تحليل وتعليق على قصيدة ( تأبط شرًّا) / نصوص لغة عربية


 تأبط شرا : اسمه ثابت بن جابر من قبيلة فهم وفهم وعدوان أخوان .

وكان قد خطب امرأة عبسية ، فأرادت إجابته ووعدت بمناكحته ، فلما جاءها أظهرت الزهد ، وأخلفت الود ، واعتلتْ بأن الرغبة في شرفه وفضله كما كانت ؛ لكنه قيل لها : ما تصنعين برجل يُقْتَلُ عنكِ قريبا ، لأن له في كل حيٍّ جِنايَة ، وعنده لكل إنسان طائلة من اسمه ( تأبط شرا ) فَتَبْقَيَنَّ أيِّما !!! فانصرف تأبط شرا ، وقال قصيدته السابقة في المساهمة الفائتة مباشرة ...................... ارجع إليها وتابع معنا .

إن رفض المرأة العبسية الزواج من الشاعر الصعلوك يمثل رفض القبيلة كلها ، وبرفض زواجه منها ، فإن القبيلة تنكر حقه في إنجاب أولاد شرعيين وبالتالي تحرمه من دوام نسبه وتراثه ، فهو لايستطيع أن يقدم لزوجته أيًّا كانت ، سوى الترمل ، ومن ثَمَّ لن يجلب للقبيلة كَكُلٍّ سوى المتاعب وسلسلةٍ لا تنتهي من الثارات ، وعلى النقيض من الرجل الذي يعيش في كنف القبيلة والزوج الذي ينتج حياةً جديدةً ( أي أولادا ) للقبيلة ويعمل لمصلحتها ، أما الصعلوك  المطارد فرفض قبيلته وقبيلة من يطلبها لا يحضر لأهله سوى الموت ، ويخلف وراءه التَّرَمُّل وليس الأمومة فهو طريد ومنبوذٌ ودمه مباح ...

والشاعر يصف نفسه بأنه ( لابس الليل ) أي يسري بالليل مثل الذئاب والحيوانات المتوحشة ، ولا يسير بالنهار مثل بقية الحيوانات الأليفة ... وفي البيت الثالث يأتي الطباق بين ( قليل و ( أكثر ) تقابل بين القة القليلة من النَّوم ، وهمُّهُ الكبير من جهة ودوام طلبه دم الثأر وضربه الخصم الشجاع من جهة أخرى ، ويف نفسه في البيت الرابع ( صعلوكا تدفعه شهوته إلى الدم والنِّزال حتى يتجاوز حدود المجتمع البشري مثله كمثل الحيوان المتوحش فكل عدو يطلبه بل إن كل شاب يسعى إلى المجد يقاتله .

والبيت الخامس يبدأ بكلمة ( قليل ) تكرار وتأكيدا لما في البيت الثالث ؛ مما يدل على فقر حاله وقلة طعامه وممارسته للشدائد في عبارات متقابلة ( رؤوس أضلاعه شاخصة ، أما أمعاءه فملتصقة بجانبه ، ويقرر في البيت السادس استبدال مغاني الوحش بمجامع الأنس كما قد تنبأ البيت الثاني فهو ليس مجرد كائن يعيش خارج المجتمع وإنما هو ضد المجتمع .

وتأتي صورة الراعي رمز المجتمع القبلي مقلوبة عنده ؛ فبالنهار يهجر الشاعر القطعان البريَّة التي أصبح يألفها لا يشغل بحمايتها من الوحوش الجوارح لأن همته مصروفة إلى قتل الشجعان وضرب هام الأعداء ،والبيتان 6 و7 في الشطر الثاني من البيت السابع وفي البيت الثامن يصرح الشاعر الصعلوك تأبط شرا بما يكسف عن سلامة رأي القبيلة التي رفضت زواجه من بنتها : فأيام من يزاول الغارات وتال الأعداء حتما معدودة ، وكذلك في البيت التاسع تقابل عدواة الشاعر التي لا تفتُر نحو البشرية حياته السلمية والمنسجمة مع الحيوانات البرية ، فقد اكتمل قلب الأدوار التي تختص به مكانة الصعلوك الهاشمية ؛ فالمنتمي إلى القبيلة يعيش في سلام مع أعضاء قبيلته ويصطاد الحيوانات المتوحشة ؛ أما الصعلوك فيقاتل أعداءه من البشر ويحيا في ألفة مع تلك الحيوانات نفسها ..

ويتضح ذلك الوصف عند قلب صورة المديح التقليدية عندما يصبح أكثر وضوحا عندما نقارن بين الأبيات 6 و9 في وصف المرْثِيّ في الرثاء المنسوب إلى تأبط شرا نفسه × فهو في البيتين 10 و 11 من الحماسية : كريم مثل غيث يحيي قومه وهو يعطي الهبات ؛ بينما هو يسطو كليثٍ أبل أي فاجر مصمم ماضٍ على وجهه لا يبالي ما لقي ، أي أنه في الإحسان بالغ أقصى الغايات ، وعند السطوة على الأعداء كالليث الكثير الإفساد الشديد النكاية ووصفه كذلك بأنه بين قومه في وقت السِّلم يسبل إزاره خيلاء وكِبْراً ويتبختر ذاهبا في الترف إلى أرفع درجة ، وهو إذا غزا فهو كالسِّمْع، وهو ولد الذئب الضبع أخبث أنواع السباع وأعداها .

ونرى الشاعر في البيتين الأخيرين 10 ، و11 يضع الصورة التي تجعله منسجما مع الحيوانات البرية ونرى أن الشاعر نفسه قد أصبح الفريسة التي تضني أرباب النوق الذين بالتالي يطاردونه وصورة النوق الحوامل تعبير عن خصوبة المجتمع القبلي وازدهاره وتستمر صورة الصيد خلال البيت 11 حيث يتنبأ الشاعر بمصيره المحتوم ـ أي الموت ـ على  شفار الرماح اللامعة .

===========================================

=المراجع / كتاب ( الشعر والشعرية في العصر العباسي ) لمؤلفتِهِ / سوزان بينكني ستيتكيفيتش 

ترجمة ومراجعة وتقديم : حسن البنّا عزِّ الدين ( المركز القومي للترجمة ) إشراف جابر عصفور .

معجم لسان العرب ، ومعجم الكشاف 

بحث تلخيصي لكاتب المساهمة بإيجاز واختصار .   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البلاغة والمجاز

صـورة بــلاغية !!

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )