مراجعة ( فيف لاكلاس ) الجزء 5و6 الأخير
الجزء الخامس :
جاءت فاطمة مسرعة و هي تتلعثم بالكلام،
سيدي، خالتي، الجندرمة الفرنسيس في الدار
لم ينبس سي الطاهر ببنت شفة و لم يحرك ساكنا
بل قال في هدوئه المعهود: ساعدي خالتك في إنزال الحقيبة من السرج يا فاطمة ونظرت إليه الخالة غالية مندهشة و لسان حالها يقول : من أين يأتي سي الطاهر بكل هذا الهدوء؟
كانوا سبعة من الجندرمة الفرنسيس يطوقون الحوش و رشاشاتهم جاهزة لأي طارئ. حياهم سي الطاهر بكل أدب قائلا:مرحبا لم أكن اعرف أنكم ستأتون بيتي و إلا لكنت أجلت جولتي في الأرياف. سأله أحد الجندرمة و ماذا كنت تفعل في الأرياف أنت و زوجتك؟
أجاب سي الطاهر بكل برود: كنا نوزع حبة الكينا على الأهالي
_ و من آذنك أن تفعل ذلك؟
أجاب سي الطاهر مستنكرا: أنا ممرض القرية و هذه مسؤوليتي، فهناك من لا يستطيع التنقل إلى القرية و كما تعرف هناك وباء حل بنا و علينا أخذ الاحتياطات اللازمة
_ بل مسؤوليتنا نحن، هم رعايانا و نحن من نقرر ماذا نفعل لهم-
كتم سي الطاهر غيظه و اصطكت أسنانه و لم يقل شيئا، فهو يعرف أن الجدال لا يأتي بنتيجة مع هؤلاء الطغاة الجبابرة، و عليه بالفعل.. الفعل و لا شيء غير الفعل. و قد بدأ هو و شباب القرية في خطة عمل لتسليح الأهالي، كل الأهالي. تذكر جولته بالأمس على حصانه مصحوبا بالخالة غالية و هو يتقدم عربة ملئت حبات قرع، و بها أربعة من الشباب ينادون : قرع، قرع
فينزل رجال من الجبل ليشتروا القرع و يعطون البائع نقودا و يشكرونه
ثم يسرع الرجال عائدين إلى الجبل، يأخذون بنادقهم و يعمرونها بالخراطيش التي ملئت بها حبات القرع
و يواصل سي الطاهر رحلته مطمئنا إلى نجاح العملية ليزود الأهالي بالكينا كعادته و يعود أدراجه إلى القرية قرير العين
تذكر هذا و ابتسم بارتياح،
صرخ كبير الجندرمة موجها الكلام لسى الطاهر: سمعنا أنك تساعد الفلاقة الذين لاذوا بالجبل!
و بكل رصانة و ثقة في النفس يجيب سي الطاهر:
و هل لي أن أعرف كيف أساعدهم و انا اعمل طول النهار و حتى الساعات القليلة التي ارتاحها أصطحب زوجتي و نذهب لتوزيع الدواء على الأهالي في الأرياف؟
أمر الجندرمي الفرنسي زملاءه بأن يفتشوا الغرفة و المطبخ و أركان الحوش،وحتى البئر فتشوه
ارتعدت الخالة غالية حينها لكنها سرعان ما تنفست الصعداء حين تذكرت أن لا شيء في البئر و أن الأكياس البلاستيكية ذهبت إلى أصحابها في الجبل.
الجزء السادس:
Zia, zia Fatma
دزيا، دزيا فاطمة
مسكت عزيزة فستان فاطمة و هي تردد هذه الكلمات و الخوف باد على محياها و وقفت وراءها تحتمي بها، فقد شعرت ابنة الخامسة ربيعا أن هناك خطرا ما و هي تستفيق من قيلولتها لترى أناسا يلبسون نفس اللباس في الحوش و يمسكون أشياء طويلة لا تعرف ماذا تسميها و يبدو أنهم غاضبون لأنهم كانوا يصرخون وهم يكلمون أباها
أسرعت تحتمي بفاطمة و تمسك فستانها و تردد
Ho paura
أو باورا
فهمت فاطمة أن البنت الصغيرة خائفة فراحت تحدثها
لا تخافي، سينتهي كل شيء. هؤلاء الرجال يعملون مع أبيك جاءوا يسألونه شيئا ،لكن عزيزة لم تصدق، هؤلاء الرجال بيدهم عصي من حديد رأتها من قبل في القرية عندما أخذها أبوها ليشتري لها حلوى من الدكان المجاور ، و هم يفتشون في كل مكان و يبعثرون كل شيء
مسحت فاطمة بحنان على رأس البنت الصغيرة و بدأت تهدئ من روعها. ابتسمت فاطمة رغم الموقف الحرج و تذكرت أن عزيزة تتكلم الإيطالية بطلاقة فقد كانت مربيتها " طليانة" عندما كان سي الطاهر يعمل في مدينة شمال البلاد، ثم عادوا إلى القرية و تولت هي الاعتناء بها،تذكرت فاطمة كم بكت عزيزة لفقدان مربيتها "ماريا"، لكن فاطمة استطاعت بحبها الكبير لها أن تنسيها "ماريا". فكانت عزيزة تناديها أحيانا " دزيا ماريا" فتقول لها مداعبة: أنا دزيا فاطمة،سكتت عزيزة و هي ترى الناس الغرباء يغادرون البيت و سي الطاهر يأمرها و إخوتها أن يدخلوا الغرفة و لا يخرجوا منها،اعترض الهادي، ابن السبع سنوات و رجا أمه أن يبقى في الحوش لأنه سيعلم عزيزة لعبة " الريقلة"، لكن أمه أمرته أن يدخل و بسرعة، و كذلك فعلت خديجة و سالم، و تبعتهم فاطمة.
عادت الخالة غالية و هي تحمل طبقا من "المحمص بالخضرة" الساخن و جلست تأكل مع أبنائها الأربعة و قريبتها فاطمة، بينما جلس سي الطاهر على مقربة منهم يأكل طبقه المفضل في فصل الشتاء
حل الليل و التف الأطفال حول فاطمة تحكي لهم حكاية الغول و القدية
بينما تمدد سي الطاهر على حاشية في ركن من الغرفة و أخذ يهمس لزوجته بحماس مشيرا للبئر
توضيح بالهامش:
.الريقلة :هي لعبة تعتمد على القفز في مربعات رسمت على الأرض المحمص بالخضرة: و تسمى أيضا "الجاري"، أكلة تونسية تعتمد على الكثير من الخضار و تعد عادة في فصل الشتاء.
تعليقات