأنه لزوم واجب. ألاترى أنه لو قال في هذا الرجز البطش و الفرش و العرش لم يجز؛ لأن الردف لا يجوز أن يكون حرفا خارجا عن حروف العلة, و قد جاء من اللزوم في الكتاب العزيز مواضع ليست بكثيرة فمنها قوله سبحانه وتعالى :


(فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا )


و قوله تعالى :( وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ )


و قوله سبحانه : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ)


و قوله جل وعلا : ( وَ الطُّورِ وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ)


و قوله:( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ)


و قوله :( فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ)


و الظاهر أن ذلك غير مقصود قصده.فليس في كلام الله تعالى لزوم مالايلزم , لأنه أعلى مراتب البيان البلاغي بما يحتويه من بديع الصنع ؛ ورفيع القول .


و مما ورد منه في كلام العرب:


أن لقيط بن زرارة تزوج ابنة قيس بن خالدالشيباني, فأحبته فلما قتل عنها تزوجت غيره , فكانت تذكر لقيطا, فسألها عن حبها له فقالت :


(أذكره و قد خرج تارة في يوم دجن, و قد تطيب و شرب الخمر, و طرد بقرا , فصرع بعضها, ثم جاءني وبه نضح دم وعبير, فضمني ضمة , وشمني شمة, فليتني كنتُ مِتُّ ثَمَّةَ.)


ويسمّى عند بعض البلاغيين ( الإلزام والتضمين والتشديد والإعنات أيضاً،)


وهو أن يجيء قبل حرف الرويّ - في فاصلتين وأكثر أو بيتين وأكثر - بحرف لا يتوقّف السجع عليه، كقوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر)


وكقوله:


أصالة الرأي صانتني عن الخطل=وحلية الفضل زانتني لدى العطل


فالراء في الآية, واللام في الشعر، حروف الروي، وقد جيء قبل الراء بالهاء , وقبل اللام بالطاء،


وهو غير لازم لتحقّق السجع بدون ذلك.


ومعنى الفن البديعي ( لزوم مالايلزم ) في كتاب( المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر)


لمؤلفه الدكتور إميل بديع يعقوب . طبعة بيروت ـ دار الكتب العلمية 1991 م هو :


لزوم ما يلزم هو أن يأخذ الشاعر نفسه بالتزام حروف وحركات في القافية لا تتطلبها قواعد علم القافية ، وإنما يفعل ذلك لزيادة الإيقاع الموسيقي ، وللدلالة على مهارته اللغوية .


ومنه التزام صفي الدين الحلي للراء قبل الروي (القاف) في قوله (من البسيط):






يا سادة مذ سقت عن بابهم قدمي= زلت وضاقت بي الأمصار والطرق


ودوحة الشعر مذ فارقت مجدكم= قد أصبحت بهجير الهجر تحترق






ومنه التزام أبي العلاء المعري ثلاثة أحرف وثلاث حركات قبل الروي في قوله (من الرمل):


ما يشاء ربك يفعل قـــادرا= جل عن كل مقال واعتــراض


قد تجمعنا على غير هدى= وتفرقنا على غير تـــــراض






وللشاعر أبي العلاء المعري ديوان ضخم سماه "اللزوميات" خصصه لهذا اللون من الشعر .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )