لا تتهم أحدا إلا بدليل مقنع !/ أدب عربي و نقد
يَدَّعِي بعض الناس النقد ، وهو فن لغوي له أصول يستند عليها بالعلم والدراسة والممارسة لقول الشعر ؛ لكنه هناك بعضهم من يقول إن هذا البيت الشعري أو ذاك ( مسروق من فلان أو فلان ) ...... وهذا خطأ لأنه لم يذكر الدليل القاطع المقنع لدارس البلاغة العربية والأدب المستند إلى مهارة وعلم وبلاغة !!!
والأمثلة على هذا النقد الناقص ما نسب إلى ( الآمدي ) أنه ذكر أن هذا البيت ؛ الذي قاله مسلم بن الوليد : ( مسروق ) فقال :
قّدْ عَوَّدَ الطيْرَ عاداتٍ وَثِقْنَ بها **** فَهَلْ يَتْبَعْنَهُ في كلِّ مُرْتَحَلَ ...
قال الآمدي : أخذه الشاعر الطائي فقال :
وَقَدْ ظُلِّلَتْ عِقْبَانُ أعْلامِهِ ضُحىً *** بِعِقْبَانِ طَيْرٍ في الدِّمَاءِ نَوَاهِلُ
أقامتْ مَع الرَّاياتِ حَتَّى كَأَنَّها **** مِنَ الجَيْشِ إِلا أَنَّهَا لَمْ تُقَاتِلِ
وذكر الآمدي ثلاثة من الشعراء استخدموا البيت المسروق قبل أبي تمام ؛ مما يدلُّ في حَدِّ ذاته على أنه من المعاني المشتركةِ بين الشعراء !
والنقد الصائب أن يقال : ( أن الشاعر الطائي في بيته زادَ في المعنى زيادةً في قوله : ( إلا أنها لم تقاتلِ ) ، وجاء بالمعنى في بيتين ، وقد ذكر المتقدمون هذا المعنى ؛ فأول بيتٍ سبق إليه الأفْوَهُ الأوديّ حين قال :
وترى الطَّيْرَ على آثَارِنَا ****رَأْيَ عيْنٍ ثِقَةً أنْ سَتُمَارُ .
فَتَبِعَهُ النابغة الذبيانيّ فقال :
إذا مَا غَزَوْا بالْجَيْشِ حَلَّقَ فَوقَهُم **** عَصَائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدي بِعَصَائبِ
جَوَانِحُ قَدْ أَيْقَنَّ أَنَّ قَبِيلَهُ ********* إذا ما الْتَقَى الجَمْعَانِ أَوَّلُ غَالِبِ
فأخذهُ حميدُ بن ثَور فقال يصف الذِّئْبَ :
إذا مَا غَدَا رَأَيْتَ غَيَايَةً *** من الطَّير ينْظُرْنَ الذي هوَ صانِعُ.
وقال الشاعر أبو نوَّاس :
تَتَأَيَّا الطيرُ غُدْوَتَهُ *** ثِقَةً بالشَبَعِ مِنْ جَزْرِهِ.
( تَتَأيَّا معناها تَتَعَمَّد وتقصِد )
فالواضح أن الآمدي الناقد يناقِضُ نفسهُ ؛ حيث يُورِدُ فيه ثلاثَةَ مصادر محتملةً لبيت أبي تمام المسروق ، وبالتَّأكيدِ إذا كانت الصِّلَةُ بين الأصْلِ والصورةِ مشكوكا فيها هذا الشَّك، فإنَّ القولَ بالسرقةِ في هذا الحالة ليس مقنعا بالمَرَّةِ للقارئ الفاهم الدارس بدون سبب مقنع .
وأرى أن النقد وجهات نظر من جميع قراء ( النصِّ المتهم بالسرقة ) بالمقارنة بينه وبين ما يقارن به في قول السرقةِ.
والله أعلم بمراده ....
تعليقات