الأخطل ( شاعر بني أميَّة ) النَّقائض الشعرية


 

الأخطل شاعر ( نصراني ) من أهل جزيرة 
شامِيَّة ويقال : من جزيرةِ ( أَقُور ) بين نهر دجلة والفرات ) 

واسمه : غِيَاثُ بن غَوثُ بن مالك بن جُشَم ينتهي نسبه في بني تَغْلِب ، والأخطل لَقَبٌ غلب عليه ؛ ومعناه ( السَّفِيهُ ) ، وسبب التسميَةِ بذلك أنه هجا رجُلاً من قومه ذي مكانة ٍ في بني تغلب فقال له :

إنَّكَ لأَخْطَل فغلبتْ عليه ..، وسبَّه شاعر تغلب ( عُتْبَةُ بن الزَّغَل )  يدعى ( كعب ) فَلَجَّ بينهما الهجاء فقال الأخطل فيه :

سُمِّيتَ ( كَعْبًا ) بِشَرِّ العِظَامِ *** وكان أبوك يُسَمَّى الجُعَلْ

وَ إنَّ .مَحَلَّكَ مِن وَائِلٍ ***** مَحَلُّ القُرَاد مِنْ إِسْتٍ الجَملْ

ويُعْتَبر الأخطل ، وجرير ، والفرزدق طبقة واحدة من شعراء النقائض العربية ، ولم يقع اجتماع على على أحدهم أنه أفضل هكذا ذكر ابن سلاَّم في كتابه ( أول طبقات الشعراء في الجاهلية والإسلام ) ولكل واحد منهم طبقة تفضِّلَه على الجماعة .........

وعن الأصمعي قال : إن الأخطل كان يقول تسعين بيتا من القصيدة ثم يختار منها ( ثلاثين بيتا ) فيطيَّرُها ) أي يذيعها فقط.... وقد ذكر غير الأصمعي من المؤرخين الذين عُرِفُوا بأنهم ماشُوا الكلام وطَرَقُوه بمعنى أنهم خَبَرُوا الكلام وتمييزه بين الجيد والردِيء منهم : ابن أبي إسحق الحضرمي ، وعنبسة الفيل ، وميمون الأقون وغيرهم .

وكان أبو عمرو بن العلاء يُشَبِّه الأخطل بالنابغة الذبياني لصحة شِعْرِهِ ، وقال له رجل : يا عجبًا للأخطل !! نَصْرَانِيٌّ كافر يهجو المسلمين !! فقال له أبو عمرو : يا لُكَعُ . لقد كان الأخطل يجِيءُ وعليه جُبَّةٌ خَزٍّ ، وحِرْزُ خَز، في عنقِهِ سلسلةٌ ذهب فيها صَلِيبُ ذهبٍ ، تَنْفُضُ لِحْيَتَهُ خَمْرًا حتى يَدْخُلَ على عبد الملك بن مروان بِغَيْرِ إذْنٍ ، وكان الأخطل أخبثهم هِجَاءً في عَفَافٍ عن الفُحْشِ ، وقال الأخطل عن نفسه : ما هَجَوْتُ أحَدًا قطُّ بما تستحي العذْرَاءُ أنْ تنْشِدَهُ أَبَاهَا .!! ويكفي أن شهد له الفرزدق أحد أفضل شعراء النقائض في الهجاء حين سألَهُ خالد بن كلثوم : مَنْ أَشْعَرُ الناس في الإسلام ؟ فرد عليه الفرزدق قائلا : كَفَاكَ بابن النَّصْرَانِيَة إذا مَدَحَ ...

وكانت علاقة الأخطل بالأمويين وولاتهم علاقة قوية ، حتى أنه مدح عبد الملك بن مروان في أدب عندما ذكر للخليفة الأموي عبد الملك أنه زعم ابن المراغة أنه يبلغ في مِدْحَتِكَ في ثلاثةِ أيامٍٍ ، ثم يقول :

خَفَّ القطينُ فراحوا مِنْكَ أوْ بَكَروا *** وأزعجتهم نَوىً في صرفها غِيَرُ

.......... ومعنى ( القطين : القاطنون معك ، أو ارتحلوا عنك لأحداث الدهر عليهم.

وقد أَقَمْتُ أنا في مدحتِكَ سنةَ كاملة ، فما بلغتُ كلَّ ما أردتُ ، فقال عبد الملك : فأسمِعْناها يا أخطلُ ، فأنشده إياها ، فجعلتُ أرى عبد الملك يتطاولُ لها ، ثم قال : ويحكَ يا أخطل ! أَتُرِيدُ أن أكتبَ إلى الآفاق أنك أشعر العربِ ؟! وأمر له بِجَفْنَةٍ كانت بين يديه فَمُلِئتْ دراهم وألقى عليه خِلَعًا ..

