بين نحو القلوب ونحو ابن مالك في ألفيته

 






ذكر الشقيري رحمه الله  في النص الثالث ( أقسام الكلام : اسمٌ / فعلٌ / حرفٌ ) من كتابه ( نحو القلوب ) وهو : ما يسمى بالنحو التحويلي من مفهوم قواعد اللغة العربية ، إلى مفاهيم الصوفية وتعلقها بكل شيء في علومها بالخالق سبحانه وتعالى ( الله ) بالقلب:

الاسم : هو الله ، والفعلُ : ما كان من الله ، والحرف : إما يختص بالاسم فيوجب له حكمًا ؛ وإما يختص بالفعل فيقتضي له نسبة )

وكما أن الحرف إذا دخل على الاسم أوجب له : إما حكمَ النصبِ أو الخفضِ أو غيره ؛ فالوصف الذي هو العلم يوجب لله حكم العالم ،وكذلك القدرة والحياة وسائر صفات الذات ) وكما أن من الحروف ما يوجب للفعل حكم النصب والجزم فوقوع أفعال الحقِّ على أوصافٍ يوجب له نعتُ الاسم في الخلقِ . ) وهذا كلام ارتقاء وصفاء للقلب مع الله ؛ يحتاج إلى فهم ومعرفة بتأنٍ وروية للربط بينه

وبين ما ورد في ( ألفية ابن مالك ) وشرح ما جاء عن ( أقسام الكلام في النحو العربي ) الذي درسناه في تعلمنا لقواعد اللغة العربية

حين يقول ابن مالك في ألفيته : كلامنا لفظ مفيد كاستقم *** واسم ، وفعل ، ثم حرف الكلم 

......................................واحدهُ كلمةٌ والقولُ عَمّ *** وكلمة بها كلام قــــــــدْ يُــــؤم

وسنتحدث هنا عن شرح ( القشيري ) لنص أقسام الكلام في منظور الصوفية كما شرحه المؤلف د. عيسى مرسي سليم في كتابه :( الإبداع الفكري من النصوص الفلسفية ) يقول :

*( الله : وهو اسم الذات ) وهو للتعلق دون التخلق ؛ أي ليس لأحدٍ من المخلوقين أن يتسمى به ، وكذلك الرحمن ، لذلك كان الله الواحد المتصف بالواحدية والوحدانية   ؛ فالواحدية قابلة للتعدد وقد يتصف بها الآخرون أما الوحدانية فهي صفةٌ للذاتِ العليا وعَلَمٌ لها لا يتصف بها أحدٌ ، فالأحدُ غير الواحد لأن الواحد صفة للمخلوقات والأحدُ صقةٌ للخالق ، لذلك كان الله هو الاسم الذي يتصف بالواحد الأحد الأوحد المتفرد بصمديته ، وصفات الذات قديمة ، قامت بها الذات الإلهية منذ القدم فهي سرمدية لا تقبل النقص ولا الزيادة ومنها القدم والقدرة والإرادة  والعلم والحياة والكلام والسمع والبصر ..........

* وصفات الفعل وهي تلك الصفات المعبرة عن فعله سبحانه في الكون كالخالق والوهاب والرزاق والمحيي والمميت والهادي والمنعم ونحو ذلك من أسماء الله الحسنى ؛ فهي تتجلى في الكون والعباد وتنعكس ’ثار التجليات حسبما تقتضي الصفة من المعاني فليس في الكون والطبيعة إلا مخلوقٌ بيد الخالق مرزوق من قبل الرزاق حيٌّ أحياه المحيِي ... وهكذا.

* وما دام الفاعل في الكون هو الله وحده فإن الاسم على الحقيقة اسمه ( واذكر اسم ربك ) ، ويرَدُّ كل فعل  لقاعله الأصيل . قال تعالى:

( وما رميتَ إذ رميتَ ولكنَّ الله رمى ) ، وقد اجتمع اسم الذات واسم الفعل في أول آية نزلت من القرآن الكريم حيث قال سبحانه :

( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ...) ، فالأولى عن الذات ، والثانية عن الصفات .... وهكذا فإنه إذا كلن الاسم على الحقيقة هو الله فإن الفاعل على الحقيقة هو سبحانه ، والفعل على الحقيقة له سبحانه ، فإذا صرفنا إلى الإنسان فعلا في الكون فهذا من قبيل التسمية النسبية باعتبار الإنسان العلة القريبة أو السبب القريب للعلة الأولى التي قامت بذاتها ولم تقم بغيرها .

أما لو تغاضينا عن هذه التسمية لأرجعنا الأمر كله لله . قكلُّ شيءٍ له ، وبه ، ومنه ، وإليه ، وعليه ، وبين الحقيقة والنسبية تكون الرباطات ( الحروف )التي تختصُّ بالاسم لكي تؤدي المعنى المراد الذي ينبغي استحضاره في كل لحظة بعيدا عن دعوى النفس لأن المُرِيد على الحقيقة من ليس له إرادة  ؛ لأن الإرادة بالكلية لله وحده لا شريك له ( له الأمر من قبل ومن بعدُ )

* النص الذي ذكره القشيري يعرض لقضيةٍ قلبيةٍ من خلال النحو القواعدي التقليدي ؛ وهي قضية الذات وصفات الذات وصفات الفعل ويجعل القشيري كل ذلك مرتبطا بالذِّكْرِ الذي يتحقق من خلاله سلوكُ المُرِيدِ فتنكشف له المغاليق بنورانية الحق ، وهنا تذوب الإرادة الإنسانية في الإرادة الإلهية ، ولم يعد هناك إلا واحد له الأمر كله .

* والاسم في نحو القلوب ما يكون مُخْبَرًا عنه في مخاطبة الحق ، والفعل ما كان خبرا في مخاطبة العبد مع الحق ، أما الحروف فهي الرباطات التي تتم بها فوائد نطق القلب لأن الله كان كنزا مخفيا فأراد سبحانه أنْ يُعْرف فخلقَ الخلقَ وبه عَرَفَ الخلقُ الحقَّ ؛ فالكنز المخفيُّ علةٌ أولى للذات ، وخَلْقُ الخلقِ صفةٌ للذات ، ومعرفةُ الخلقِ صفةٌ لفعل الخلق ، والباء رباط عرف الخلقُ الحقَِّ بواسطة هذا الرباط . ( والله أعلى وأعلم ) انتهى 

====

لاحظ توضيح ابن مالك لمعنى أقسام الكلام في اللغة العربية من الصور المنشورة بالمقال . وشكرا


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )