العودة من كلية الضباط الاحتياط

نقل فصول من مدونتي متنفس ذاتي

العودة من كلية الضباط الاحتياط

قمنا لتمام النظافة الثاني بعد ساعة وطلب بعض الطلبة الذهاب الى الكانتين لشراء مأكولات , وكانت المسافة تزيد عن نصف الكيلو متر وتوجه معنا معلم الطلبة في مشية عسكرية منظمة الى هتاك , واشترينا البسكويت والعجوة والجبنة المثلثات والخبز , وعدنا الى العنبر لنضع هذه الأشياء , وليبدأ طابور التعليم الثاني للسير العسكري ( شمال يمين ) لمدة نصف ساعة حتى انهكت قوانا , وسمح لنا في الساعة السادسة والنصف بالراحة لمدة نصف ساعة , وبعدها طابور الميس للعشاء لمدة ساعة كاملة جري بالخطوة السريعة المنظمة وبعدها دخلنا المطعم ونفس الأكل : الفاصوليا والخبز المجفف وكمية من شوربة الملوخية ,, وبعد العشاء كان ينتظرنا طابور رياضي آخر يكفي وحده أن يجعلنا في غاية الجوع والعطش وأخيرا بروجي نوبة النوم في التاسعة مساءا وتطفأ الأنوار بعد نصف ساعة
تعودت على القيام في الخامسة والنصف صباحا بحثا عن الماء قبل نفاده وحلقت ذقني , ثم تكررت طوابير الأمس على نفس المنوال حتى العاشرة صباحا وجلسنا ننتظر كشف الهيئة وسبقتنا منطقة تجنيد القاهرة , وأخذنا نعد كشوف الأسماء من أربع صور واستأذنت من معلم الصف أن أجلس في الظل لأكمل الكشوف التي أسندت الي وظللنا نكتب حتى الثالثة بعد الظهر , وكانت رائحة السمك المقلي تشد انتباهي لما نشعر به من الجوع , وكان الغذاء كالمعتاد لاتغيير . الفاصوليا والعسل الأسود وأصبع من الموز لكل فرد
وبعد الغذاء توجهنا الى الكانتين نلتهم منه السندويتشات المختلفة والشاي والمشروبات الغازية لننسى أطعمة الميس وكان يوم الثلاثاء 23\1\1967 وفي المساء كان السمك المسلوق أما المقلي فكان ميس الضباط , ولم يأت دورنا في كشف الهيئة هذا اليوم .جلسنا بعد طابور الصباح بترتيب الكشوف التي كتبناها بالأمس حسب التخصصات للمتخرجين . كليات عملية : طب بأنواعه , وعلوم , وزراعة وصيدلة ثم الكليات النظرية : تجارة وآداب وحقوق ودار العلوم ........الخ وحضرت اللجنة بعد ساعتين تقريبا الى القاعة , جاء في البداية ضابط برتبة عميد بدين الجسم أصلع يلبس نظارة سوداء وخلع غطاء رأسه وألقاه على المنضدة أمامه وكذلك النظارة ثم أخرج عدة أوراق من حقيبة كانت معه , ثم اتجه الى ركن المسرح ودق تليفيوبا وخاطب رتبة أعلى منه لاحظنا ذلك في بنرة حديثه العالي كان يكرر ( حاضر يا أفندم ..) باحترام شديد . وأخرج مذكرة شخصية من جيبه وكتب اسما بصوت عال أملي عليه تأكد منه من المتحدث اليه وكرره عليه ثم قال : حاضر يا افندم ربنا يسهل . أي أوامر ثاني يا افندم ثم وضع السماعة وخرج للحظة قصيرة , ودخل ومعه خمسة ضباط برتب مختلفة وهم
اللواء \ على الجمل مدير كلية الضباط الاحتياط وثلاثة عمداء منهم \ محمد عثمان كاتم أسرار الضباط الاحتياط بالجمهورية , ومقدم أركان حرب كاتب الجلسة ولم أعرف عمل الآخرين . وكان العميد الأصلع البدين يجلس في الطرف الأيمن وهو كبير معلمي الكلية وفي الطرف الآخر مقدم مخابرات عامة بشأن التحريات عن المقبولين بالكلية . وابتدأ الامتحان في جو رهيب يسوده الصمت التام . وصعد أول طالب الى المسرح أمام اللجنة وسأله اللواء : عاوز تبقى ضابط في الكلية أم عسكري ؟
