فن الوصف في الشعر العربي

 الشعر أحد فروع الأدب العربي  الذي ينقسم إلى العديد من الأغراض ؛ كالوصف ، والمدح ، والهجاء ، والفخر ، والغزل ، والعتاب ، والحكمة ، والرثاء ، ولكل فرع أو قسم من تلك الأقسام والأغراض أقسام أخرى وعلى سبيل المثال : الغزل العفيف ، والغزل الماجن .ومن أروع ما برع فيه الشعراء فن الوصف الشعري من الأغراض المعروفة والمنتشرة في معظم قصائد الشعراء العرب قديما وحديثا.

ولقد تطور هذا الفن الوصفي تطورات كثيرة على مراحل وعهود وعصور الشعر العربي المختلفة ، وبيئات كل عصر وثقافة شعرائه:

فكان منه : ( الوصف النقلي ، والوصف المادي ) فقد امتاز الشعر الجاهلي بهذا الغرض في نزعته المادية المسرفة ؛ حيث جاءت أبيات

القصيدة في هذا اللون بتشبيهات مادية لطرفي التشبيه في الوصف النقلي كما نلحظ في وصف امريء القيس للفرس مثلا :

لهُ أيطلا ظَبي ، وساقا نعامة = وإرخاءُ سرحانٍ وتقريب تتــفلِ

فكان الوصف يتصدى لمظهر خارجي حسيٍّ ، والتشبيه المادي لا ينقل مشهدا خارجيا فحسب بل ينقل معها فكرة أو حالة داخلية بمشهد

خارجي حسي ، كقول زهير بن أبي سلمى في تمثيل الموت :

رأيتُ المنايا خَبظ عَـــشواء مَنْ تُصِبْ = تُمِتْهُ ، ومن تخطيءْ يُعَمَّــرْ فيهرم

وكقول طرفة بن العبد في نفس الغرض :

لعَمْرُكَ إنَّ الموتَ ما أخطأَ الفتى  = لكَالطَّوْلِ المَرْخِيِّ وثنياه باليد

فالنوعين النقلي والمادي يتفقان في المشبه به أو الطرف الثاني من الصورة وهو دائما مادي ، بينما يختلفان في الطرف الأول الذي يكون

حسيا في النقلي والمعنوي ذهنيا في الوصف المادي ، وهما يصدران عن نزعة واحدة في النفس البدائية المقتصرة على عالم الماديات.

* الوصف الوجداني :

رأينا أن الوصف النقلي هو محاولة لتجسيد الظاهرة كما تبدو للحواس ، فكأنه وصف علمي تقوم فضيلته على صحة التشابيه ودقتها

والشاعر لا يصهر فيه الظاهرة بذاته ولا يتولاها بخياله 

أما الوجداني فالشاعر يتخطى حدود الظاهرة فتغدو شبيهة برمز أو عنوانا لكتاب مكتوم يحوم الشاعر فيه وراء  أو حول الظاهرة 

محاولا تفسيرها فالمشهد ينتقل من حواس الشاعر إلى نفسه وضميره بصورة إنسانية حيَّة تتحد به أو تنحلُّ فيه ، وهذا نوع راقٍ من الوصف يقوم على النزعة الوصفية التي تفيض بذات الشاعر على الأشياء ؛ كقول البحتري في العصر العباسي عن الربيع:

أتاك الربيعُ الطلق يختال ضاحكــا = من الحُسْــنِ حتى كــاد أن يتكلما 

فوظيفة الشعور في الوصف الوجداني أن ينفذ الشاعر فيه مما يرى إلى ما يتراءى فيعتري الشعور المادة بحرارته وينتزعها من

لامبالاتها الخارجية حتى تتولد بواقع فني جديد ، والشعور هو الذي ينزع غلاف الأشياء وجمودها ويبعث فيها المعاناة والحنين.

ووظيفة الخيال : هي تحويل الظلال الشعورية المموهة إلى صورة ذات شكل وحدود ومعنى ، فالشعور الذي يختلج في ظلمة النفس 

ويعتري الشاعر قد ينقرض ويزول إذا لم يقدر له الخيال الناجح الذي يغدو به صورة بعد أن كان معاناة فقط فالخيال هو الغرفة المظلمة 

التي يترجم فيها الشعور ويجسده إلى واقع جميل في القصيدة 

اقرأ ذلك بروية وتدير في أبيات من قصيدة ( قتال الذئب ) لليحتري مثلا :

وليل كأن الصبح في أخرياته = حشاشة نصلٍ ضم افرنده غمد

تسربلته والذئب وسنان هاجعٌ = بعين ابن ليل ما له بالكرى عهد

له ذنبٌ مثل الرشاء يجره = ومتن كمتن القوس أعوج منأد

طواه الطوى حنى استمر مريره = فما فيه إلا العظم والروح والجلد

سما لي وبي من شدة الجوعِ ما به = ببيداءَ لم تعرف بها عيشة  رغد

كلانا ذئبٌ يحدثُ نفسه = بصاحبه والجد يتعسه الجد

عوى ثم أقعى فارتجزتُ فهِجته  فأقبل مثل البرق يتبعه الرعد

فأوجزته خرقاء تحسب ريشها = على كوكب ينقض والليل سرمد

فما ازداد إلا جرأة وصرامة = وأيقنت أن الأمر منه هو الجد

فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها = بحيث يكون اللب والرعب والحقد

فخرَّ وقد أوردته منهل الردى = على ظمإ لو أنه عذب الورد

وقمت فجمعت الحصى فاشتويته = عليه وللرمضاء من تحته وقد

ونلت خسيسا منه ثم تركته = وأقلعتُ عنه وهو منعفر فرد

====

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )