التجنيد العسكري
نقل فصول من متنفس ذاتي
جاء القطار الحربي الى محطة سيدي جابر وكنا قد وقفنا متراصين على الرصيف وأمامنا المخالي , ولما التف القطار من ناحية محطة مصر ملتويايعلن وصوله, عانق الراحلون مودعيهم والقطار يندفع كالثعبان المخيف الى الرصيف الذي ضج بالحركة , ودمعت عيون المودعين لأبنائهم وهم يلوحون بعد أن تحرك القطار مشفقين عليهم من المصير المجهول الذي ينتظرهم
وعلا العربة وجوم وصمت كانه سكون العاصفة , وأخرجت من مخلتي رغيفا وثلاث بيضات مسلوقة لأتناول افطاري , وألقيت نظرة على شقتنا بكفر الدوار والقطار يمرق سريعا وخلعت غطاء رأسي ألوح به لأخوتي وهم يقفون بالبلكون يودعونني وكنت أسمع صرخات أخي يقول مع السلامة
ومن خلال النافذة مرت الأشياء بسرعة تجاه الاسكندرية , وكان صوت عجلات القطار رتيبا مملا , وظل يقطع المسافات والمحطات دون توقف الى الاسماعيلية التي وصلناها الساعة الواحدة بعد الظهر وانتظرنا ساعة ونصف بالقطار الذي سيحملنا الى فايد بعد ذلك , تناولنا غذاءنا ثم غادرنا الاسماعيلية والساعة تشير الى الثالثة والنصف بعد الظهر حين صدرت الأوامر [ان محطة الوصول القادمة فليستعد الجميع وليحمل المخالي والمعدات والحقائب الشخصية , وسار الضابط المرافق لنا دليلا , وكان على كل واحد أن يقطع مسافة ثلاثة كليو مترات سيرا على الأقدام الى كلية الضباط الاحتياط
لا مفر اذن من السير بهذا الحمل الثقيل وسط الصحراء والشمس المحرقة وهي تأخذ تجاه الغرب وتلمع أشعتها على الطريق الذي تندفع فيه بين الحين والحين عربات عسكرية مطلقة نفيرها العالي لنفسح لها , ومع وصولنا كانت أنفاسنا المتقطعة تلهث من التعب , وفي مدخل الكلية ألقينا ما نحمله على الأرض واستلقينا فوقه متهاوين في شكل طابور خماسي مستقيم , وجرت الترتيبات لاستقبالنا والقوة المرافقة لنا , وطال جلوسنا على المدخل وتلا وصولنا شباب القاهرة المجندين في فوج هائل . واصطفوا بالقرب منا ولوحنا لهم بالتحية
ثم صدرت التعليمات بحمل المخالي والحقائب والتوجه الى عنابر النوم المنتشرة وسط رمال الكلية الفسيحة , وبدا علينا فرحة قطعها صوت عال عات من معلمي الكلية العسكرية : ضعوا حقائبكم بسرعة والتجمع بعد خمس دقائق أمام العنابر
اذن لا نوم ولا راحة . وأطعنا الأمر ولا حيلة لنا غير ذلك ووقفنا في صفوف ثلاثية , وتحرك أول طابور عسكري تشيعه صرخات المعلم الصارم كأنها زئير أسد جائع , وقادنا الى مكان متسع يتوسطه ثلاث مربعات لتمارين العقلة .وهناك جلس عدد من العسكريين الضباط تحت أعمدة النور وأمامهم المناضد والكشوف .وبدأت ترتفع النداءات بأسمائنا واحدا تلو الآخر