لم يتردد الطالب أن قال : عسكري يا فندم 
فأشار بيده الى الباب الذي يخرج منه وانصرف الطالب
ثم اعتدل اللواء في جلسته , وخلع غطاء رأسه ووقف أمام المنصة , وأخذ يعدد لنا مميزات الكلية , واغراءات المرتبات لمن سيستمر فيها عن زملائه من الذين يختارون التجنيد كعساكر واختلاف المعاملة لهم ثم ان الجنود سيرسلون الى اليمن أو سيناء في الجبهة الحربية ومن سيخدم في الكلية سوف يكون في خدمة زملائه الضباط الذين يدرسون فيها حتى تنتهي مدة تجنيده . ثم سكت قليلا وقال : والرأي الأخير ليس للطالب في الاختيار وانما للجنة وكشف الهيئة ثم جلس . ونودي على الثاني ومنذ خرج أول جندى في الكشف لم يخرج أحد من الباب الذي خرج منه , وجاء دوري على المنصة أمام اللجنة , وسألني المقدم الأول عن اسمي وأجبته , وسألني العضو الثاني عن تاريخ ميلادي وأجبته وكل ذلك موجود في صور الكشوف أمامهم . وجاء سؤال عميد الكلية لي : ماذا ترغب ضابط أم عسكري ؟
فأجبت بعد تردد : عسكري يا افندم . فقال : ليه ؟
قلت : لقد أغمي علي يا افندم وصحتي ضعيفة ولا أتحمل العمل هنا
قال : أنت لائق 3 أمامي يا ابني وسنك صغير , وملائم ان شاء الله . لا تخف صحتك سوف تتحسن هنا وتصبح ضابط ممتاز . طبعا تبقى ضابط ان شاء الله . لم ينل أحد من زملائي حوارا طويلا مع اللواء غيري 
لم أرد ووقفت صامتا 
مال عليه كاتم أسرار ضباط الاحتياط هامسا : دعه يا باشا الهئية العامة له تساعده على اختياره
وكان هناك توصية لكاتم الأسرار من أحد اللواءات التي سعي اليهم والدي للواسطة لي
وقال عميد الكلية : أنت حر سوف تندم . وأشار لي أن أخرج من باب العساكر
ندمت بعدها مباشرة فقط عندما فوجئت معاملة الحنان الجم من عميد الكلية وودت لو مكثت هنا , لكني وجدت الفرحة تعلو وجوه زملائي لحسن حظي وخروجي من كشف الهئية جنديا لا ضابطا فشكرت الله على كل حال
كنت ثاني عسكري حتى الآن يخرج من منطقة الاسكندرية , وجلسنا ساعتين أو ثلاث ونحن نرى المقبولين ينزلون واحدا بعد الآخر من على المنصة الى حجرة الترزي لتفصيل البدل العسكرية ثم الى حجرة الحلاق حيث يقصون شعرهم تماما ثم يعودون الينا أنا وزميلي ليهنئونا بمصيرنا وكظنا . وكنت لا أدري أهو حظ حسن أم لا ؟!! أأصبت الاختيار أم كانت الواسطة نقمة لا نعمة ؟!! الله أعلم
بلغنا خمسة عشر جنديا من منطقة الاسكندرية من الدفعة , وعاد معنا بعد أن حلق شعره أحد الطلبة من كلية الهندسة وكان قد أخذ يبكي وتوسل الى اللواء أن يكون جنديا بعد الكشف , ووافق على ذلك بعد جهد والحاح وتدخل أحد أعضاء اللجنة الذي كان موصى عليه هو الآخر . وعدنا مع المعلم الذي تناول معنا الطعام وكان مكرونة وموز وفاصوليا ولكن الكمية كانت مشبعة هذه المرة , وبعدها أخذ المعلم يحكي لنا عن حياته في الكلية فقال : اسمي طلعت منصور , ولي أكثر من عشر سنوات بالكلية معلما , وأموامر الكلية تقضي بالشدة مع الطلاب وأكثر ليتعلموا الصلابة والصبر , لكن شخصيتي تختلف عن ما أقوم به معهم , ولقد تخرج علي يدي أعداد كبيرة من الضباط , ثم يلقون علي أومرهم وتعليماتهم لأنفذها على الطلاب الجدد وأنا الذي علمتهم اياها , ولي صداقات كثيرة منهم . وسأله عن التكدير وجزاء المخطيء الصعب الذي نسمعه في الكلية فقال