قِصَّتَهُ مع الخمر ، وعبد الملك بن مروان في الدولة الأموية :

وذكر الطَّبري عن هشام بن سليمان المَخْزُومِي ، أن الأخطل قدم على عبد الملك ، فنزل على ابن سرجون أو سرحون كاتب الخليفة عبد الملك ،فسأله عبد الملك : على مَنْ نَزَلْتَ ؟ قال : على فلان ( يقصد ابن سرحون ) فقال الخليفة : قاتلكَ الله ! ما أعلمك بصالح المنازل ! فما تريد أن يُنْزِلَكَ ؟ ( يعني يُقَدِّمُ لك النُّزُلَ وهو ما يُهَيَّأُ للضيفِ من الطعام وغَيْرِهِ ) قال : دَرْمَكٌ ..( يعني لُبَابَ الدقيق الأبيض ) ولحْمٌ وخَمْرٌ مِنْ ( بيتِ رَأْس : وهي قرية في الأردن مشهورة بخمرِها ) فضحكَ عبد الملك بن مروان ثم قال له : وَيْلَك !! وعلى أي شيء اقتتلنا إلا على هذا !! ثم قال له : ألا تُسْلِمُ فَنَفْرِضَ لكَ في الفَيْءِ ( وفي بعض الروايات والنّسَخِ الموثقة : في ألفين وأراها أجود لأنه أراد أنه سيفرِضُ له عَطَاءً سنويّاً قدره ألفان من الدراهم .) ثم قال ابن مروان الخلفية : ونُعْطِيكَ عشرةَ آلاف الآن ؟ قال الأخطل : فكيف بالخمر؟  قال : وما تصنعُ بها وإنَّ أَوَّلَها لَمُرٌّ ، وإنَّ آخرها لَسُكْرٌ ...!؟ فقال : أما إذْ قُلْتَ ذلك فإنَّ بين هاتين لَمَنْزِلَةٌ ما مُلْكُكَ فيها إلا كَعُلْقَة  ماءٍ من الفُرَات بالإصبَعِ ..( وهي ما يُتَبَلَّغُ من طعم قليل ) فضحِك الخليفة ثم قال له : ألا تزور الحَجَّاجَ ؟ ( بن يوسف الثقفي ) فإنه كَتبَ يَسْتَزِيرُك . ( يطلب زيارتكَ) ، فقال الأخطل : أطَائعٌ ؟ أم كارهٌ ؟ قال : بَلْ طائع . قال : ما كُنْتُ لأختَارَ نوالكَ على نوالِكَ ولا قُربَهُ على قُرْبِك : إنني إذًا كما قال الشاعر :

كَمُبْتَاعٍٍ لِيَرْكَبَهُ حِمَارًا *** تَخَيَّرَهُ عَنْ الفَرَسِ الكَبيرُ . ..... 

فأمر له بعشرةِ آلافِ دِرْهَمٍ ٍ وأَمَرَهُ بِمَدْحِ الحجاج ، فمدحهُ بقوله :

صَرَمَتْ حِبَالُكَ زَينبٌ ورَعُومُ *** وبَدَا المُجَمْجَمُ مِنهما المَكْتُومُ ( يعني المُخَبَّأُ المَخْفِي).

ثم دخل الأخطل مرة أخرى على عبد الملك بن مروان فاستنشدهُ الخليفة فقال :

قد يبس حلقي فمُرْ مَنْ يَسْقِيني !! ( يعني أخذتني غُصَّةٌ في فمي )

فقال : اسقُوهُ ماءً !!فقال الأخطل : شراب الحمار !!وهو عندنا كثيرٌ !!

قال : فاسقُوهُ لَبَنًا ! قال الأخطل : عَنْ اللبنِ فُطِمْتُ !!

قال : فاسقوهُ عَسَلاً ! فقال الأخطل : شراب المريض .!!!

قال الخليفة : فَتُرِيدُ ماذا ؟ قال : خمرا يا أمير المؤمنين !!

قال الخليفة : ( أَوَعَهِدْتَنِي أَسْقِي  الخمرَ ، لا أُمَّ لكَ ( يَسُبُّهُ ) ويسخر منه.. لولا حُرْمَتُكَ بنا لفعلتُ بكَ وفعلتُ )، فخرج الأخطل فَلَقِيَ فَرَّاشًا لعبد الملك فقال : ويلَكَ ، إن أمير المومنين استنشَدَني وقد صَحِلَ ( أيْ بُحَّ) صوتي ، فأسقني شرْبَةَ خمرٍ ، فَسَقاهُ ، فقال : أَعِدْ عليَّ بأُخْرى ، فسقاه كأسا آخر ، فقال : تركتهما يَعْتَرِكانِ في بطني ، أسقني ثالثا !!فقال : تركتني أمشي على واحدة أعدلْ عليَّ برابع ، فسقاه رابعا ، فدخل الأخطل على عبد الملك فأنشده ما قاله له ابن المراغة من قبل :

خَفَّ القطين فراحوا منك أو بَكَرُوا *** وأزعجتهم نوىً في صَرْفِها غِيَرُ .

فقال عبد الملك : خُذْ بيدِهِ يا غلام فأَخْرِجْهُ ، ثم ألقِ عليه من الخِلَعِ ما يغمُرُهُ ، وأحسن جائزته .... وقال : إن شاعر بني أمية الأخطل !!!

===================

والله تعالى أعلى وأعلم 

المرجع : كتاب المختار من الأغاني للأصفهاني بتصرف واختصار .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البلاغة والمجاز

صـورة بــلاغية !!

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )