مدرسة المنفلوطي في النثر الأدبي
يُعتبَرُ فنُّ المقال عمودَ الأدبِ النثريِّ الحديثِ في الوطن العربي ، وقد أسس الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي أول مدرسة فنية للمقالة النثرية في العصر الحديث ، هذا الأديب الذي ولد سنة 1876 ميلادية، بمنفلوط محافظ أسيوط بمصر المحروسة ، والتحق بالأزهر ، وأكب على الدراسة والقراءة ، والتأليف ، وكان من سمات كتابته الفنية العناية بجمال العبارة دون تكلف بالسجع والمحسنات المزدحمة في النص، كما مال إلى الترسل ، وعدم التعقيد واهتم بشكل خاص بإثارة العواطف والوجدانات .
والحقيقة أن تلك الطريقة تمثل نهجا بيانيا محافظا في النثر الأدبي اتخذت مثلها الأعلى في الكتابة من جيد التراث ، وإن لم تحاكيه في الموضوعات ، وشاركت مقالات الكتاب في عصره في النضال ضد المستعمر.
ومما أخذ على تلك المدرسة فقر الجانب الفكري واصنطاع إثارة العاطفة ، وعدم الدقة في الاستعمالات اللغوية واهتمامها المبالغ فيه بالأسلوب وجماله دون المعنى .
لكن الأديب المنفلوطي اتجه اتجاها وسطا بين أسلوبين في الكتابة هما :
كان الأول يعتبر اتجاها مقاميا يهتم بالمحسنات اللفظية والزخرف البديعي ، والألاعيب اللغوية ، ويتشبث بالتراث العربي القديم فكان امتدادا للكتابة الإنشائية التي كان أصحابها لهم شأن كبير في الفترة السابقة بتأثرهم بفن المقامة الأدبية ، وكان النثر عند أصحاب هذا الاتجاه يمتليء بخصائص فن الشعر بل ويشتمل على بعض الأبيات المنظومة مع مضمون الكتابة النثرية ، ومن أمثلة رواد هذا المنهج
أحمد شوقي في كتابه ( أسواق الذهب) وتوفيق البكري في كتابه ( صهاريج اللؤلؤ ) .
والاتجاه الثاني جاء أكثر سلاسة وترسلا واهتماما بالفكر والثقافة ، لعدم اعتداده بالتراث ولإعجابه بالحضارة الأوروبية ؛ فكان يمثل لونا من النثر الثقافي الذي يقصد الحديث عن موضوع معين بأسلوب بسيط لتوضيح الأفكار العقلية ، وكان يمثله الكاتب أحمد لطفي السيد
واختار المنفلوطي الطريق الأوسط بين الاتجاهين ليشكل مدرسة فنية نثرية للمقال الأدبي
ومن آثاره (ماجدولين) و( الشاعر ) و( في سبيل التاج) وهي مترجمة ، وكتاب ( العبرات والنظرات ) و( الفضيلة )
وتوفي المنفلوطي سنة 1924 . تاركا بداية الطريق لنهضة النثر الأدبي للأجيال التي جاءت بعده .
تعليقات