صفحة من حركات الجزر الإسلامية :
مع بداية القرن الخامس الهجري بدأت حركات الجزر الإسلامي بعصر ملوك الطوائف في الأندلس , وبدأ انكماش الدولة الإسلامية في أوروبا , بعد أن استمر المدُّ الإسلامي ما يقرب من خمسة قرون .
وكانت غارات النورمانديين المتتالية قد جعلتهم يستولون على صقلية وبرقة من الشمال الإفريقي , وتثيبت غاراتهم المستهدفة بلاد الأندلس , وكان يعاونهم على ذلك الفتن والحروب بين ملوك الطوائف فيها مما أدى إلى انكماش سلطانهم وضياع الأندلس بعد ذلك .
وكان اهتمام الشرق بالحروب الصليبية في مصر وسوريا , قد شغلت أنظار العالم شرقيين وغربيين إلى هذه الهمجات , ولم يلتفتوا إلى الحروب الصليبية الأخرى في الشمال الإفريقي , كما كان من أسباب حركات الجزر الإسلامي أيضا أن الشرق العربي كان يعتبر مصر وسوريا قلب العالم الإسلامي , وأي زحف عليهما يعتبر حربا صليبية دينية ضد الإسلام , بينما هذان الشرطان ليسا متوفرين في الشمال الإفريقي لأن ظن الأوروبيين أن الإسلام لم يستقر فيه , ولا يزال في الصورة المسيحية .
ولما كانت الحروب الصليبية في مصر وسوريا أقوى وأعنف ؛ فقد جعل هذا المؤرخين لا يهتمون بالحروب في الشمال الإفريقي وبلاد الأندلس مما ساعد على استكمال خطة الغرب في استعادة الأندلس إلى حظيرة الميسحية , وسقوط الدولة الإسلامية فيها .
حتى أن انتصار مسلمي الشرق الإسلامي على الهجمات الصليبية على بلادهم , وأسر ملك فرنسا لويس التاسع وسجنه في سجن ( دار ابن لقمان ) بالمنصورة بمصر , ثم افتداؤه نفسه بمال كثير جمعته زوجته من ملوك أوروبا ؛ زاد إصرار الأوروبيين على انتزاع الأندلس خوفا من المَدِّ الإسلامي الشرقي المتواصل إليهم
وبدأ لويس التاسع بعد إطلاق سراحه في مواصلة الحروب الصليبية على الشمال الإفريقي نفسه , ومات بتونس ودفن بها .
ويرتبط ذلك بحادثة مماثلة هي دفن أبي أيوب الأنصاري تحت أسوار القسطنطينية حينما كان في جيش يزيد بن معاوية , فلما عاد بالجيش الإسلامي خُيِّلَ للمسلمين أن روحه تهتف بهم أن يفتحوا القسطنطينية , وكذلك أثرت روح لويس التاسع في أوروبا بعد دفنها في تونس , وأصبحت مطلع زحف كبير للحروب الصليبية على الشمال الإفريقي والأندلس .
وقد استطاع النورمانديون أن يجعلوا من صقلية , وبرقة مركزين ليخرجوا منهما للاستيلاء على طرابلس سنة 541 هجري , ثم أخذ الأوربيون الشمال الإفريقي كله للفرنجة . وتلك كانت من أسوأ فترات الجرز في التاريخ الإسلامي كله .
==
المراجع : التاريخ الإسلامي : للدكتور أحمد شلبي
كتاب ( صورة الأرض ) لابن حوقل .
تعليقات