أقصى عقاب الزحف بالمخلة والسلاح من باب الكلية حتى العنابر حوالي 500 متر , والطوابير الزيادة أو الاستحمام تحت الماء البارد لمدة ساعتين , وأقصي عقاب قمت به لطالب مخالف أن أمرته أن يقف في جردل ماء بادر ثلاث ساعات
سأله زميل لنا اسمه : عدلي زغلول في نيابة رشيد : ما أغرب يوم عشته في الكلية في حياتك ؟
قال : الدفعة السابقة لكم مات منها ثلاث ضباط , الأول من الاجهاد في الطوابير , والثاني ضربة شمس في طوابير الجبل , والثالث انفجار في شرايين المخ من الارهاق وقمت بالخدمة ليلا على أحدهم بالمشرحة في الجبل والمستشفى في مكان تحيط به الوحوش من ذئاب وثعالب وغيره , وعندم جئت للتمام على الجثة وجدت الضابط الميت ينظر لي نظرة مخيفة فيها حقد وكراهية شديدة , وكأنه يقول لي أنت السبب في موتي . وساعتها توقف شعر رأسي من الهول والفزع وظللت طول الليل في رعب لأنه خيل الي أن الميت استيقظ ساعتها ونظر لي تلك النظرة التي لن أنساها أبدا
دعينا للسينما في المساء لنشاهد فيلم ( لا أنام ) بطولة مريم فخر الدين وهندرستم وحسين رشدي وعماد حمدي , ثم عدنا مكرمين الى فصائل النوم ننتظر بشوق شديد السفر عائدين الى مكان أفضل من هذا
في الصباح التقينا نحن مجموعة الجنود المجندين ( عساكر ) تعرفنا على بعضنا البعض , عرفت : أسامة محمد ربيع المحامي الاسكندراني , وعبد العزيز المدرس وفاروق ومحمد سيد مهندسين وعدلي وفؤاد محاميين وعبد الهادي فراز قطن بكالوريوس زراعة وناصر صيدلي وأحمد قاسم اقطاعي ولا أذكر الباقين
وتمت اجراءات ترحيلنا الى الاسكبدرية وتهاوت علينا الخطابات من زملائنا الذي جندوا كضباط بالكلية لنتولى ارسالها الى أهليهم وتركنا الكلية الساعة الثانية عشرة ظهرا وكان موعد القطار الذي يصل من السويس الى محطة فايد بعد ربع ساعة وكان الحمل ثقيلا وعلينا أن نجري بالخطوة السريعة لنلحق القطار وكانت معنا القوة التي أحضرتنا من الاسكندرية وفي منتصف المسافة لحقتنا سيارة جيش ذاهبة تجاه المحطة وترفق بنا وتوقف وجمع منا خمسة قروش من كل واحد للسائق ولحقنا القطار بأعجوبة . ووصلنا الاسماعيلية ومنها الى بنها ونقلنا الى قطار قادم من القاهرة الى الاسكندرية كان تحرك القطار من بنها الساعة الرابعة عصرا
وعلى الرصيف خلع الجنود الملابس العسكرية وارتدينا الملابس المدنية وألقينا خطابات زملائنا ببريد المحطة واشتريت برتقالا وأكلنا وعندما مر القطار على كفر الدوار وكان الوقت قد أظلم ليلا لم أر أحدا في البلكونة من اخوتي , ووصلنا محطة سيدي جابر في الثامنة والنصف مساءا وأعطانا الضابط بدر تصاريح غياب يومي الخميس والجمعة وتركنا لنودع حقائبنا بالمعسكر ونعود لمنازلنا
واستأجرنا تاكسيات كل أربعة لنضع المخالي في ذهابنا الى المعسكر , وكانت الشرطة العسكرية تحاول أن تقبض علينا لارتدائنا ملابس مدنية ولكننا استطعنا أن نفلت منهم , وبعد أن تناولت العشاء مع زميلين هما سيد وعبد العزيز أخذنا قطار منتصف الليل أو الصعيدي كما يسمونه ونزلت بكفر الدوار بينما أكمل زميلاي الى دمنهور وأحدهما سيذهب الى كوم حماده , وبمجرد أن وصلت شقتنا ارتميت من التعب ونمت على الفور 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )